كواليس قرار الأمم المتحدة بإحالة “الاحتلال الإسرائيلي” إلى محكمة العدل الدولية

تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الليلة الماضية، والذي تقرر فيه أن تنظر محكمة العدل الدولية في لاهاي في “شرعية الاحتلال الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية، هو التحدي السياسي الأول لحكومة بنيامين نتنياهو الجديدة، والتي كانت أدت اليمين الدستورية يوم الخميس الماضي فقط.

الحكومة الجديدة، التي يتولى فيها المتشددان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير مناصب وزارية كبيرة، سيكون عليها أن تقرر ما إذا كانت ستبلور إجراءات للرد على الفلسطينيين- المبادرين للقرار- الذين نقلوا النزاع إلى لاهاي.

خلفية القرار
وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صوّتت اللجنة الخاصة بالسياسة وإنهاء الاستعمار، في الأمم المتحدة، لصالح الاقتراح الفلسطيني، بأغلبية 98 دولة ومعارضة 17 وامتناع 52 عن التصويت. ومن بين المعارضين: الولايات المتحدة الأمريكية، وإيطاليا، وألمانيا، وأستراليا، وكندا، والنمسا، وجمهورية التشيك.

فيما تم الليلة الماضية التصويت في الجمعية العامة بكامل أعضائها على التوجه إلى محكمة العدل الدولية.

ما هي طبيعة القرار؟
وصوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الجمعة، على مقترح قرار ستشكل بموجبه محكمة العدل الدولية في لاهاي رأيا قانونيا حول مسألة ما إذا كان الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يعتبر ضما دائما. تم تمريره بأغلبية 87 دولة صوتت لصالحه، مقابل 24 دولة عارضت ذلك، وامتنعت أو تغيبت 53 دولة عن التصويت.
ومن المتوقع أن يفتح القرار المقترح الذي روج له الفلسطينيون عملية قانونية قد تستمر لأكثر من عام يدرس خلالها القضاة الوضع في الضفة الغربية والقدس الشرقية.
ينص القرار المقترح على أن الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية غير قانوني ويطالب المحكمة بالتوصية بالإجراءات التي يجب أن تتخذها الأمم المتحدة ودول العالم ضد إسرائيل بسبب ذلك.

مخاوف إسرائيل
تخشى إسرائيل من أن تؤدي فتوى محكمة العدل الدولية إلى زيادة مبادرات المقاطعة ضدها في أرجاء العالم، بما في ذلك من خلال سحب الاستثمارات.

خلف الكواليس
أجرى الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ ورئيس الوزراء السابق يائير لابيد ورئيس الوزراء الجديد بنيامين نتنياهو مكالمات هاتفية مع العديد من القادة في الأسابيع الأخيرة في محاولة لإقناع أكبر عدد ممكن من الدول بالتصويت ضد القرار.

كما عملت الحكومة الأمريكية في هذا الاتجاه مع العديد من الدول.

رد الفعل الإسرائيلي
نظرا لأن قرار الأمم المتحدة صدر في وقت كان يوم السبت المقدس لدى اليهودي قد حل بالفعل (يبدأ مساء الجمعة إلى مساء السبت)، فلم تصدر حتى الآن أي تصريحات من قبل المسؤولين الإسرائيليين الغاضبين بلا شك.

التصريحات الوحيدة حتى الآن، أطلقها مندوب إسرائيل الدائم بالأمم المتحدة جلعاد إردان والذي تواجد في الجمعية العامة للمنظمة خلال التصويت، لكنه لم يلق كلمة خلال الجلسة.

وقال إردان “القرار المقيت وصمة عار للأمم المتحدة وأي دولة تدعمه”.

وأضاف: “لا يمكن لأي جهة دولية أن تقرر أن إسرائيل تحتل أرضها وأن وجودنا في القدس أو يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة الغربية) غير قانوني. المحكمة التي حصلت على تفويض من هيئة مشوهة أخلاقيا مثل الأمم المتحدة ليس لها شرعية”.

وأشار إردان إلى قرار إجراء التصويت الذي يخص إسرائيل على وجه التحديد يوم السبت “المقدس”، قائلا إن هذا “مثال آخر على الانحلال الأخلاقي للأمم المتحدة، الذي يحول دون سماع موقف إسرائيل في تصويت يتم تحديد نتائجه مسبقا”.

واتهم السفير الإسرائيلي كل دولة دعمت قرار إحالة النزاع إلى لاهاي بـ “تأكيد قتل” أي فرصة للمصالحة مع الفلسطينيين.

الرد الفلسطيني
رحبت فلسطين بقرار الأمم المتحدة، وأكد الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة في بيان أن هذا التصويت دليل على وقوف العالم أجمع إلى جانب الشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية، غير القابلة للتصرف، وأنه آن الأوان أن يحاسب الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه وفق القانون الدولي.

ولفت إلى أن الشعب الفلسطيني يؤمن بشكل راسخ بأن تطبيق العدالة الدولية هي الطريق الوحيد لتحقيق السلام .

