يترقب لبنان الاثنين المقبل، انطلاق أولى جلسات الاستجواب القضائية التي سيجريها وفد قضائي أوروبي من ألمانيا وفرنسا ولوكسمبورغ، بدأ بالوصول إلى بيروت تباعا، في مهمة قضائية تستمر حتى 20 يناير الجاري، في سياق تحقيقات مالية أوروبية بقضايا اختلاس وتبييض وتهريب أموال وإثراء غير مشروع وتهرب ضريبي، ترتبط معظمها بشخص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وأقارب ومعاونين له.
الوفد يضم مدعين عامين وقضاة تحقيق ومدعين عامين ماليين من الدول الأوروبية الثلاث، بدأ وصولهم منذ التاسع من يناير، ومن المنتظر أن يستمعوا إلى مجموعة من المسؤولين المصرفيين وموظفين في مصرف لبنان ونواب حاليين وسابقين لحاكم مصرف لبنان، كلهم بصفة شهود، إضافة إلى رجل أعمال لبناني بصفة مشتبه به في قضية منفصلة.
وفيما لم تنشر أي لائحة اسمية رسمية للبنانيين الذين سيتم الاستماع إلى شهاداتهم، جرى التداول إعلاميا وعبر وسائل التواصل الاجتماعي بلوائح مسربة وأسماء وأرقام متضاربة، فيما أكد النائب العام التمييزي اللبناني غسان عويدات أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ليس ضمن اللائحة في المرحلة الراهنة، إلا أن ذلك لا يلغي امكانية طلب الاستماع إليه في مراحل لاحقة.
أثارت هذه المستجدات حالة من الترقب والحذر في لبنان، لاسيما على الصعيد السياسي، ففيما تشهد الخطوة الأوروبية ترحيبا سياسيا وشعبيا من أطراف لبنانية عدة، تجد فيها نافذة أمل بمحاسبة وكشف للفساد، يلقى الدخول الدولي على الملفات القضائية اللبنانية معارضة قسم آخر من اللبنانيين والأحزاب الذين يرون فيه تعديا على السيادة اللبنانية، الأمر الذي يثير مخاوف من عرقلة ممنهجة لمهمة الوفد الأوروبي، بدأت بوادرها بالظهور، بهدف حماية المتورطين أو تعطيل التحقيقات.
وتتولى السلطات اللبنانية اتمام التحضيرات الإدارية واللوجيستية لبدء التحقيقات الأوروبية، حيث جرى تجهيز القاعة العامة لمحكمة التمييز في قصر عدل بيروت الذي ستجري فيها الاستجوابات، بالمعدات اللازمة من إضاءة ومكبرات صوتية وقرطاسية وغيرها، كما تتخذ الأجهزة الأمنية اللبنانية إجراءات خاصة لحماية الوفود الأوروبية ومقار إقامتها ومواكبة تحركاتها.
وسيشهد صباح الاثنين اجتماعا بين النائب العام التمييزي اللبناني والوفود القضائية الأوروبية لمناقشة خطة العمل، قبل البدء بالتحقيقات التي سيشرف عليها القضاء اللبناني لضمان تنفيذ الاستنابات القضائية الأوروبية، دون تجاوز القوانين اللبنانية وصلاحيات القضاء اللبناني.
عرقلة مبكرة
وكان الوفد القضائي الألماني استهل نشاطاته السابقة لبدء التحقيقات، بلقاءات عقدها مع مراجع قضائية لبنانية، أبرزها مع القاضي عويدات حيث تمت مناقشة خطة العمل المعتمدة وتنسيق الخطوات اللاحقة مع النائب العام التمييزي باعتباره يرأس النيابات العامة في لبنان، وتناط به مهمة تسهيل عمل الوفد القضائي التي التزم بها لبنان أمام الدول الأوروبية المشاركة.
إلا أن ذلك لم يمنع تسجيل تطورات قضائية لافتة، أشارت بوضوح إلى أن مهمة القضائيين الأوروبيين لن تكون بالسهولة المرجوة ولا بالأريحية المتوقعة من الجانب اللبناني. فقد سجل الوفد الألماني انزعاجا واضحا في اليوم الأول لعمله إلى جانب القضاء اللبناني، وذلك بعدما رفض النائب العام الاستئنافي اللبناني زياد أبو حيدر طلب مدعي عام التمييز تسهيل مهمة المحققين الأوروبيين، حيث غادر مكتبه وأقفل خطه، الأمر الذي دفع عويدات إلى التلويح بإحالته على التفتيش القضائي.
أبو حيدر عاد وكلف المحامي العام الاستئنافي في بيروت رجا حاموش التعاون مع الوفد الألماني وإطلاعه على ملف تحقيقات النيابة العامة التمييزية في قضايا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي تشدد بدوره في التعامل مع القضاة الألمان، طالبا خروج شخصيات أمنية ألمانية من مكتبه قبل الاطلاع على الملف، معللا ذلك بالحرص على سرية التحقيق.
وللسبب نفسه أيضا، تشدد في منع الفريق الألماني من تصوير أو نسخ لملف التحقيقات الكامل، مانحا القضاة الألمانيين حق الاطلاع على الملفات فقط، والتقدم للنيابة العامة التمييزية بطلب الحصول على الوثائق والنسخ المطلوبة من الملف، الأمر الذي رفضه الوفد الألماني مغادرا مكتب القاضي حاموش دون الاطلاع على ملف سلامة أو فض الشمع الأحمر عنه.
