تستعد الفصائل الفلسطينية لتنفيذ التفاهمات التي جرى التوافق عليها خلال المشاورات التي جرت في القاهرة الأسبوع الماضي مع المسؤولين الأمنيين المصريين، ومن بينها «إعلان هدنة طويلة المدى عقب إعادة بناء جسور الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي»، وفق مصادر مطلعة على المشاورات التي جرت بالقاهرة، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، ورجحت عقد جولة جديدة من المشاورات بعد عيد الأضحى أي في يوليو (تموز) المقبل.
وقالت المصادر، التي تابعت ما دار خلال لقاءات قادة حركتي «حماس» و«الجهاد» مع المسؤولين المصريين، إن «المشاورات تطرقت إلى بحث إقرار (تهدئة طويلة المدى)، وبعض المناقشات دارت حول استمرار التهدئة لمدة تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات، إلا أن غياب الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حال دون التوصل إلى اتفاق محدد في هذه المسألة، لافتة إلى أن ذلك ما دعا الوسيط المصري إلى تأكيد أهمية «بناء الثقة عبر إجراءات محددة خلال الفترة المقبلة قبل إعلان التفاهمات في هذا الصدد بشكل محدد».
وأوضحت المصادر أنه «جرى الاتفاق على استمرار (التهدئة) حالياً، وأن تدير حركة (حماس) الحفاظ عليها، لحين بناء الثقة، وبعدها إعلان (الهدنة الطويلة)».
وكانت حركتا «حماس» برئاسة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، و«الجهاد الإسلامي» بقيادة الأمين العام زياد النخالة، قد عقدتا اجتماعات عدة مع مسؤولين أمنيين مصريين بارزين، تلبية لدعوة رسمية من الجانب المصري، هي الثانية من نوعها هذا العام، لبحث سبل الحفاظ على «التهدئة» في قطاع غزة، إضافة إلى مناقشة سبل تحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في القطاع.
وأوضحت المصادر أن «المشاورات تطرقت للكثير من القضايا ذات البعد الاقتصادي في قطاع غزة، خصوصاً ما يتعلق بإعادة تشغيل الميناء والمطار، لتسهيل حركة البضائع والأفراد من وإلى القطاع». وأشارت إلى أن الجانب المصري «أبلغ قادة الفصائل دعم القاهرة لأي جهود من شأنها تحسين الوضع الإنساني بالقطاع»، لكنه «رفض في الوقت نفسه التدخل في بعض التفاصيل التي تتعلق بالعلاقة بين الفصائل والسلطة الفلسطينية».
وأضافت المصادر أن القاهرة «تحدثت بوضوح عن احترامها التزامات السلطة الفلسطينية، وتقديرها العلاقة التي تجمعها بجميع الأطراف الفلسطينية في السلطة والفصائل، وأنها لا تتدخل في أمور ذات بعد اقتصادي مثل تحصيل الضرائب في القطاع وغير ذلك من الأمور التي تدخل في صلب العلاقة بين الأطراف الفلسطينية بعضها البعض».
وكانت القاهرة قد استقبلت قبل يومين فقط من انطلاق الجولة الأخيرة من المشاورات مع قادة الفصائل الفلسطينية، رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، الذي قال إنه «بحث مع المسؤولين المصريين الكثير من ملفات التعاون الاقتصادي»، مثمناً الدور الذي تلعبه مصر لدعم صمود الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأكدت المصادر أن المشاورات الأخيرة «انتهت إلى الاتفاق على مسؤولية حركة (حماس) عن ضبط الأمن في قطاع غزة، ومن بينها ما يتعلق بتحركات عناصر حركة (الجهاد) نفسها تجاه قوات الاحتلال الإسرائيلي».
وأشارت المصادر إلى أن هناك «رسالة واضحة» أبلغتها مصر إلى قيادات حركة «الجهاد» على وجه التحديد، وتتعلق بأن «الفترة المقبلة لا تحتمل أي ردود فعل غير مسؤولة أو محسوبة في ظل تربص الحكومة الإسرائيلية الحالية بالأوضاع في قطاع غزة». وأضافت أن المسؤولين المصريين أبلغوا قادة حركة «الجهاد» أن التهديدات الإسرائيلية باستهداف المزيد من قادة الحركة «جادة وخطيرة»، وأن «ضبط ردود الفعل يمثل ضرورة قصوى في الفترة الحالية».
واغتالت إسرائيل خلال عدوانها الأخير على القطاع في مايو (أيار) الماضي، 6 من أبرز القيادات العسكرية لـ«سرايا القدس»، الجناح المسلح لحركة «الجهاد»، قبل أن تقوم القاهرة بوساطة لإعلان اتفاق بشأن وقف إطلاق النار يشمل «وقف استهداف المدنيين وهدم المنازل وأيضاً استهداف الأفراد وذلك فور البدء في تنفيذ الاتفاق»، حسب نص الاتفاق.
وفيما يتعلق بالاستفادة من استكشافات الغاز في منطقة شرق البحر المتوسط، وسبل تشغيل حقل «غزة مارين»، الذي يبعد 40 كيلومتراً عن شاطئ القطاع، قال مصدر إن مشاورات القاهرة أظهرت «تجاوباً» من جانب حركة «حماس» بشأن الأفكار التي قدمتها القاهرة، ومن بينها «إطلاق إجراءات تشارك فيها الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية»، بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، إضافة إلى إجراء مباحثات مع الحكومة الإسرائيلية في هذا الشأن. وأوضح المصدر أن تلك الإجراءات المتعلقة بتطوير حقل الغاز قبالة ساحل غزة «ستكون ضمن بنود أخرى يناقشها وفد مصري خلال الفترة المقبلة عبر سلسلة من اللقاءات التي اتفق على عقدها مع الأطراف المعنية».
يُذكر أن صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين للنفط والغاز وقّعا في عام 2021، مذكرة تفاهم مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية لتطوير حقل غاز غزة والبنية التحتية اللازمة لتشغيله، إذ تعطل استخراج الغاز من الحقل نتيجة الظروف السياسية والأمنية التي يعانيها القطاع الذي تسيطر عليه حركة «حماس» منذ عام 2007.