أزمة نتنياهو
تخطط حكومة نتنياهو إلى استغلال معارضة دول كبيرة التصويت لصالح المقترح الفلسطيني أو الامتناع عن التوصيت، وتقول إن ذلك يوجه رسالة إلى قضاة محكمة العدل الدولية مفادها أن هذه مسألة خلافية – وأن الدول الغربية الديمقراطية، ما تسمى بـ “التفكير المتماثل” (مجموعة الدول التي تعتبر إسرائيل نفسها منتمية لها) لم تؤيد الاقتراح الفلسطيني.

الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا – عارضت أو امتنعت عن التصويت وهي دول مهمة للغاية وموقفها له وزن، وفق وجهة النظر الإسرائيلية.

وبحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية: “حقيقة أن معظم الدول “ذات التفكير المماثل” لم تؤيد التصويت، تدل على أن هذه الدول تعتبر الخطوة الفلسطينية خطوة لن تساهم في عملية السلام وقد تؤدي فقط إلى التصعيد”.

وتعتبر الصحفة أن عدم دعم هذه الدول للمقترح سيساعد إسرائيل لاحقا على حشد بعض هذه الدول لتقديم آراء إلى المحكمة ضد “تقنين” الصراع.

وأضافت “كما لعب توقيت التصويت لصالح إسرائيل: مساء الجمعة قبل أن تذهب الأمم المتحدة في عطلة رأس السنة الجديدة. تغيبت 27 دولة – وكان من المفترض أن يدعم بعضها مشروع القرار. وبسبب العام الجديد والأعياد، لم يأت ممثلو تلك البلدان للتصويت”.

الآن ، بعد التصويت – سيذهب الأمر إلى المحكمة في لاهاي. من المتوقع أن تستغرق العملية ما بين عام إلى عامين حتى نشر الرأي، وهو لن يكون ملزما قانونا.

ومن المتوقع أن تصدر المحكمة خلال فترة قصيرة دعوة للدول والمنظمات لتقديم آرائها إليها، وبعد ذلك ستعقد جلسة استماع علنية.

كانت إسرائيل تميل في الماضي إلى عدم التعاون مع المحكمة من أجل عدم إضفاء الشرعية على العملية.

وقال مسؤول سياسي كبير في تل أبيب، الليلة الماضي، إن إسرائيل تخطط للاتصال بالدول التي عارضت القرار، وتطلب منها أن تقدم لمحكمة العدل الدولية رأيا يعارض إحالة العملية برمتها إلى المحكمة نفسها، مضيفا “بشكل عام، كلما عارضت الدول الغربية القرار – سنرسل رسالة إلى محكمة العدل الدولية مفادها أن العالم المستنير ضد الخطوة الفلسطينية”.

على هامش التصويت
تقول “يديعوت” إن جهود قادة إسرائيل لثني دول حول العالم عن التصويت أو التصويت ضد القرار آتت أكلها لاسيما بالنسبة لدول أفريقيا.
توضح الصحيفة “إجمالاً غيرت 12 دولة في القارة تصويتها لصالح إسرائيل: انتقلت كينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الدعم إلى المعارضة؛ توغو من الامتناع عن التصويت إلى معارضة القرار؛ وانتقلت تشاد وبنين والرأس الأخضر وجزر القمر وغامبيا وغينيا والنيجر من الدعم – إلى الغياب. وامتنعت ملاوي وتنزانيا اللتان تغيبتا عن التصويت السابق، هذه المرة عن التصويت”.

كما تم تسجيل بعض الإنجازات من وجهة النظر الإسرائيلية في قارتي آسيا وأوروبا: انتقلت بريطانيا ورومانيا وكرواتيا وألبانيا من الامتناع عن التصويت إلى الرفض. وتحولت كازاخستان وأوزبكستان وأوكرانيا من دعم الفلسطينيين إلى الغياب.

في أوروبا صوتت ثماني دول لصالح الفلسطينيين: بولندا وتركيا وبلجيكا والبرتغال ولوكسمبورغ وسلوفينيا وأيرلندا ومالطا.

لكن الوضع في أمريكا اللاتينية لم يبشر إسرائيل بالخير: صوتت الأرجنتين لصالح الاقتراح الفلسطيني، وكذلك فعلت كولومبيا – التي كانت غائبة عن التصويت السابق. من ناحية أخرى، تحولت كوستاريكا من الامتناع إلى معارضة القرار، وامتنعت البرازيل وبنما وجمهورية الدومينيكان التي صوتت لصالح الاقتراح في التصويت السابق، هذه المرة عن التصويت.

تجدر الإشارة إلى أن قرار البرازيل بالامتناع عن التصويت اتخذ قبل يوم واحد من تنصيب الرئيس الجديد لولا دا سيلفا، الذي كان من المحتمل أن تصوت بلاده لصالح الفلسطينيين إذا تولى منصبه في اليوم السابق.

محاولة إسرائيلية فاشلة
في خطوة تكتيكية حاولت إسرائيل الليلة الماضية تقديم اقتراح مختلف كان الغرض منه منع التمويل المالي لمحكمة لاهاي في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
لكن هذا الاقتراح فشل، حيث صوتت 105 دولة لصالح تحويل التمويل إلى المحكمة. حتى الولايات المتحدة لم تدعم إسرائيل في هذا الأمر، وقد تم اتخاذ هذه الخطوة على أساس أنه في غياب التمويل لن تنظر المحكمة في القضية، رغم أن إسرائيل لم تكن تعتقد أن مثل هذه الخطوة ستنجح.