لماذا سلم بعض “المطاردين” أنفسهم لأجهزة الأمن الفلسطينية ؟

محلل: الضربة الأخير ة لـ “عرين الأسود” لن توقف أدائها المقاوم في الضفة الغربية

اعتبر المحلل السياسي مصطفى الصواف، أن مجموعة “عرين الأسود” أصبحت بمثابة ظاهرة دفعتها الظروف والأحوال التي يعيشها الشعب الفلسطيني، للتأكيد على أن المقاومة ستنتشر في كافة مناطق الضفة الغربية، وليس فقط في نابلس.

وقال الصواف في حديث لوكالة (APA) “الضربة الأخيرة لعرين الأسود، من خلال استشهاد قائدها وديع الحوح، لن تكون القاضية، بل ستستمر المجموعة في أدائها المقاوم بالضفة الغربية”.

ويرى أن “عرين الأسود” استفادوا من مواقع التواصل الاجتماعي لنشر المعرفة بين أبناء الشعب الفلسطيني، بالرغم من محاربة الاحتلال لانتشارهم عبر مختلف مواقع التواصل.

 

ونوه الصواف إلى أن “مجموعة عرين الأسود نجحت في تحقيق التفاف شعبي كبير حولها، من قبل الحاضنة الشعبية في مدينة نابلس”.

وأشار إلى أن البيان الأخير لمجموعة “عرين الأسود” يؤكد استمرارهم بالمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

وأكد أن كل ما يدعيه الاحتلال الإسرائيلي حول محاولة فرض الواقع، من خلال ردع مقاومة “عرين الأسود” لا أساس له من الصحة.

ونفت مجموعة (عرين الأسود)، الخميس، أن تكون طلبت من أي جهة رسمية أو أمنية أن تتسلم أياً من مقاتليها، مؤكدةً أن من يقوم بذلك فهو قرار فردي.

وتطرق الصواف إلى المعارك الشرسة التي خاضتها المجموعة ضد الاحتلال في مدينة نابلس، وقدمت من خلالها عدداً من الشهداء، وبالرغم من ذلك تستمر في المقاومة.

ولفت إلى الإنجاز الذي حققته “عرين الأسود” بنجاح تأمين انسحاب 10 أفراد من المجموعة، وارتقاء اثنين آخرين منهم، خلال الاشتباك مع الاحتلال الإسرائيلي.
 
وقالت المجموعة، في بيان مقتضب، عبر (تلجرام) “إن من يقوم بتسليم نفسه من المقاتلين هذا قراره وخياره لا نناقشه به، ونطلب من المواطنين الكرام وقف تداول الشائعات وعدم الإساءة لأي مقاتل سلم نفسه”.

وتابعت “نقول لكم مره أخرى، لا نريد أن نرى على وجوهكم أي لحظة حزن، فنحن نستمد قوتنا منكم هذه أيام مباركة يميز الله بها الخبيثَ من الطيب”.

من ناحيتها، قالت كتائب شهداء الأقصى “كتيبة نابلس”، إنه بالاتفاق مع محافظ نابلس وعدد من قادة الأجهزة الأمنية وحفاظًا على حياة مقاتليها في نابلس، وبعد الضغوط من قبل الاحتلال على السلطة الفلسطينية، إما بحبس القيادي محمود البنا، أو اجتياح المدينة بشكل كامل، اتخذ القرار الصائب من قيادة الكتائب بتسليم البنا نفسه إلى الأجهزة الأمنية. بحسب نص البيان.

ماذا وراء تسليم بعض المطلوبين أنفسهم للأجهزة الأمنية الفلسطينية؟

وأثارت قضية تسليم بعض “المطاردين” لقوات الاحتلال الإسرائيلي، أنفسهم لأجهزة الأمن الفلسطينية، الكثير من الجدل في أوساط المواطنين ما بين مؤيد ومعارض.

