غزة: “أخبرونا بأنهم يريدون فتح شارع، وسلمونا إخطارات تطالبنا بالإخلاء الفوري، هذا ما تحدث به متضررون من فتح الشوارع التي تقوم بها بلدية غزة.
وفي تقرير لشبكة “نوى“، قال المتضررون: “اطلعوا من البيوت الآن، وإلا الجرافات راح تهد بيوتكم عليكم”. نحن رفضنا، وتمسكنا بعدم إخلاء بيوتنا إلا بعد تعويض كامل قبل فتح الطريق”. بحرقةٍ يروي المواطن محمد أبو العمرين، أحد سكان العمارات التي سيقتطعها شارع رقم (2) بمدينة غزة (امتداد شارع العيون) ما حدث معه.
وأكملوا: “مطالبنا ليست كثيرة، نريد فقط بيوتا في نفس المنطقة، بنفس المستوى الذي نعيش فيه، قريبة من مدارسنا، وأهالينا. نحن مع ازدهار المدينة، لكن يجب أن تنصفنا البلدية بالتعويض، فكل عمارة تأوي 25 فردًا”.
يسكن أبو العمرين في عمارة من ثلاثة طوابق تعيش فيها ست عائلات، تمتد على مساحة 260 مترًا، سيستقطع الشارع منها 170 مترًا. يقول أبو العمرين بنبرة غاضبة: “طلبوا منا أن نرسم الإحداثيات، وفرز البيوت على نفقتنا الشخصية، وفعلنا ذلك”، مشيرًا إلى أن الشارع يقع في منطقة فاصلة بين حدود بلديتي غزة وجباليا.
هذا التحقيق يفتح ملف الشوارع في قطاع غزة، ويكشفُ معاناة إنسانية كبيرة يتعرض لها المواطنون المتضررون جرّاء تأجيل التعويض في حالات عديدة، ونتيجة تغيير مخطّطات بعض الطرق عن الصيغة القديمة التي رتّب المواطنون حياتهم عليها.
ووفق نتائج البحث الأولية، كشف التحقيق اعتماد البلديات على قانون تنظيم المدن لسنة 1936م، الذي سنّه الانتداب البريطاني، وهو مشوب بالعديد من الإشكاليات القانونية والواقعية، إذ يحصر التعويض للمساحات التي يزيد اقتطاعها عن 25% من مساحة الأرض، وبالتالي لا يحصل من يقل الاستقطاع من أرضه عن هذه المساحة على تعويض.
في عام 1996م، نشرت بلدية غزة إعلانًا بفتح شارع رقم “3” داخل مدينة غزة، والمعروف باسم “خليل الوزير” الآن. حينها كان عدنان سليم عطا الله أحد المعترضين.
الحاج عدنان عطا الله: منذ أكتوبر 2021 ولغاية الآن بلدية غزة تماطل
منذ ذلك الوقت لغاية 2021م، لم يُفتتح الطريق، ولم يستطع عطا الله استعمال أرضه البالغ مساحتها 595 مترًا مربعًا، ولم يستطع البناء عليها، أو بيعها، لعدم درايته بحجم المساحة التي ستُقتطع منها وكم سيتبقى له.
نشرت البلدية إعلانًا ثانيًا قبل عام، تخلله جلسات بين المتضررين والحكومة بعد حدوث مشادات بين عناصر شرطة البلديات والأهالي، إلى أن جرى الاتفاق على تعهد لجنة متابعة العمل الحكومي بقطاع غزة، بدفع نصف المبلغ للمتضررين، و50% ستقوم بلدية غزة بتعويضها من الخدمات، ولكن بعد خصم نسبة 25% من إجمالي مساحة الأرض حسب قانون الانتدابي البريطاني.
حصل عطا الله على إشعار بأن لديه تعويض تبلغ قيمته 77 ألف دينار، منهم 39 ألف دينار على بلدية غزة، “والمبلغ المتبقي ستدفعه الحكومة”.
يؤكد الحاج عطا الله وهو يمسك رزمة أوراق حصلنا على نسخٍ منها بانفعال، أنه يدفع خدمات البلدية باستمرار، وأن خصم مستحقاته على البلدية من الخدمات، يجعل مدة الحصول على التعويض تمتد عبر سنوات طويلة، مشيرًا إلى أن البلدية طلبت منهم إحضار معاملات تراخيص من أقارب ومواطنين ليتم تسويتها، وهذا ما خلق مشكلة أخرى.
