تواصل الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، تحركاتها لفرض الأجندة اليمينية الدينية القومية على السياسات الإسرائيلية، عبر سلسلة من المخططات و”الإصلاحات” التي من شأنها إحداث تغيير جذري في طبيعة النظام الإسرائيلي عبر سياسات داخلية تتعلق بالعلاقة بين السلطات، وكذلك عبر تكريس واقع جديد في الضفة الغربية من شأنه الإنهاء على فرص تنفيذ حل الدولتين عبر تعزيز الاستيطان وتسريع وتيرته والضم الفعلي لمناطق في الضفة.
وكشف تقرير أوردته صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية يوم الأربعاء، عن سلسلة طويلة من الخطوات “غير المسبوقة” لتسوية وتعزيز الاستيطان اليهودي في الضفة المحتلة، تجري مناقشتها في إطار المساعي لتنظيم العلاقة بين وزير الأمن في الحكومة الإسرائيلية، يوآف غالانت، والوزير في وزارته، بتسلئيل سموتريتش، الذي حصل على صلاحيات غير محدودة في الضفة.
وفي لقاء مع رؤساء المجالس الاستيطانية، كشف غالانت عن بعض الإجراءات التي تخطط لها حكومة نتنياهو ولم ترد في الاتفاقيات الائتلافية بين الليكود وحزبي “الصهيونية الدينية” و”قوة يهودية” – تسوية البؤرة الاستيطانية العشوائية “إفياتار”، وتعديل القانون الذي سنّه الكنيست في 2005 لتنظيم خطة الانفصال عن غزة التي فككت إسرائيل بموجبها أربع مستوطنات شمال الضفة، بما يسمح بعودة المستوطنين إلى بؤرة “حوميش” الاستيطانية، وتعزيز البنية التحتية وتأمين البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة، وغيرها من الإجراءات.
الإجراءات الجديدة… غير المعلنة
وتشمل الإجراءات الجديدة التي كشف عنها غالانت وأوردتها الصحيفة في تقرير صدر عنها اليوم، الأربعاء، دعوة “المجلس الأعلى للتخطيط والبناء في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)” لعقد جلسة فورية، يصادق خلالها على العشرات من المخططات الاستيطانية التي “تعطلت” في العام ونصف العام الماضيين، والمصادقة على بناء نحو 18 ألف وحدة استيطانية جديدة خلال الأشهر المقبلة.
كما تخطط الحكومة الجديدة لتعديل جدول جلسات المجلس الأعلى للتخطيط والبناء في الضفة، لينعقد مرة كل شهر، عوضا عن انعقاده مرة كل ثلاثة أشهر خلال حكومات نتنياهو السابق، في حين أشارت “إسرائيل اليوم” إلى أن المجلس لم ينعقد سوى مرتين خلال ولاية حكومة بينيت – لبيد السابقة.
مراحل “الثورة الاستيطانية” لحكومة نتنياهو:
المصادقة على 18 ألف وحدة استيطانية جديدة
انعقاد المجلس مرة كل شهر وليس مرة كل ثلاثة أشهر
لجنة فرعية للمصادقة على بناء استيطاني لا يشمل وحدات سكنية
3 تواقيع وليس 5 للمصادقة على المخططات الاستيطانية
تجاوز وزارة الجيش والمؤسسة العسكرية و”تمدين” الإدارة المدنية في الضفة
“ضم مصغر” عبر إدارج الفلسطينيين في المعطيات الرسمية الإسرائيلية
وسيتم إنشاء لجنة فرعية منبثقة عن المجلس، لتسريع وتيرة المصادقة على مخططات بناء في الضفة لا تشمل وحدات سكنية للمستوطنين، مثل رياض الأطفال ومنشآت صناعية، على أن تجتمع هذه اللجنة الفرعية بشكل متكرر – كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع – للموافقة على المخططات التي تعدها الحكومة في هذا الإطار.
زيادة عدد المستوطنين وتسريع وتيرة البناء الاستيطاني
وتشمل المخططات الإسرائيلية كذلك اختصار عملية المصادقة على المخططات الاستيطانية الجديدة، لتقليص الفترة الزمنية بين عملية التخطيط والبدء الفعلي بعمليات البناء، وذلك عبر تقليص عدد التوقيعات المطلوبة للمصادقة على المخططات الجديدة من خمسة إلى ثلاثة توقيعات، الأمر الذي من شأنه تسريع وتيرة البناء الاستيطاني، وتقليص الفترة الزمنية بين التخطيط والبناء بعدة أشهر.
ووفقا للتقرير، فإن الهدف الواضح الذي وضعه وزراء الحكومة الإسرائيلية الحالية هو زيادة عدد المستوطنين في الضفة بمئات الآلاف في السنوات القادمة؛ وفي سبيل ذلك، تسعى الحكومة – كما اتضح من خلال الاتفاقيات الائتلافية – إلى تقليص سلطة الجيش على “الإدارة المدنية” للاحتلال في الضفة، في عملية وصفتها الصحيفة بـ”تمدين” الجهاز عبر وصله مباشرة بالوزارات الحكومية المختصة، لتعمل على تقديم خدمات للمجالس الاستيطانية والمستوطنين دون الحاجة إلى وساطة وزارة الأمن أو قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال المسؤول عن “وحدة التنسيق” و”الإدارة المدنية”.
