تخيّل أنك تمشي في شوارع منطقتك وأوقفتك مجموعة من الجنود المسلحين بالكامل وطلبت التقاط صور لوجهك، أو تخيّل أنك تحاول الخروج من المدينة ليوم واحد، ولكي تغادر تحتاج إلى عبور نقطة تفتيش محوسبة تقوم بمسح وجهك لتقرر ما إذا كان سيُسمح لك بالمرور أم لا، أو تخيّل أنك مزارع، ترعى أغنامك، ويظهر أمامك جندي أجنبي ويلتقط صورة لوجهك، وبمجرد تحميل صورتك على هاتفه، يعاملك كإرهابي ويحتجزك على الفور.
يقول الكاتب الإسرائيلي أوري جفعاتي في مقال له بموقع “ذا ديلي بيست” (The Daily Beast) الأميركي هذه ليست إحدى الصور من رواية 1984 ولا مشهد كابوسي من مسلسل المرآة السوداء، بل هي الحياة اليومية لفلسطيني بمدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة.
كسر صمته وأدلى بشهادته
الكاتب جفعاتي، الذي خدم في سلاح المدرعات بالجيش الإسرائيلي من 2010 إلى 2013 وقرر في عام 2017 كسر صمته والإدلاء بشهادته حول تجربته الشخصية كجندي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يقول إن الشركات من جميع أنحاء العالم المسؤولة عن تطوير تكنولوجيا التجسس، جنبا إلى جنب مع وكالات الدولة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، تعمل من أجل السيطرة على الفلسطينيين بطرق من شأنها أن تُخجِل بعض أكثر الدكتاتوريات شراسة في العالم.
وأشار إلى أن منظمة العفو الدولية نشرت مؤخرا تقرير “الفصل العنصري الآلي”، وهو تقرير يعرض بالتفصيل استخدام إسرائيل المكثف لتقنيات المراقبة الرقمية والبيومترية (القياسات الحيوية) في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الذئب الأحمر والذئب الأزرق
وقال إن أحد أهم ما تم الكشف عنه في التقرير يتعلق بنظام مراقبة جديد شديد التوغل يُعرف باسم “الذئب الأحمر”، تحدث عنه مؤخرا جنود استخدموا هذه التكنولوجيا، وشهدوا بأنه يعتمد على كاميرات مثبتة عند نقاط التفتيش ويحدد هوية الفلسطينيين تلقائيا باستخدام برامج التعرف على الوجه -بدون علمهم، ناهيك عن موافقتهم- لتوجيه الجنود حول كيفية معاملتهم.
وأضاف أن هذا الكشف الأخير، يمثل جانبا آخر من أنظمة التعرف على الوجوه والمراقبة الجماعية المستخدمة في مدينة الخليل، جنبا إلى جنب مع “الذئب الأزرق”، وهو تطبيق للتعرف على الوجه للهواتف الذكية يطابق صور المدنيين الفلسطينيين التي يلتقطها الجنود مع البيانات المحفوظة في قاعدة بيانات خاصة تشمل كل فلسطيني مقيم في الأراضي المحتلة.
ومع ذلك، فإن نظام مراقبة آخر، يُعرف باسم “مدينة الخليل الذكية” -وهو شبكة من الكاميرات ذات قدرة كبيرة على الاختراق، متطورة ومنتشرة في جميع أنحاء المدينة- يجعل من المستحيل على الفلسطينيين في الخليل الهروب من عين الاحتلال الساهرة.
تبريرات مستفزة
وأوضح الكاتب أنهم في إسرائيل، وخلال السنوات الـ 56 الماضية، وسعوا السيطرة العسكرية على الفلسطينيين بشكل كبير، وباسم “الدفاع”، هدموا المنازل، وساعدوا المستوطنين في ممارسة العنف، وفرقوا الاحتجاجات، وألزموا أنفسهم بمعايير متساهلة للغاية في قواعد الاشتباك.
وأضاف بأنهم اليوم، لا يتحكمون فقط في مدن وبلدات ومنازل الفلسطينيين، بل في بياناتهم الشخصية.
واستمر يقول أن من يطلب من السلطات الإسرائيلية تبرير كل هذا، يواجه بالادعاء بأن هذه الإجراءات ضرورية “لأسباب أمنية”، وفي بعض الأحيان، تذهب السلطات الإسرائيلية أبعد من ذلك، لتقول إنها تبذل جهودا كبيرة لتحسين نوعية الحياة للسكان الفلسطينيين، أي أن هذه السيطرة الكاملة على كل عنصر من عناصر حياة هذا الشعب هي لمصلحته.