يتم خصم 25% من اجمالي مساحة الأرض لصالح البلدية كمنفعة، ويكون التعويض على 75% من مساحة الأرض، كما يبين، ملفتًا إلى وجود خلاف بين الحكومة والبلدية على تقدير سعر متر الأرض، حيث ثمنت البلدية المتر المربع بمبلغ 400 دينار، أما اللجنة الحكومية فقدرت سعر المتر بمبلغ 170 دينارًا للمتر، وأن هناك لقاءً قريبًا بين الطرفين لتحديد السعر المناسب.
مماطلة في التعويض
يتهم عطا الله البلدية والحكومة بالمماطلة بتنفيذ وعدها بالتعويض، قائلًا: “اتفقنا أنها ستعطينا نسبة 100% من التراخيص التي نحضرها، ثم انخفض الأمر إلى 30%، ثم حددوا النسبة بالنصف، وقد يلغون الأمر”، مؤكدًا، أنه منذ شهر أكتوبر/ تشرين أول 2021م، ولغاية الآن لم يحصلوا على تعويض”.
زكريا عطا الله: يتم التعويض مقابل تسوية مقاصة وهذا جعلنا نعمل كمحصل للبلدية
زكريا عطا الله، ذهبت أرضه البالغة مساحتها 270 مترًا مربعًا مع الطريق، وتبلغ مستحقاته 74 ألف دينار. يفرد أوراقًا قدمها على الطاولة، معلقًا: “لا يوجد لدينا دخل، ولا سيولة، كما أن إحضار مقاصة ترخيص، يجعلك تعمل كمحصّل للبلدية، ويُعرّضنا للاستغلال أثناء إحضار ترخيص بناء أو فواتير”.
مرجان عطا الله، متضررٌ آخر، وقد ذهبت أرضه البالغة مساحتها 446 مترًا مربعًا كاملة مع الطريق، وتبلغ قيمة مستحقاته 133 ألف دينار، يدخل في أطراف الحديث قائلًا: “عندما تذهب لإحضار رخصة، يطلب منا التاجر أو الشخص الحصول على نسبة 10% إضافية، أو تقديرها بثمن شقة، واحتساب سعرها مضاعفًا علينا، أي أن البلدية تركتنا للاستغلال”.
ناصر عطا الله عن أرضه بشارع الرشيد: منذ 5 سنوات لم أحصل على تعويض
يملك ناصر عطا الله، أرضًا تبلغ مساحتها 540 مترًا مربعًا أيضًا، ذهبت كلها بشارع رقم “3”، ويبلغ مبلغ التعويض 117 ألف دينار، مشيرًا، إلى أنه لديه أرض أخرى، استقطع شارع الرشيد منها 350 مترًا ولم يحصل على تعويض منذ خمس سنوات، ويمر بها شارع فرعي زادت البلدية عرضه من 8 أمتار حسب المخططات القديمة إلى عرض 16 مترًا بالمخطط الجديد. يتساءل: “كيف يتم فتح شارع فرعي يبلغ طوله 150 مترًا بهذا العرض؟”.
تعلو نبرة صوته قهرًا: “ما يحدث فيه افتراء على الناس، ومن يرسم مسار الطرق لا يدفع من جيبه شيئًا”.
قبل فتح الشارع، حدثت إشكاليات كبيرة بين البلدية وعائلتَي عطا الله وجعرور استدعت تدخل الشرطة، ثم جرى تعبيد الشارع ورصفه بالأسفلت. كل من قابلناهم -حتى المتضررين منهم- يؤيدون فتح الطرقات تحقيقًا للمصلحة العامة، لكنهم يعترضون على طريقة فتحها وآلية التعويضات، نفس المشكلة في الجزء الأمامي للشارع، مع عائلتَي “النخالة وعجور”.
حصلنا من دائرة نظم المعلومات الجغرافية ببلدية غزة على خارطة للشوارع المعبدة وغير المعبدة في المدينة، تظهر الخريطة نسب الطرقات حيث تحمل الشوارع المعبدة اللون الأزرق، وغير المعبدة اللون البني كما تظهر على الخارطة في الصورة.