تجاوز السلطات الأمنية
ووفقا للاتفاقيات الائتلافية، ستنتقل المسؤولية عن “وحدة تنسيق أنشطة الحكومة في المناطق” المحتلة، و”الإدارة المدنية” لسلطة سموتريتش، الذي سيكون مسؤولا كذلك عن تعيين رئيس “الإدارة المدنية” ومنسق “أنشطة الحكومة (الإسرائيلية) في المناطق” المحتلة، علما بأنه منذ تأسيسها عام 1981، فإن تعيين رئيس الإدارة المدنية، وهو ضابط برتبة عميد، لا يخضع لأي تدخل سياسي ويقتصر التعيين على قرار من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، يصادق عليه وزير الأمن، وكذلك الأمر بالنسبة لتعيين المنسق، وهو ضابط برتبة لواء.
والإدارة المدنية هي المسؤولة عن المصادقة على مخططات البناء الفلسطينية وبناء المستوطنات في المنطقة (ج)، وقسم التفتيش في الإدارة مسؤول عن الكشف عن البناء “غير القانوني” وهو القسم الذي يقوم، من بين أمور أخرى، بتفكيك البؤر الاستيطانية غير القانونية، بموجب القانون الإسرائيلي (لم تقم على ما يسمى بـ”أراضي دولة”). كما أن الإدارة مسؤولة أيضًا عن إصدار تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين وكذلك الاتصال بالسلطة الفلسطينية بشأن القضايا المتعلقة بالتنسيق الأمني والمدني، وبناء البنية التحتية مثل شق الطرق أو مد شبكة المياه.
تكريس للضم الفعلي
وعقد رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو يوم الثلاثاء، جلسة ثلاثية بمشاركة غالانت وسموتريتش، لتنظيم عملية نقل المسؤولية عن الإدارة المدنية ووحدة التنسيق إلى سموتريتش، الأمر الذي تعارضه أجهزة الأمن الإسرائيلية، بما في ذلك رئيس الأركان السابق، أفيف كوخافي، الذي صرح بذلك قبل انتهاء فترة ولايته قبل نحو أسبوعين.
ووصف التقرير هذه العملية بـ”تطبيع” حياة المستوطنين في الضفة ومساواتها بسكان المدن الإسرائيلية، ما يعني بكلمات أخرى الضم الفعلي لهذه المناطق الفلسطينية في الضفة لسيادة الاحتلال الإسرائيلي، وتكريس واقع الأبرتهايد. بحيث يحظى المستوطنون اليهود بنظام حكم يشتمل على امتيازات، بينما تمارس حكومة الاحتلال القمع بجميع أشكاله بحق السكان الفلسطينيين.
كما تناقش الحكومة الإسرائيلية، “بجدية”، على حد تعبير “إسرائيل اليوم”، “تغيير المعطيات الرسمية والبيانات المتعلقة بالمستوطنين في جميع الوزارات الحكومية، بحيث ترفع عددهم من نصف مليون مقيم في يهودا والسامرة، إلى 2.5 مليون، بما يشمل السكان العرب”، أي إدراج السكان الفلسطينيين في المعطيات الرسمية الإسرائيلية، في تجل صارخ لعملية الضم الفعلي.
وكشف التقرير أنه تمت مناقشة هذا المقترح خلال اجتماع غالانت مع رؤساء المجالس الاستيطانية في الضفة. وبحسب التقرير فإن الهدف من هذا الإجراء، هو تعزيز مصادقة الجهات الحكومية المعنية على مخططات لتعزيز البنية التحتية للمستوطنات في الضفة، بما في ذلك مخططات شق الطرق وبناء الجسور والأنفاق والبنى التحتية.
وظهور أرقام مرتفعة في البيانات الحكومية بشأن الأشخاص “المستفيدين” من هذه البنى التحتية، قد يسرّع من عملية المصادقة على المخططات، وادعى التقرير أنه “عندما تسعى للتخطيط لبناء طريق أو استخدام آخر للبنية التحتية في هذه المناطق، فإن العدد الحقيقي للأشخاص الذين يسافرون على الطريق أو يستخدمون تلك البنية التحتية ليس فقط عدد السكان اليهود، ولكن أيضًا العرب”.
خطوات فورية… إنهاء ما كان قد بدأ
وتشمل الإجراءات الإضافية التي تناقشها الحكومة للوصول إلى قرار نهائي بشأن مخططاتها الاستيطانية، تشمل استكمال المشاريع الاستيطانية التي توقفت في عهد الحكومة السابقة، وخاصة تعبيد الطرق وتطوير الطرق القائمة؛ وتعزيز الإجراءات الأمنية على الطرقات وفي محيط المستوطنات، مثل زرع المزيد من الكاميرات وإقامة المزيد من الأسوار وغيرها من الإجراءات الأمنية، وزيادة الرقابة على قوانين المرور، وزيادة عدد أفراد أمن الاحتلال في الضفة.
ولفتت الصحيفة إلى أن انعقاد المجلس الأعلى للتخطيط والبناء، ستتأجل إلى ما بعد زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى إسرائيل نهاية الشهر الجاري، مشيرة إلى أن الهدف الإسرائيلي المحدد حاليًا هو الوصول إلى مليون مستوطن إسرائيلي، معتبرة إلى أنه “من الممكن مضاعفة” عدد المستوطنين في الضفة الغربية “في غضون عقد”.