كلمة الأسير القائد مروان البرغوثي في الذكرى ال٢٠ اختطافه
بسم الله الرحمن الرحيم
الوحدة الوطنية والمقاومة الشاملة طريقنا للحريّة والنصر؛
بدايةً أتوجه إليكم وإلى شعبنا العظيم الصامد والمرابط والمقاوم بالتحية والتقدير، وأتوجه بتحية الإجلال والإكبار لشهداء شعبنا الأكرم منا جميعًا، وإلى الأسرى رفاق القيد والزنزانة، والجرحى والمصابين، وأتوجّه بالتحية لروح الشهيدة والأخت والصديقة سيّدة الإعلام العربي والفلسطيني شيرين أبو عاقلة، ولروح الشهيد داوود الزبيدي وأسرته المُناضلة؛ أُسرة الشهداء والمُعتقلين والتي قدّمت نموذجًا في التضحية والفداء، وتحية إلى الأخ القائد زكريا الزبيدي وكل إخوانه الأبطال في زنازين العزل الانفرادي. واسمحوا لي أن أتوجه بالتحية إلى روح الصديق العزيز الشهيد زياد أبو عين، وللأخ رفيق النضال والأسر ناصر أبو حميد والمئات من الأسرى المرضى.
تحية إلى هبّة شعبنا المتواصلة منذ عدّة أشهر، والتي تؤكّد على إصرار شعبنا على مواصلة النضال والكفاح والصمود من أجل نيل الحرية والعودة والاستقلال، وأحيي أبطال جنين وشهداءها الأبرار ومخيمها عاصمة المقاومة الفلسطينية وناصرة القدس العاصمة الأبدية لشعبنا.
كما أتوجه بأسمى آيات التحية إلى مدينة قلبي القدس الحبيبة شعلة فلسطين ورمز وحدة الفلسطينيين في كل مكان، وأحيي أهلها الصامدين المرابطين الذين يستحقون كل الدعم والإسناد في الميدان وفي الإعلام وفي السياسة وفي المال وفي المقاومة.
الأخوات والأخوة، يا أبناء فلسطين في كلّ مكان، ويا أبنائي وأخوتي في حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”. أُطلّ عليكم اليوم برسالتي هذه من زنزانتي الصغيرة المُظلمة، أُحييكم وأشدّ على أياديكم، في الوقت الذي يتصاعد فيه العدوان الاستعماري على الأرض والبشر والحجر والشجر؛ عدوان لم يتوقف منذ بداية الغزو الاستعماري الاستيطاني لبلادنا والهادف لتهويد هذه البلاد، ليرتكب أكثر من 114 مجزرة في العام 1948 في إطار عمليات التطهير العرقي، وتدمير 534 بلدة ومدينة وقرية؛ ويستمر في هذه السياسات بما فيها سياسة الاعتقال والتحقيق والتعذيب والإذلال، حيث أصبحت فلسطين بلد المليون أسير ويزيد، وتتواصل عمليات القتل والمصادرة والحصار والتجويع. ومع ذلك فإنني أدعو شعبنا إلى أن يتذكّر أنه وعلى الرغم من مرور ما يقارب 150 عامًا على بداية الغزو الاستعماري لبلادنا فإنه يعيش على أرض فلسطين من البحر إلى النهر ما يزيد عن سبعة ملايين من الفلسطينيين الذين سطّروا ملحمة في الصمود والبقاء والمقاومة، وهؤلاء ليسوا رقمًا إحصائيًا أو كمًّا ديمغرافيًا؛ بل فاعل حضاري وثقافي واقتصادي وعلمي وسياسي ووطني وإعلامي مُقاوم، مُسنَدين بسبعة ملايين فلسطيني وفلسطينية موزّعين في مخيمات الشتات وكلّ أصقاع الأرض لا زالوا متمسّكين بحق تقرير المصير والعودة إلى أرض الوطن.
أيها الفلسطينيون، أيها الفتحاويون، لا يُمكننا تجاهل حالة الحركة الوطنية الفلسطينية ونظامها السياسي، حيث الأزمة وصلت إلى مستويات خطيرة ومصيرية، في ظلّ حالة الانقسام الكارثية، وانهيار مسار التسوية ووصولها إلى طريقٍ مسدود، وتهديد التمثيل الفلسطيني ووحدته، كما أن حركة فتح القائد التاريخي للمشروع الوطني الفلسطيني باتت تعيش أزمة تهدّد دورها ووحدتها. وبناءً على ذلك؛ فإنني اغتنم هذه الفرصة للتأكيد على ما يلي:
أولاً: إننا في مرحلة تحرّر وطني، الأمر الذي يستدعي إعادة الروح لحركة فتح كحركة تحرّر وطني، واستعادة دورها في قيادة مرحلة التحرر الوطني والمشروع الوطني الفلسطيني، واستعادة خطاب التحرر ومفرداته، وشروطه وأدواته وأساليبه.