بلدية غزة ترد
واجهنا بلدية غزة، وجلسنا مع مسؤول الملف فيها، مصطفى قزعاط ورئيس لجنة التواصل المجتمعي بالبلدية، الذي أكد بأنه بلا فتح طرق، لا يمكن تطوير المدينة تجاريًا ومرويًا، أو حتى إحداث تواصل بين الطرق المختلفة، لذلك كانت هناك وتيرة متسارعة توجت بفتح شارع رقم “3”، وفق خط تنظيم مصدق عليه منذ عام 1997 لم تقم البلدية بأي تغييرات عليه، كاشفًا أن البلدية قامت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بفتح أكثر من 200 شارع.
قزعاط: بلدية غزة تعاني من أزمة مالية ومبالغ التعويضات ضخمة
ويقول: “من واجبنا كبلدية فتح الطرقات، فمثلا شارع رقم “3” نسبة 80% منه مفتوح، ويمتد من البحر غربًا حتى ما بعد صلاح الدين شرقًا. كانت لدينا منطقة غير مفتوحة (أراضي عائلات عطا الله وجعرور) وتم فتحها، ويتبقى منطقة مغلقة (أراضي ومنازل عائلات عجور والنخالة)”، مؤكدًا، أن لدى البلدية قرار بفتح الشارع، وأنها درست ملفات الناس وبصدد توفير تعويض.
زرنا المنطقة التي يتوقف عندها الشارع للأمام، والتقينا بالسيدة عبير عبد الكريم عجور، التي تملك بيتًا بمساحة 150 مترًا سيقتطع شارع رقم “3” منه نحو مترين، لكن تريد البلدية، حسبما تذكر السيدة، فتح شارع فرعي بالجزء الشرقي لبيتها بشكل مستقيم، رغم أن طول هذا الشارع لا يتعدى عدة أمتار.
تضرب يدًا بيد، وتوجه رسالتها للبلدية: “بدك تطلعني من بيتي؟ أمنلي مأوى بنفس المكان قبل ما تطلعني منه، أما أنا ما بتشرد أنا وعيلتي”.
ابنها محمد الذي يحمل طفلًا بين يديه، يؤكد ما قالته أمه ويعلق: “قبل ما يحطوا الكباش، لازم يعوضونا”.
ويعزو قزعاط عدم قدرة البلدية على دفع تعويضات مالية، إلى وجود أزمة سيولة، مقرًا بأن البلدية أقرت أن من لديه رسوم بناء وخدمات، يمكنها عمل تسوية مقاصة.
ورغم ذلك، يؤكد أن البلدية أعطت تعويضات مالية بلغت 80 ألف دينار نقدًا، فيما بلغت إجمالي أموال المقاصة (التسوية) 420 ألف دينار، في حين بلغ اجمالي قيمة التعويضات المستحقة عليها مليوني دينار، وهذه المبالغ فقط في منطقة آل “عطا الله وجعرور” بشارع رقم “3”، الذي جرى افتتاح جزء منه العام الماضي.
بخصوص 25% التي يتم استقطاعها من إجمالي مساحة الأرض، يبين قزعاط أنها مقابل ما يسمى “تطوير وتشريف”، لأن المواطن عندما تفتح الأرض على شارع، فإن سعر مترها يرتفع.
ديوان الرقابة غائب!
وفي وقتٍ ينشط فيه فتح الشوارع في القطاع، فإن مدير عام الرقابة على المشاريع بديوان الرقابة المالية و الإدارية، إيهاب الريس، يقر أن ديوان الرقابة لا يشارك في لجنة تنظيم وتخطيط المدن التي تضم 12 جهة ترأسها وزارة الحكم المحلي، مؤكدًا أن الديوان أرسل طلبًا مؤخرًا، للانضمام للجنة كعضوٍ مراقب، للرقابة على مشاريع الإفراز.
ويؤكد الريس لمعد التحقيق، أن ديوان الرقابة لم يعد أي تقارير حول موضوع فتح الشوارع، باستثناء بعض الإشكاليات الفردية التي وصلته، وقام بحلها مع الحكم المحلي.
ويكمل: “الخلل في قضية فتح الشوارع، يتعلق بالتعويضات، واستمرار العمل بقانون المندوب السامي البريطاني، رغم أن تلك القوانين استعمارية، وسُنت لنهب البلد، ولم تكن لتحقيق المصلحة”، مطالبًا، بتعديل كل حقبة المندوب السامي. “لو كان لدينا احترام لأنفسنا، لكن للأسف؛ لا زلنا نطبق ضريبة المنازل والأملاك، وربما هدف الحكومة من ذلك تقليل التعويض” يضيف.