وما بين النفي والتأكيد، خرج المطارد محمود البنا وكتب عبر حسابه في فيسبوك منشورًا أكد فيه أنه “سلم نفسه وبعض المطلوبين للاحتلال، للأجهزة الأمنية، وذلك بعد التشاور بينه وبين رفاق دربه من المقاومين، بهدف حماية أنفسهم من قوات الاحتلال بعد “الإبادة الجماعية” التي ارتكبها في عمليته الأخيرة التي استشهد فيها رفيق دربه وديع الحوح”.

وقال: “عندما قررت أن أمتشق بندقيتي وأنزل لمقارعة هذا المحتل لم أخذ القرار من أي شخص بل من كون نفسي وأعددت للمحتل ما استطعت من ويلات واستشهد رفاقي بجانبي وأصبت معهم عدة مرات وأعلن استشهادي أكثر من مرة وبقدرة الله ولطفه أنا اليوم على قيد الحياة”.

ووجه رسالة انتقاد، لمن انتقد قراره ورفاق دربه من المقاومين المطلوبين الذين كانوا تحت الحصار من قبل الاحتلال عدة مرات ويخوضوا اشتباكات، إلى جانب معاناتهم بالمطاردة والملاحقة حتى باتوا يناموا في أزقة شوارع وحارات البلدة القديمة وغيرها.

وتفاعل الكثير من رواد الفيسبوك على منشور البنا، وغالبيتها كانت تشد من عزيمته، مؤكدين أنه قام ورفاق دربه بالواجب الذي وقع على عاتقهم.

ومنذ الليلة الماضية، تناقلت الكثير من وسائل الإعلام العديد من الروايات حول ما جرى مع المطلوبين، ما بين تعرضهم لضغوط من السلطة أو الاحتلال، أو أنه قرار ذاتي.

مصادر مطلعة تحدثت لصحيفة “القدس” الفلسطينية، أن قرار المطلوبين وعددهم 4 كان خيارهم ولم يتعرضوا لأي ضغوط لتسليم أنفسهم، مبينةً أنهم كانوا كثيرًا ما يتلقون تهديدات من مخابرات الاحتلال بالاغتيال أو الاعتقال، ولكن على مدار أكثر من عامين لم يهتموا لهذه التهديدات وبقوا تحت المطاردة وإرهاب قوات الاحتلال دون أن يرتكعوا لعدوهم. وفق تعبيرها.

وتقول المصادر، إن من أهم الأسباب التي دفعت المطلوبين لتسليم أنفسهم تعرضهم للإصابة أكثر من مرة خلال اشتباكات مع الاحتلال ومحاصرتهم في عدة مرات، وحاجة بعضهم حتى الآن لتلقي العلاج والرعاية الطبية التي لا يستطيعون الحصول عليها بشكل طبيعي في ظل المطاردة المستمرة لهم وخاصة مع توسيع الاحتلال لعملياته في الأيام الأخيرة لعمق البلدة القديمة في نابلس.

وتؤكد المصادر أن المطلوبين الأربعة ومجموعة أخرى تلقوا عروضًا من السلطة الفلسطينية لتسليم أسلحتهم وضمهم ضمن اتفاق العفو العام، إلا أنهم رفضوا سابقًا ذلك أكثر من مرة وتمسكوا بسلاحهم ومقاومة الاحتلال، مبينةً أن عمليات الاحتلال الأخيرة منذ اغتيال القيادي تامر الكيلاني، ومن بعده العملية التي وقعت منذ يومين وأدت لاستشهاد وديع الحوح، أثرت كثيرًا على بعض المطلوبين الذين أصيبوا في نفس العملية وأصبحوا ملاحقين بشكل مشدد ولم يعودوا بأمان في ظل إمكانية لجوء الاحتلال لاستخدام طائرات بدون طيار لاغتيالهم أو بتفجير مركبات مفخخة كما جرى مع الكيلاني.

بعض التقارير اتجهت للحديث عن أسباب إنسانية أخرى تتعلق بوضع بعض المطلوبين وظروف عائلاتهم، إلا أن مصادر “القدس”، نفت بشدة تلك الأنباء، وأكدت أنها من آخر الأسباب التي دفعت أولئك المطلوبين لتسليم أنفسهم خاصة وأنهم أقبلوا على هذه الطريق بخيارهم ومعرفتهم مصيرهم، مبينةً أن أهم الأسباب التي دفعتهم لذلك كانت تتعلق بالوضع الأمني الخطير الذي بات يحيط بهم من كل مكان، وما جرى بمثابة “استراحة مقاوم” ليس إلا.