ثانيًا: بناء وتطوير الحركة، واستنهاضها والحفاظ على وحدتها على أساس ديمقراطي واحترام التنوع والاختلاف والتعدّد في الآراء والاجتهادات، ما يُغني ويُثري الحركة ويُعزّزها بعيدًا عن سياسات التهميش والفصل التي تؤدّي إلى إضعاف الحركة وشرذمتها، وتعرّض دورها للخطر، والعمل على الحفاظ على الإرث النضالي العظيم والتضحيات الجسيمة التي قدّمتها الحركة، وعذابات وآلام مئات الآلاف من أسراها وجرحاها.
ثالثًا: أدعو أبناء الحركة والأطر القيادية لإجراء أوسع حوار داخلي أخوي ومسؤول تحضيرًا للمؤتمر الثامن، وإجراء المراجعات اللازمة، السياسية والتنظيمية والإعلامية والسلوكية، وإلى أوسع ورشة للنقاش والحوار، وإشراك كادر الحركة على أوسع نطاق، على طريق استنهاض الحركة واستعادة التنظيم لدوره الريادي. وإعادة الاعتبار والدور لمؤسسات الحركة وأطرها القيادية وتكريس مبدأ القيادة الجماعية، ورفض كل مظاهر المحسوبية والولاءات الشخصية، وتكريس مبدأ المسائلة والمحاسبة، ووضع الكادر الأصلب في الموقع الأصعب، وإعادة الاعتبار لقيم الفداء والتضحية والسلوك الثوري والوطني، وتقديم قيادات الحركة للنموذج الفتحاوي الأصيل في الفكر والممارسة؛ وفي السلوك السياسي والأخلاقي، وفي المأكل والمشرب والمسكن وغير ذلك. والمطلوب من القيادات أن تتقدّم الصفوف في مقاومة الاستعمار. وتاريخ الحركة المجيد قدّم لنا نماذج عظيمة لا زالت ماثلة في وعي وسلوك عشرات الآلاف من المناضلين الحركة القابضين على جمر المبادئ والثوابت والقيم الوطنية والثورية والفتحاوية وعلى رأس هذه النماذج القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات.
رابعًا: الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني للحوار الشامل بمشاركة كافة ممثلي القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية وممثلي مختلف القطاعات والفئات والشرائح والاتحادات والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني والأهلي، وممثلي الشباب والطلبة والمرأة بهدف إنهاء الانقسام وإنجاز المصالحة الوطنية، وبناء الوحدة الوطنية الفلسطينية في إطار م.ت.ف على أساس الشراكة الوطنية الكاملة والتعددية، وانضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي لها، حتى تكون تجسيدًا حقيقيًا لشعبنا الفلسطيني بمختلف مكوناته، وتحديد استراتيجية وطنية جديدة وموحّدة.
خامسًا: أدعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة الجميع، تستند إلى وثيقة الأسرى للوفاق الوطني كبرنامج لها، وتتولّى إعادة توحيد مؤسسات السلطة الوطنية في الضفة والقطاع على قاعدة الشراكة الكاملة، وإعادة إعمار قطاع غزة، والإشراف على الانتخابات العامة.
سادسًا: إعادة بعث وإحياء وبناء الديمقراطية الفلسطينية من جديد، والحركة الوطنية الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني من خلال تحديد جدول زمني جديد لإجراء الانتخابات العامة، لأنه من غير المعقول الاكتفاء بسلطة واحدة وهي السلطة التنفيذية التي تعمل في غياب الرقابة التشريعية، وفي غياب المحاسبة والمسائلة.
سابعًا: إعادة النظر في وظائف السلطة الوطنية، وبخاصة الوظيفة الأمنية، بما يجعلها قادرة على المحافظة على دورها التاريخي بتعزيز الصمود والمقاومة، وتشكيل جسر عبور للحرية والعودة والاستقلال. ومن الأهمية أيضًا إطلاق الحريات العامة والفردية وحرية الصحافة والإعلام وحرية الرأي والتعبير، ورفض كل أشكال التعدّي على الحريات. واحترام حقوق المرأة وإنصافها، ورفض كل أشكال العنف الجسدي واللفظي والمعنوي ضد النساء، على قاعدة أن حرية المرأة هي التجسيد العملي والتجلّي الأعظم لحرية الشعوب والأمم والدول. وكذلك يتوجّب احترام سيادة القانون واستقلالية القضاء وعدم التدخّل في شؤونه من قِبَل السلطة التنفيذية.