وتساءل: “إلى متى سيبقى قانون المندوب السامي سيفًا مسلطًا؟”، مشيرًا إلى أن نفس القانون ينص على فرض ضريبة “تحسين شرفية” قرابة 50-100 دولار على كل متر بعد فتح الشوارع واستقطاع نسبة من أراضي الناس.
وفتح الشارع يتم بنظامين، الأول من خلال مخططات هيكلية تمر بمراحل عديدة قبل الاعتماد، ويُعرض على لجنة تنظيم المدن، ويتم فتح مدة الاعتراض إلى 60 يومًا، رغم “أنها قد لا تكون مدة كافية”، أو من خلال مشاريع إفراز، بفتح قطعة الأرض من مالكيها بعد رفعه للجنة المحلية بالبلدية، وفق الريس.
ويقع الناس في مشكلة كبيرة، عندما يشترون أرضًا تقع ضمن مخطط هيكلي لشارع، والبناء عليها على أمل تغيير مسار الطريق.
ويبين الريس سبب عدم حصول مواطنين على تعويضات، رغم أن نسبة الاستقطاع تكون كبيرة، “وهذا يرجع إلى أن بعض أراضي المواطنين ما زالت مقسمًا ولم يتم نقل الملكية، بالتالي الاستقطاع يكون من نسبة كامل القسيمة المسجلة بدائرة تسجيل الأراضي (الطابو) وليس بالقسمة الرضائية غير المعتمدة، التي تعتمد على تسلسل عقود البيع.
نظرات حسرة
في منطقة عبسان الكبيرة في خان يونس، تلقي نبال أبو صلاح “50 عامًا” مع كل صباحٍ نظرات حسرة على أرضٍ ورثتها من والدها هي وشقيقاتها، وتبلغ مساحتها دونمًا، إذ سيقتطع شارعان سيمران باتجاهين، نحو 600 مترٍ من الأرض، ستذهب معها كل حصة نيبال التي قدمت تظلمًا في ديوان المظالم.
يصلك صوتها الغاضب وهي تقول: “لا أملك غير الأرض، وأعيش مع أبي الذي يبلغ عمره سبعين عامًا، لكنهم قالوا لي إن باب التعويض غير مفتوح، رغم أن العام الماضي تم إلغاء فتح الشارع، لكنهم عادوا هذه السنة لفتحه بناءً على طلبِ مختارٍ اشترى أرضًا بجوارنا (..) ستذهب كل الأرض، والمساحة المتبقية لا تنفع لشيء، لأن الدونم مقسم باتجاه طولي على ثلاثة أشرطة يبلغ طولها 35 مترًا، بعرض 12 مترًا لكل قطعة”.
وفي قصةٍ أخرى، فوجئ هشام محمود عبد الغفور، في 29 آب/ أغسطس من عام 2022م، بموظفين من بلدية خان يونس، يضعون علامات وخطوط على المنازل التي سيقتطعُها شارع رقم “14096” من أراضي السطر الشمالي بخان يونس بعرض 14 مترًا، وهو ما سيقتطع أكثر من 56% من مساحة أرضه البالغة 206 مترات، اشتراها عام 2000م، وبنى عليها منزلاً مساحته 70 مترًا.
يردف بقهر: “هناك ظلم جائر وقع علينا، لم نعترض على شيء، لكننا نريد العدالة، منذ عام 2013م ونحن والجيران نقدم اعتراضات للبلدية ووزارة الحكم المحلي، ويتم رفضها”، ملفتًا إلى أنه قدم تظلمًا في ديوان المظالم حاليًا.
حصل عبد الغفور على قسائم ومخططات صادرة عن بلدية خان يونس، توضح أنه لم يكن هناك فتح شوارع عام 2000م (لحظة شرائه الأرض). يرافق الأسى صوته وهو يتابع: “سأصبح بلا مأوى لذلك رفعت كتابًا، للجهات الحكومية لإلغاء فتح الشارع”، معتقدًا أن فتح الطريق مرتبط بنفوذ أحد الأشخاص، “وقد فتح شاليه سياحي في المنطقة”.
مئات الشكاوي
لم نستطع الحصول على الرقم الحقيقي لعدد الشكاوى من المواطنين المتضررين، لكن المدير العام بديوان المظالم رامز تمراز، يؤكد أن الديوان استقبل مئات الشكاوى حول فتح الشوارع من مختلف محافظات قطاع غزة.
