لم تعد المخططات الإسرائيلية لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني بحاجة لشرح أو تحليل، فصعود الفاشية للحكم في إسرائيل، وتحول المستعمرين المستوطنين إلى قوة شديدة التأثير، وبيان حكومة الاحتلال المعلن أن أرض فلسطين التاريخية حكر لليهود فقط، وحق تقرير المصير فيها محصور باليهود، أوضح من أن يحتاج تفسيرا.
وباختصار، كشف تحالف القومية العنصرية المتطرفة، ممثلة بنتنياهو، مع الأصولية الدينية اليهودية الفاشية،ممثلة بسموتريتش وبن غفير، الطابع الحقيقي للحركة الصهيونية المتنفذة، وأرسل أكثر من رسالة بانعدام أي اهتمام لدى المؤسسة الإسرائيلية بما في ذلك من هم في الحكم، ومن هم في المعارضة، بالوصول إلى حل وسط مع الفلسطينيين، إذ يرفضون جميعاً حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة حرة مستقلة ذات سيادة، كما يرفضون أي حق للفلسطينيين في مدينة القدس، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجروا منها.
لم تصل الحركة الصهيونية إلى هذه الدرجة من الوقاحة في إعلان نواياها لولا شعورها باختلال ميزان القوى لمصلحتها.
ولذلك من المهم فلسطينياً، بعد التحليل والوصف، مناقشة البرنامج والاستراتيجية والعمل المؤثر الذي يجب أن تتبناه الحركة الوطنية الفلسطينية لإصلاح الخلل في ميزان القوى، ولتحقيق أهداف شعبها في الحرية وتقرير المصير.
أول عنصر ضعف يجب مواجهته، هو الانقسام السياسي العميق في الساحة الفلسطينية، وغياب وجود قيادة موحدة للنضال الفلسطيني، بما يعنيه ذلك من تضارب في الاستراتيجيات والأفعال، واستمرار هدر الطاقات في الخلافات والصراعات الداخلية، وبما يعنيه من ضعف القدرة على مواجهة ظواهر التشظي والشرذمة التي تتكاثر بفعل عوامل عديدة، ومنها دسائس الاحتلال وأعوانه.
لا يوجد سوى سبيلين لمعالجة هذا الضعف الاستراتيجي، سبيل فوري بدعوة جميع القوى للانخراط في قيادة وطنية موحدة على أساس الشراكة والحد الأدنى من التوافق، وبحيث تكون هذه القيادة مسؤولة عن العمل السياسي والكفاحي المشترك، وعن تمتين وتقوية فعالية المقاومة الفلسطينية وتأثيرها.
و السبيل الثاني على المدى المتوسط، إعادة حق الانتخاب الديمقراطي للشعب الفلسطيني لاختيار قياداته بحرية، واحترام نتائج الانتخابات شريطة ضمان تكرار إجرائها في مواعيدها دون تأخير أو تأجيل.
ولا يملك أحد رفاهية تجاهل هذه الضرورة، عندما يواجه الشعب الفلسطيني أكبر خطر على مستقبله منذ وقوع النكبة عام 1948، وكما لا تنفي الوحدة التعددية السياسية، أو حق كل قوة وفصيل في التعبير عن مواقفه ورؤيته، فإنها تؤكد أن الفعل النضالي والسياسي يجب أن يكون مشتركاً وموحداً.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بإلغاء كل أشكال التفرد في صنع القرار، ومكافحة مظاهر التعصب الحزبي والفئوي لدى الجميع.
العنصر الثاني الذي لا بد من تحقيقه، التوافق على إستراتيجية وطنية كفاحية مشتركة. ولن يكون هذا صعباً، إن توفرت النوايا الصادقة، بعد الفشل الكامل والمعترف به، لنهج المراهنة على التفاوض والحلول الوسط والاتفاقيات الجائرة التي مزقتها إسرائيل منذ زمن بعيد.
والاستراتيجية الفاعلة يجب أن تتناول وسائل النضال الفعال وأساليبه وأهدافه ، وكيفية التأثير في الأطراف الإقليمية والدولية لصالح القضية الفلسطينية.
كما يجب أن تشمل مراجعة الهدف الوطني العام والجامع، بما في ذلك إدراك مغزى تدمير إسرائيل “حل الدولتين”، وحقيقة أن مهام النضال الوطني لا تقتصر على الأراضي المحتلة، بل تتجاوزها بالجمع بين هدف إنهاء الاحتلال وإسقاط منظومة الأبارتهايد والتمييز العنصري في كل فلسطين التاريخية.
