لن تحقق اسرائيل ابداً الانتصار على الشعب الفلسطيني ، فلن تنتصر عليهم لا شعباً ولا ثقافة ولا وجوداً، لا تستطيع اسرائيل القضاء على الشعب الفلسطيني ولا طرده من الجغرافيا او التاريخ ، ولن تحقق اسرائيل لذلك الامن النهائي ، لا لافرادها ولا لجمهورها ولا لكيانها ما لم يكن هناك تسوية مرضية للشعب الفلسطيني يوافق كل اطيافه ومكوناته عليها. وعلى ذلك ، لن تحقق اسرائيل لنفسها مجتمعاً او كيانا عادياً، يتمتع بالهدوء والاستقرار والحداثة واللبيرالية ، فلا يمكن لاسرائيل ان تضمن كل ذلك وتحققه فيما تدير احتلالاً متوحشاً من جهة وتدير اكبر وكالة استعمارية في الكوكب من جهة اخرى، ولن تحقق اسرائيل اندماجاً في المنطقة لا بالقوة ولا بالاقتناع، ذلك ان اسرائيل – بتركيبتها السياسية والايدلوجية والدينية- غير قادرة على نسج العلاقات الطبيعة القائمة على الندية والمشاركة والتعاون، ولن تحقق اسرائيل ما تحلم به من تهويد للاقصى واسرلة للقدس، فهذه المدينة المقدسة لا تمتلك بالقوة ولا بالحديد ولا بالنار، فهذه المدينة لها استحقاق غالٍ ومكلف، ولا تستطيع اسرائيل ابداً ان تتجاوز الخروق والثقوب والعيوب والشروخ بين طوائفها وقطاعاتها المتعددة ، فهي ثقافات فرعية لم تسطيع اسرائيل ان تذيبها او تتجاوزها ،
ولن تحقق اسرائيل ابداً دولة كما حلم بها الاباء الصهاينة الاوائل، فها هي اسرائيل تختطف لصالح قوى واحزاب تريد امتلاك القوة والسلاح والمال من اجل اقامة دولة الرب او دولة الشريعة كما يحلمون بها، ومثل هذه الدول عادة ما تتورط الى اذنيها في الحروب الوهمية او المتخيلة او الحقيقية، انزلالق اسرائيل نحو المشيحانية الخلاصية متوقع جداً، ذلك ان الرياح التي تهب عليها هي رياح الاحساس بالتهديد او الكارثة، ورياح التطرف الديني والقومي ورياح العدوانية والعنف الشديد، وكل هذا سيسرع اصطدام السفينة الاسرائيلية بكل جبال الثلج والعتمة في العالم ، ولن تستطيع اسرائيل الا ان تكون اسرائيل ، اي طوائف منعزلة عن نفسها وعن العالم وتنشغل بتفسيرات التوراه والتلمود وتطبيقاته انتظاراً لمجئ المشيح او حثه على المجئ ،
ولهذا ، لن تستطيع اسرائيل حقا ان تدخل في تسوية منطقية، لا مع ذاتها ولا مع غيرها، فاسرائيل تتآكل من الداخل ، من حيث الوحدة الداخلية والاهتمام بنوعية الافراد ونواظم الحكم ومعاييره، تدخل اسرائيل الان مرحلة التساؤلات الكبرى حول الجدوى والمصير، ويتم فحص المسلمات وتمحيص كل ما قامت عليه اسرائيل ومن اجله، ولان المنفى يعيش في قلب كل يهودي اسرائيلي، باعتباره تاريخياً وعقيدة، فان المنفى يصبح احد الخيارات الكبرى والتي تمارس بسهولة في كل مرة، وبغض النظر عن كون هذا المنفى جغرافياً كان ام روحياً، الا ان اسرائيل التي تتغير بوتيرة عالية، تفشل حقاً في ان تفرض مشروعها او ايدلوجيتها وحتى وجودها، ليس للعرب بل لانفسهم اصلاً.
لهذا، فان اسرائيل لن تحقق السلام الذي تحلم به او ترفعه كشعار لم تطبقه يوماً ، فهي الكيان والمجتمع الذي يعيش الحرب منذ ان انشيء حتى يوم الناس هذا، اسرائيل تعتقد ان هذا العذاب هو جزء من الخلاص ، وهكذا يتحول تاريخها القديم كما الجديد الى دين او عقيدة تمارس يومياً وهو ما قد يراه البعض بانه الجنون بعينه، وقد يكون ذلك صحيحاً.
فاسرائيل يغيب فيها التعقل ويغيب فيها الاعتدال ، فلا مرونة اليسار ولا الاعيبه، ولا أناقة اللغة الدولية ومراوغتها ، نحن الآن أمام زعماء اسرائيليين جدد يرغبون ويعملون بجد وسرعة على اقامة دولة الرب باعتبارهم رسله او غضبه او وسائله او كل ذلك.
وما لن تحققه اسرائيل هو اوهامها الكثيرة وخططها البديلة وتحالفاتها الهشة ، اقول ذلك بمناسبة قرارات الكابنيت الاسرائيلي يوم الثلاثاء الماضي حيث فوض نتياهو وغالانت بالرد على العلميات الفلسطينية، كان من اللافت ان الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بما فيها هذه الحكومة المتطرفة انهم يلجأون كل مرة الى ذات الوسائل للحصول على نتائج مختلفة. هكذا هو كل احتلال،في لحظة من لحظات نهاياته ، يفقد المرونة والتكيف والقدرة على قراءة الواقع، ويتصرف من وحي افلاسه الفكري والحضاري والسياسي والامني أيضاً.