ديوان المظالم: استقبلنا مئات الشكاوى حول فتح الشوارع
ويبين أنه بعد قبول الشكوى يقوم الموظفون المختصون بدراسة المظلمة، ومتابعتها مع الجهات المختصة، أو تشكيل لجنة مختصة بعضوية ديوان المظالم والجهات الحكومية ذات العلاقة، وفق الصلاحيات المخولة له بموجب قرار مجلس الوزراء، مؤكدًا، أنه تم تشكيل العديد من اللجان بالخصوص.
عن مصير الشكاوى العالقة منذ سنوات، قال تمراز: “تعريف الشكاوى العالقة لدينا هي الشكوى التي استنفذت المدة القانونية المنصوص عليها، ولم يتم اتخاذ أي إجراء بخصوصها من قبل الجهة المشكو ضدها”.
وأضاف: “في هذه الحالة لا نقول عن شكاوى فتح الشوارع عالقة، وإنما مؤجلة لحين توفر إمكانات مادية لتعويض المواطنين عن استقطاعات أراضيهم لفتح الشوارع تحقيقًا للمصلحة العامة، وحقوقهم محفوظة لدى الحكومة إلى ذلك الحين”.
الشارع الدولي برفح
في أقصى جنوب محافظة رفح بالقرب من الشريط الحدودي مع مصر، تشرع بلدية رفح لفتح شارع دولي يمتد من الشرق للغرب مع طول الحدود مع مصر.
شمال السياج المصري الفاصل، هناك منطقة حرم حدودي يتراوح عرضها بين 50 و70 مترًا، وبداخل الحرم يوجد ساتر ترابي محاط بسياج من جانبين، وتمتد بداخله نقاط مراقبة تتبع للأمن الوطني الفلسطيني.
إضافةً إلى ذلك، هناك منطقة آمنة شمال الساتر الترابي للحرم يبلغ عرضها 40 مترًا، ومنذ حدوث تفاهمات قبل سنوات بين الجهات المختصة بغزة والسلطات المصرية حول الأمن، لم “تقم بلدية رفح بإعطاء بدل خدمات، أو السماح للمواطنين بالبناء بدواعٍ أمنية”، كما يقر مدير دائرة الهندسة والتنظيم ببلدية رفح مصطفى الرياطي.
يوضح الرياطي الذي رافقنا للمنطقة الحدودية، أنه لا بد من وجود شارعٍ ينتقل من شارع الرشيد غربًا إلى صلاح الدين شرقًا ويحل مشاكل مرورية، ملفتًا إلى أن الشارع ما زال في مراحله الأولى، ولم يتم اعتماده بشكل نهائي.
في السابق تعرضت هذه المنطقة للتجريف من قبل الاحتلال الإسرائيلي خلال اجتياحه لها، وقامت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” بتعويضهم من خلال بناء الحي السعودي غرب رفح.
لكن الرياطي يقول: “إن أصحاب المنازل، وأراضي الفضاء الممتدة على طول الطريق الذين لم يتم تعويضهم ستنظر البلدية في آلية تعويضهم.
الرياطي حول الشارع الدولي برفح: لم نسمح للمواطنين بالبناء لدواعٍ أمنية
يشتكي المواطنون هناك من عدم السماح لهم بالانتفاع من أراضيهم سواء بالبناء عليها أو حتى زراعتها وتسييجها، وهذا الأمر يحدد الرياطي سببين له، الأول هو أمني، أما الثاني فلأن البلدية لا تريد وجود أشياء أخرى تعيق عملها خلال فتح الطريق مستقبلًا، كونها جادة في اعتماد وفتح الطريق.
معاناة مركبة
ورغم ذلك، يقول المواطن ناصر فرحات وهو صاحب أرض تبلغ مساحتها 300 متر، سيقتطع الشارع منها نحو 160 إلى 180 مترًا: “البلدية ورغم عدم السماح لي بالانتفاع بأرضي، تطلب مني دفع بدل خدمات”.
المواطن فرحات: الطريق الدولي برفح استقطع معظم أرضي والبلدية تطالبني بدفع خدمات
تحت لهيب شمس الظهيرة، يقف في منتصف الطريق الرملي بعدما وصل إلى أرضه غير المسيجة، يحتار في وصف مشكلته فيكمل: “توجهتُ لسلطة الأراضي للحصول على تعويض، فحولتني للبلدية، التي حولتني بدورها لسلطة الأراضي، والآن المساحة المتبقية من الأرض 120 مترًا، كيف سأبني عليها!؟”.