العنصر الثالث بالغ الأهمية، هو كيفية تعزيز صمود وبقاء الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين، ومكافحة مخططات الترحيل والتهجير الإسرائيلية المعلنة وإفشالها ، وذلك يعني تعزيز قدرات الإنسان الفلسطيني على البقاء، وخصوصا في المناطق المهددة فوراً مثل القدس وما يسمى مناطق (ج)، والبلدة القديمة في الخليل، والنقب والجليل. واستعادة قيم الانتفاضة الشعبية الأولى ومفاهيمها عندما كان جميع الفلسطينيين يشعرون أنهم مشاركون في النضال الوطني، وليسوا مجرد مراقبين أومتابعين له، وعندما سادت روح الاعتماد على النفس وتنظيم النفس، والتكافل الوطني والاجتماعي بين الجميع.
ويتطلب ذلك مراجعة أمرين أساسيين، كيفية الحفاظ على استقلالية الحركة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية عن السلطة الفلسطينية والتزاماتها والقيود المفروضة عليها، وكيفية إعادة النظر في هياكل مهام السلطة الفلسطينية نفسها بحيث تتحرر بالكامل من التزامات التنسيق الأمني، و تكرس طاقاتها لخدمة المواطن الفلسطيني وتلبية احتياجاته وصموده، بدل التصرف حاكمة له، في ظل استمرار الاحتلال الذي يضطهد الجميع.
ومن نافل القول التأكيد أن صمود الفلسطينيين وبقاءهم على أرض وطنهم هو العنصر الحاسم في الصراع الدائر، إذ أن الفشل الأكبر للحركة الصهيونية، والنجاح الأكبر للشعب الفلسطيني حتى هذه اللحظة، أن عدد الفلسطينيين على أرض فلسطين التاريخية يفوق اليوم عدد اليهود الإسرائيليين، رغم النكبة والاحتلال والاضطهاد العنصري، ورغم وجود 6.5 مليون لاجئ فلسطيني محرومين قسراً من حق العودة إلى وطنهم.
العنصر الرابع الذي يجب أن يعالج، يتعلق بكيفية توحيد طاقات مكونات الشعب الفلسطيني الثلاثة، في أراضي 1948 والأرض المحتلة والخارج، بعد حالة التفتت في الأهداف والفعل المشترك التي نجمت عن عملية و إتفاق أوسلو. وذلك يتطلب حواراً جاداً بناءً، ونقاشاً خلاقاً وذكياً، لكيفية جمع طاقات هذه المكونات من دون الإضرار بأي منها، وبحيث توجه قوتها الجمعية ضد نظام الأبارتهايد العنصري ومخططات الاحتلال الفاشي.
العنصر الخامس، هو كيفية الاستفادة من انكشاف الطابع العنصري والفاشي للمنظومة الاسرائيلية، لتعزيز حركة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، وتقوية وتعزيز حركة المقاطعة وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات ضد الاحتلال ونظام الأبارتهايد.
ويشمل ذلك مواجهة ما حققته المنظومة الإسرائيلية من ترويج روايتها المضللة، بما في ذلك شيطنة النضال الوطني الفلسطيني ووصمه بالإرهاب، وتشويه صورة الشعب الفلسطيني، وأحد الأمثلة على ذلك الضغوط الدولية المشينة، وغير المبررة، الموجهة ضد المناهج الفلسطينية.
ولا بد من الإقرار بضرورة وقف التراجع الذي حدث في العلاقات مع قوى التحرر والتقدم في العالم، ومحاصرة تأثير التطبيع الذي أقدمت عليه بعض الحكومات العربية مع إسرائيل.
هناك فرصة كبيرة أمام الشعب الفلسطيني لإحداث تعديل جذري ودائم في ميزان القوى لمصلحته، ولكن تحقيق ذلك يتطلب من الجميع، وأولاً من القيادات السياسية والمجتمعية، تغليب المصلحة الوطنية العليا على مصالحها الشخصية، والحزبية، والفئوية، والإقرار بأن إدارة النضال الوطني التحرري علم كفاحي، يتطلب التخطيط الدقيق إلى جانب الاستعداد البطولي للتضحية.
اخر الاخبار
- شهيدان في بلدة سلوان
- وزير الخارجية الأمريكي يصل اسرائيل على عجل
- مسؤول إسرائيلي: الحكومة ستتعامل مع قضية الاسرى بعد انتهاء الحرب
- نتنياهو يدعو غانتس للاجتماع… حكومة طوارئ إسرائيلية الليلة؟
- 3 إصابات برصاص الاحتلال خلال مواجهات بأريحا
- وقفتان في رام الله ونابلس تنديدا بجرائم الاحتلال بحق الصحفيين
- إصابة شاب برصاص الاحتلال في مواجهات جنوب طولكرم
- إصابات بالرصاص الحي والاختناق خلال مواجهات في بيت أمر شمال الخليل
- “إسرائيل” ترفض طلبًا فلسطينيًا بإدخال مواد غذائية وطبية لغزة
- ارتفاع عدد الشهداء بغزة إلى 922