نشرت قناة “الحرة” الأمريكية تقريرا حول التطورات التصالحية في المنطقة، وقالت منذ فترة ليست بالطويلة، تشهد دول منطقة الشرق الأوسط تحركات مكثفة لإعادة العلاقات فيما بينها تمهيدا لإنهاء الخلافات، التي تسببت بقطيعة دبلوماسية أو حرب كلامية وفي أحيان كثيرة صراعات بالوكالة.
آخر هذه التحركات، تلك المتعلقة بالسعودية وإيران اللتين أعلنتا في وقت سابق من هذا الشهر، استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سنوات من العداء الذي هدد الاستقرار والأمن في الخليج، وساهم في تأجيج صراعات في الشرق الأوسط، من اليمن إلى سوريا.
وجاء الإعلان عن الاتفاق بين الجانبين، الذي تم بوساطة الصين، بعد محادثات لم يكشف عنها من قبل في بكين بين مسؤولين أمنيين كبار من البلدين.
بعدها بأيام قليلة تحدثت تقارير أن السعودية وسوريا اتفقتا على إعادة فتح سفارتيهما بعد عيد الفطر، وفقا لوكالة رويترز.
وقبل ذلك بعدة أشهر أعادت الإمارات علاقاتها مع سوريا، فيما يجري الحديث عن محاولات للتقريب بين دمشق وأنقرة. وفي ذات السياق تتجه مصر إلى إعادة علاقاتها مع تركيا، وكل ذلك جاء بعد المصالحة الخليجية مع قطر والمصالحة الخليجية التركية.
فما سر اتجاه جميع دول المنطقة إلى التصالح؟
يقول الباحث والزميل غير المقيم بمعهد ستيمسون للأبحاث عامر السبايلة إن السبب في ذلك يعود “للاستنزاف الذي تسببت به طول الأزمات وتغير الأولويات وتشكل قناعات جديدة بضرورة الانتقال لمرحلة مبنية على أسس المنفعة الاقتصادية”.
ويضيف السبايلة في حديث لموقع “الحرة” أن “الجميع اليوم بدأ يفكر ببراغاماتية اقتصادية، من خلال تحسين الوضع الاقتصادي وتعزيزه وخاصة بعد مرحلة كورونا، التي أجبرت الدول على التركيز أكثر على التحديات الداخلية”.
ويرى السبايلة أن “مواجهة هذه التحديات لا يمكن أن ينجح في ظل وجود صراعات خارجية مفتوحة تستنزف موارد الدول”.
بالتالي يشير السبايلة إلى أن “الكثير من هذه الدول دفعت فاتورة فلكية لاستمرار الصراعات، مما شكل في النهاية قناعات لديها أن الطريق الأفضل اليوم هو التركيز على الاقتصاد وتخفيف الأزمات لضمان عدم انعكاسها على الداخل”.
على الجانب الآخر يرى حسن منيمنة المحرر المساهم لدى منتدى فكرة التابع لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن “هذه المصالحات ليست جديدة”.
ويقول منيمنة لموقع “الحرة” إن “خفض التوتر والاتجاه نحو اللقاءات والمصالحة جرت منذ فترة، لكن التركيز زاد عليه بعد الوساطة الصينية بين إيران والسعودية وأصبحت أكثر نضوجا ووضوحا”.
ومع ذلك يشير منيمنة إلى أن “نقاط الخلاف لا تزال كثيرة” واصفا ما يجري بأنه “تقدم كمي، ولا يمكن الحديث عن تقدم نوعي باتجاه المصالحة في المنطقة”.
بدأت الصراعات والخلافات تظهر على السطح في منطقة الشرق الأوسط، بعد ثورات الربيع العربي، حيث اختلفت وجهات نظر الدول العربية والإقليمية فيما جرى وكان لكل منها رؤيته للمشهد.
من مصر إلى ليبيا ومرورا بتونس واليمن وانتهاء بسوريا، عملت دول المنطقة على تشكيل تحالفات للتعامل مع ما يجري في المنطقة من متغيرات متسارعة.
يؤكد السبايلة أن “هناك أزمات مفتوحة لا تزال قائمة سواء في سوريا أو اليمن أو لبنان أو ليبيا وحجم الخلافات بشأنها كبيرة، على الرغم من أنها لن تكون بنفس الوتيرة التي كانت عليها في السابق”.
ويقول السبايلة: “لكن بالنهاية اعتقد أن الجميع تعلم الدرس من فكرة الأزمة المفتوحة والاستنزاف الناتج عنها”.
ويبين كذلك أنه “ليست هناك أرضية حقيقية للتفاهمات التي جرت مؤخرا، من دون استثناء”، مبينا أن “المنطقة تشهد بين فترة وأخرى خلافات جديدة على كل المستويات سواء ما قبل الربيع العربي وما بعده من الأزمة الخليجية، التي يبدو أن تتجدد اليوم بشكل منافسة اقتصادية”.
ويعتقد السبايلة أن “الأسس التي بنيت عليها التفاهمات الأخيرة ليست رصينة وقد يتغير شكل المتصارعين في أي لحظة”.
يقول السبايلة إنه “وفي ظل المنافسة الكبيرة المتوقعة والمبنية على أسس اقتصادية، فإن بعض دول المنطقة ستحاول أن تكون مركز جاذب للفرص الاستثمارية”.
ويضيف أن “هذا الأمر بالتأكيد سيخلق صيغة جديدة من التحالفات ويزيد المنافسة وبالتالي قد يؤدي لصدامات”.
بدوره يشير منيمنة إلى أن “الانكفاء الأميركي عن المنطقة ساهم أيضا في ظهور مثل هكذا تحركات، مع أهمية الإشارة لوجود إشكالية في الدور الأميركي في المنطقة”.
ويضيف أنه “منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما يجري الحديث عن فك الارتباط من المنطقة والتركيز على آسيا”.
ويرى أن “انسحاب أوباما المتسرع من العراق وتوقيع اتفاق نووي مع طهران تسبب في تعميق الأزمة وتوتير العلاقات مع دول الخليج”.
كذلك أشار إلى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ضاعف من الأزمة عندما حاول التلاعب على الخلافات العربية والخليجية والاستفادة منها”.
ويرى منيمنة أن “هذا التذبذب في الدور الأميركي أدى بالفعل لمسعى من جانب مختلف الدول في المنطقة لإيجاد البدائل”.
يؤكد منيمنة أن “لا أحد يستطيع التكهن كيف ستسير هذه المسارات التصالحية المختلفة، ولكن يجب أن نؤشر أن هذه المصالحات هي خطوات أولى لا تزيل الأسباب العميقة للخلاف”.
وبالتحديد، يتحدث منيمنة عن “المصالحة الأهم” بين إيران والسعودية، والتي قال إن “أسباب الخلاف بينهما لا تزال قائمة كما هي، ولكن احتمالات الإفراج واردة ولا يمكن الاستهانة بها”.