يعدد على أصابعه مشاكله، فيقول: “لا أستطيع البناء، ولا الترخيص، ولا السكن، ولم أحصل على تعويض”.
ويرد على مبرر البلدية بالمنطقة الآمنة، متسائلًا: “هل المنطقة الفاصلة البالغة 70 مترًا بين السياج الفاصل المصري، ونقاط المراقبة الفلسطينية غير كافية لتكون آمنة؟”.
ويعارض المواطن فرحات المسؤول بالبلدية بأن للشارع أهمية، مشيرًا باتجاه الشرق والغرب وقد بدت المنطقة خاليةً تمامًا من المارة، ويتساءل: “من سيأتي للمرور من هنا؟ هل ستترك الناس الشارع العام وتأتي لشارع حدودي؟”.
إزالة قبل التعويض
قبل أربع سنوات استُقطع شارع “أبو هريرة” الذي يمر بمنطقة آل “الحشاش” شمال غرب محافظة رفح، نحو دونم من أرض المواطن مصطفى الحشاش، ولم يحصل على تعويض -وفق تأكيده- كما أن استكمال العمل بفتح الطريق توقف.
مصطفى الحشاش بعد استقطاع دونم أرضه: القانون البريطاني مجحف
يشير نحو أرضه فترسمُ ملامحه خطًا من الاستياء. صوته كان يعبر عن ذلك كله حين قال: “نتعرض لخسائر كبيرة بسبب فتح الطريق، وعندما نراجع البلدية كمتضررين، فإن قانون الانتداب المجحف يحكم بيننا بعدم الحصول على تعويض”، مطالبًا، بإعادة النظر فيه، وإلغائه.
المواطن عبد العال: البلدية برفح تطالب بإخلاء البيت قبل التعويض وتعرض علينا ألف حجر
يتوقف الشارع الذي يبلغ عرضه 18 مترًا عند بيت لعائلة “عبد العال”، الذي سيقتطع معظم بيتهم المسقوف بالأسبست، إضافة لبيوت أخرى. أحد أفراد العائلة قال: “إن البلدية استخدمت معنا لغة التهديد إذا لم نخلِ البيت، وطالبونا بأن نخرج ثم سنحصل على التعويض”.
يفرد الشاب –الذي طلب عدم ذكر اسمه- كفيه مشيرًا نحو بيته القديم، وتساءل بحرقة: “أين سنذهب؟ هل نفترش الطرقات؟!”، مشيرًا، إلى أن البلدية عرضت عليه أخذ ألف حجرٍ، يصفه بأنه “تعويض غير عادل للعائلة التي تريد بيتًا أو أرضًا”.
عن مشكلة هذا الطريق، يؤكد الرياطي، أن بلدية رفح جادة في فتحه كونه سيصبح بديلًا لشوارع عديدة، وسيمر بعدة أحياء، كي تصلها لا بدأن تسلك مسارات دائرية، “وهو شارع يربط شرق رفح بغربها”.
وبشأن عائلة “عبد العال” قال: “ندرس الملف من جميع النواحي، وسلطة الأراضي ستكون طرفًا في الموضوع، وآل الحشاش جرى احتساب تعويضاتهم وهي تكلفنا مبالغ ضخمة”، مؤكدًا، أن البلدية ستقدم التعويض لحظة البدء بتنفيذ المشروع.
مثار جدل وملابسات
تخضع مشاريع تنظيم المدن وفتح الطرقات إلى قانون رقم “28” لسنة 1936 (قانون تنظيم المدن)؛ وهذا القانون مقر منذ عهد الانتداب البريطاني والظروف والملابسات التي وضع بها هذا القانون مثار جدل والتباس، لأن الغاية من أغلب التشريعات البريطانية كانت ترمي لخدمة مشاريع التهويد، “والاعتماد عليه مشوب بالعديد من الإشكاليات القانونية والواقعية” وفق المستشار القانوني للمجلس التشريعي أمجد الأغا.