ثامنًا: أدعو حركة حماس إلى تمكين لجنة الانتخابات المركزية من العمل بكل حرية وشفافية لتنظيم الانتخابات البلدية والمحلية في قطاع غزة، وكذلك تمكين النقابات والاتحادات والجامعات والمراكز والمؤسسات من إجراء الانتخابات الديمقراطية دون أية تدخلات. وإطلاق الحريات بكل أشكالها، واحترام حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة.
تاسعاً: دعوة الشعب الفلسطيني والفصائل الوطنية والإسلامية و م.ت.ف والسلطة الوطنية للعمل الجاد لتحرير الأسرى، وإنهاء عذاباتهم ومعاناتهم، واعتبار تحرير الأسرى هو واجب وطني مقدّس ولا يُعقل أن يكون في الأسر الآن أكثر من ألف أسير أمضوا أكثر من عشر سنوات، والمئات أكثر من عشرين عامًا، فتحيتي لهم جميعاً ولأسرهم الصابرة المناضلة، وهناك الأسير المناضل القائد الوطني الكبير نائل البرغوثي أبو النور الذي يقضي عامه الثاني والأربعون ليُصبح أقدم أسير ومقاتل من أجل الحرية في العالم، وكذلك الأسير القائد عميد الأسرى كريم يونس الذي دخل عامه الأربعون وانتظرته والدته الشهيدة عشرات السنين لتغادر قبل أن ترى وجهه.
أود من خلالكم أن أتوجه لأبنائي وبناتي الأعزاء الذين أفتخر بهم، أبناء وبنات الشبيبة الفتحاوية التي كان لنا شرف المساهمة في تأسيسها وقيادتها، والتي شكّلت طريقًا للنضال الوطني وقاعدة شعبية للإنتفاضة الأولى، ولعب كوادرها وقادتها دورًا رائدًا في الانتفاضة المباركة الثانية وفي تأسيس وقيادة كتائب شهداء الأقصى، والتي أكدنا مرارًا ونكرر بأنها ربيع فتح المتجدّد، والدم الطاهر النقي الذي يسري في عروق الفتحاويين، والرافد الأساسي للحركة.
إن الشبيبة بشكل عام، والشبيبة الطلابية بشكل خاص، تستحق المزيد من الرعاية والدعم والحماية والحفاظ على استقلاليتها وديمقراطيتها، وأؤكد على أهمية انتخاب هيئاتها بشكل دوري ومنتظم، بعيدًا عن التعيين والارتجال والقرارات الفوقية. وأدعو أحبائي في الشبيبة إلى التلاحم والوحدة، والقيام بدورهم على أكمل وجه، سواء في الحقل الوطني والمقاومة- كما هو عهد الشبيبة، أو في الحقل النقابي والعمل التطوعي والتعاوني وخدمة الطلبة وخدمة جماهير شعبنا. كما أن من حق الشبيبة أن تبقى على مسافة من السلطة ومؤسساتها وأن تتمسّك بخطاب التحرر الوطني الفتحاوي بكل آلياته وشروطه؛ فالشبيبة كلّها لفتح، وفتح كلّها للشبيبة، فالشبيبة كلّها لفتح، وفتح كلّها للشبيبة بعيدًا عن المحاصصة والتشرذم.
وفي النهاية
إنني وانطلاقًا من المسؤولية الوطنية والتاريخية والفتحاوية، أدعو الأخ الرئيس القائد العام رفيق الدرب والمسيرة بصفتيه المعنوية والتنظيمية، والأخوات والأخوة في اللجنة المركزية لمراجعة قرارات الفصل بحقّ الأخوات والأخوة من قيادات وكوادر الحركة. والاستعاضة عنها بإطلاق حوار داخلي مُعمّق ومسؤول ومراجعة السياسات وتعزيز روح الأخوّة والمسؤولية وتعزيز وحدة الحركة والحفاظ على عنفوانها، مؤكّدًا أن وحدة حركة فتح مسألة مقدّسة، وأدعو للحفاظ على إرثها النضالي التاريخي، حيث يتوجب علينا جميعاً العمل سوياً بروحها لتستعيد دورها كحركة تحرر وطني وقائدة لمشروع التحرر الوطني.
النصر لفلسطين.. عاشت فتح… وإنها لثورة حتى النصر.. حتى النصر.. حتى النصر
أخوكم مروان البرغوثي/ سجن هداريم زنزانة رقم 28