رائد الدبعي محاضر في كلية العلوم السياسية بجامعة النجاح، كتب منشورًا عبر صفحته في فيسبوك،تحت عنوان: “لا يفتي قاعد لمجاهد”، وقال فيه: “شباب عرين الأسود أدوا الأمانة، وصانوا العهد، فتية بعمر الورد، نجحوا بتوحيد شعب بأكمله، أضحينا جميعًا، نترقب بيانهم عبر  (تلجرام)، كما تترقب الحقول القاحلة المطر، أصبحنا نرى أحلامنا بعيون وديع، وبندقية ابراهيم،وإصرار تامر، ونهج عبود، ودرب ابو صالح”.

وأضاف: الدبعي: “أضحت صورهم  قلائد تعلقها النساء على صدور أطفالهن، لأننا كنا نرى بهم النقاء، والمقاومة الواعية، دون فلتان، أو انحدار لقضايا هامشية .. شباب علمونا جميعًا أن الوحدة الوطنية منتج وطني بامتياز، وأن حارة الياسمينة لمن يرتجي الوحدة  أقرب من كل  العواصم، وأن الدم الطاهر أصدق من الحبر، وأن الرصاص الصادق هو وحده خارطة الطريق”.

وتابع: “شباب طرقوا خزان الوعي،  وعبروا نحو الشمس، دون توفر أدنى مقومات النصر، سوى ايمانهم بعدالة قضيتهم، وطهر بنادقهم، رجال كما القديسين، قالوا وفعلوا، جاءوا ليعيدوا لضمائرنا النبض، والأمل، في ظل انقسام يحط بكل لؤمه وقسوته على أحلام الشهداء ووصاياهم، وفصائل تحتضر وتثبت عجزًا تلو عجز، وفي ظل غياب برنامج وطني يقوم على أسس الصمود والمقاومة، وفي ظل واقع اقليمي يقوم على قبول كيان الاحتلال والتطبيع معه، وتقسيم الغاز والنفط، وفي ظل عالم لا يرى سوى أوكرانيا بعيونها الخضر، وبشرتها البيضاء، وفي ظل احتراب الأشقاء على سلطة بلا سلطة، هناك في غزة المختطفة، وهنا في الضفة المحتلة، من أجل كل ذلك، من لم يكن معكم في الميدان، ومن لم يشارككم المعركة كتفًا بكتف، لا يحق له أن يحاكمكم من خلف الكيبورد”.

ولاقى منشور الدبعي، تفاعلًا من بعض الشخصيات العامة، ورد عليه مدير عام المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، “نعم لا يجب تحميل عرين الأسود أكثر مما تحتمل، ويجب تحميل القيادة أولاً، والفصائل ثانيًا، والنخبة ثالثًا المسؤولية عن الأوضاع التي وصلنا إليها وضرورة بلورة الرؤية والطريق للإنقاذ الوطني”.

فيما ردت الناشطة السياسية النسوية سمر حواش على منشور الدبعي: “اتفق معك تمامًا في ما طرحت، فهو خليط بين البعد الإنساني والرؤية السياسية، فمن جانب نحترم قرارات عرين الأسود ونتفهم دوافعهم وتوجهاتهم،  ومن جانب آخر يجب أن لا نحمّلهم وِزْر مرحلة تتّسِم بأنسداد الأفق السياسي وترهل الأحزاب وتَعمّق الانقسام البغيض الذي أدى من بين  أسباب عديدة أخرى إلى تراجع الحالة الوطنية العامة .. الجميع يتحمل مسؤولية النهوض بهذا الواقع. ولا شك أن الالتفاف الشعبي حولهم يشكل مؤشر واستفتاء على إرادة الناس وإصرارهم على استمرار النضال للخلاص من الاحتلال بكل وسائل المقاومة ،فهل من أذن صاغية للقيادات المتنفذة ؟؟”. كما كتبت.