يشرح الأغا تلك الإشكاليات، بقوله: “من الناحية التنظيمية هناك العديد من الشكوك حول منهجية التخطيط، والشعور بأنها لا تستند إلى دراسة واقعية ومعيارية واضحة، وأغلب المخططات تتسم بالارتجال”، مقرًا أن العديد من المواطنين تعرضوا للظلم، واقتطاع مساحات كبيرة من أراضيهم الشخصية، دون أي ضوابط أو معايير منطقية.
وبالتالي فإن المطلوب -بحسب الأغا- إعادة النظر في منهجية التخطيط التي تتولاها الهيئات المحلية (اللجنة المركزية لتنظيم المدن)، وتحديث الإطار القانوني، وضبط عملية التخطيط، وفتح الطرق بضوابط ومحددات عادلة، تُوازن بين الحق العام والخاص.
ويشدد على ضرورة تنظيم عملية الاعتراض على قرارات فتح الطرق بأسلوب أكثر وضوحًا، وعدم الاعتماد على الإعلانات المبهمة، المرفقة برقم القطعة، والقسيمة، والاكتفاء بمرور المدة، وإقامة الحجة على أهل المنطقة المتضررين من فوات مواعيد الاعتراض.
بعد إقرار المجلس التشريعي القانون الأساسي المعدل لسنة 2003م وتعديلاته، نصت المادة (21) في الفقرة رقم (3) على التالي: “الملكية الخاصة مصونة، ولا تنزع الملكية، ولا يتم الاستيلاء على العقارات أو المنقولات إلا للمنفعة العامة، وفقًا للقانون، في مقابل تعويض عادل أو بموجب حكم قضائي”.
الأغا: حصر التعويض للمساحات التي تزيد عن 25% يخالف القانون وفيه غبن
يعلق الأغا على نص المادة السابقة بالقول: “لا يجوز لأي جهة أن تقتطع من الملكية الخاصة، أو تنتزع وتستملك أي جزء إلا مقابل تعويض عادل”، لكن الجهات الرسمية -والكلام للأغا- وعملًا بقانون المندوب السامي، تحصر التعويض للمساحات التي يزيد اقتطاعها عن 25%، “وهذا مخالف للقانون الأساسي، وينطوي على غبن، وانتهاك صريح للملكية، لأن القانون الأساسي أعلى وثيقة قانونية، ويجب ألا تخالفه القوانين الأدنى، وتأسيسًا على ذلك يجب التعويض لأي مساحة يتم اقتطاعها مهما بلغت من الصغر”.
التشريعي المنحل يناقش..
بدوره، يؤكد رئيس اللجنة القانونية بالمجلس التشريعي المنحل النائب محمد فرج الغول، وجود العديد من التشريعات العصرية الحديثة، التي صدرت عن المجلس، منها ما هو مستحدث، وآخر تعديل لبعض القوانين.
وأكد االغول، أن “التشريعي يعمل على تحديث القوانين القديمة، وإيجاد البديل الفلسطيني لها، سواء تلك التي صدرت في عهد الانتداب “الاستعمار” البريطاني، أو خلال الحكم المصري، أو في عهد الاحتلال”، قائلًا: “أصدرنا على سبيل المثال لا الحصر، قانون الإيجارات الفلسطيني، كبديلٍ عن قانون الإيجارات البريطاني”.
وبخصوص البلديات والهيئات المحلية، فقد عقد المجلس التشريعي -وفقًا للنائب الغول- عددًا من ورش العمل مع الجهات المختصة، وتم التوصل إلى مسودة لقانون الهيئات المحلية، “ما زالت معروضة على جدول أعمال وجلسات المجلس التشريعي الفلسطيني”.
يضيف: “وعليه لا يمكن أن تبقى البلديات في فراغ تشريعي دون قوانين تحكم عملها، لذا تبقى القوانين السابقة سارية المفعول حتى يأتي البديل الفلسطيني”.
عبد العاطي: وزارة الحكم المحلي تعتمد صياغات جديدة تريد تطبيقها على الشوارع القديمة
إلا أن الخبير القانوني د. صلاح عبد العاطي، يؤكد أن الأصل في فتح الشوارع، أن تخضع للمخططات الهيكلية من قبل وزارة الحكم المحلي والبلديات، معتقدًا بوجود نوع من غياب التخطيط الكامل، وأن وزارة الحكم المحلي تعتمد صياغات جديدة تريد تطبيقها على الشوارع القديمة، “وهذا صعب، لأن المواطنين رتبوا أمورهم على الأمر القديم، عدا عن اختلاف الحاجات الآن” يختم.