هذه التطورات سرعان ما صعدت الحديث عن وجود نوايا عرقلة من ناحية القضاء اللبناني، الذي أكد في المقابل، التزامه الكامل بتسهيل عمل الوفد الأوروبي بما يتيحه القانون اللبناني وتفرضه المعاهدات الدولية، وعبر عن ذلك وزير العدل اللبناني هنري خوري في مؤتمر صحفي قال خلاله إن “كل تعاون قضائي دولي يتم وفقا لقواعد لا تشكل تعديا على السيادة القضائية اللبنانية، و كل خروج عن هذه القواعد، في حال حصوله، سيواجه بالتأكيد برفض المراجع القضائية المختصة”.
ماذا يقول القانون؟
يذكر أن استجابة لبنان لطلبات التعاون الأوروبية تأتي التزاما منه باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد واسترداد الأموال 2003 والتي انضم لبنان إليها عام 2009، وهي أول اتفاقية دولية لمكافحة الفساد ملزمة دوليا، وبالتالي يجب على لبنان تنفيذ بنودها، لا سيما المادة 46 منها المتعلقة بتقديم المساعدة القانونية في التحقيقات والملاحقات والإجراءات القضائية المتصلة بجرائم الفساد وتبييض الأموال.
وفي هذا السياق يلفت رئيس مؤسسة “JUSTICIA” الحقوقية المحامي بول مرقص، إلى وجود تعاون مفروض لإجراء التحقيقات القضائية عندما يكون الأمر بين دولتين أو أكثر، مع مراعاة المرتكزات الأساسية لسيادة الدولة في القانون المحلي التي يجب إحترامها، وهو ما يتوافق مع أحكام المادة 49 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد 2003، التي تحثّ الدول الأطراف على توقيع إتفاقيات ثنائية ومراعاة مبدأ السيادة المحليّة.
ويشرح الخبير القانوني لموقع “الحرة” أنه في حال رغبت دولة أجنبية طرف في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد، في إجراء تحقيقات أو استجوابات في لبنان، يتوجّب عليها أن تطلب ذلك عبر السلطات اللبنانية المختصّة وفق آلية الطلب المحددة في المادة 46 من الاتفاقية عينها، أي عبر النيابة العامة التمييزية.
يستذكر مرقص سوابق على ذلك شهدتها قضية رجل الأعمال كارلوس غصن الذي استجوبه القضاء الفرنسي في لبنان وسواها من القضايا كقضية ساركوزي والأموال الأفريقية وغيرها.
ويبقى للدولة متلقية الطلب حق رفض تقديم المساعدة القانونية المتبادلة، بحسب مرقص، إذا لم يقدم الطلب وفقا للأصول المفروضة أو إذا رأت الدولة الطرف متلقية الطلب أن تنفيذ هذا الطلب قد يمس بسيادتها أو أمنها أو نظامها العام أو مصالحها الأساسية الأخرى، وغيرها من الحالات المحددة حصرا في الفقرة 21 من المادة 46 عينها.
يشير مرقص إلى أن الدستور اللبناني يكرس في مقدمته مبدأ سيادة الدولة اللبنانية وكذلك قانون العقوبات اللبناني، “بحيث لا تخضع الدولة لأي سلطان إلا فيما تتّفق عليه من تعاون قضائي مع دولة أو دول أخرى كما بالنسبة لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت عليها 186 دولة منها 20 عربية والتي رغم أنها تنص على مبدأ احترام السيادة القانونية لكل دولة إلا أنها في موادها الأخيرة تنص على إجراءات تعاون قضائي برضى الدول الموقعة من شأنها أن تجيز الاستجواب. علما أن لبنان كان قد وافق على مباشرة التعاون هذا منذ بضعة سنين قبل أن تبلغ الوفود القضائية الأوروبية عزمها المجيء بذاتها إلى لبنان”.
هواجس سيادية.. ومخاوف أبعد
مهمة الوفد الأوروبي أثارت انقساما سياسيا في البلاد، في أبعادها ودلالاتها ونتائجها، بين من رأى فيها تعبيرا صارخا عن عجز القضاء اللبناني عن القيام بدوره في التحقيق بالقضايا الكبرى وتقديم النتائج، وبالتالي تسليما واقرارا دوليا بذلك، وعليه أيد الدخول الأوروبي على خط التحقيقات القضائية، أملا في الوصول إلى نتائج وكشف ملابسات، لم يقدمها القضاء اللبناني حتى اليوم، رغم مرور 3 سنوات على واحد من أسوأ الانهيارات المالية في التاريخ الحديث، والذي أكدت مراجع دولية بأنه جاء “مفتعلا” (تقرير الأمم المتحدة).
وبين من رأى في هذا التطور تدخلا في شؤون لبنانية ومس بالسيادة الوطنية، ووصاية خارجية على السلطة القضائية، على اعتبار أن التحقيقات التي تجري على الأراضي اللبنانية تكون من اختصاص القضاء اللبناني حصرا، فيما ينفذ القضاة اللبنانيون الاستنابات القضائية الصادرة عن الدول الراغبة في متابعة تحقيقاتها في لبنان.
وفي هذا السياق عبرت أطراف سياسية عن خشية من أن تكون هذه الزيارة مقدمة لزيارات أخرى قد تتمحور حول قضايا مختلفة كقضية انفجار مرفأ بيروت والاطلاع على التحقيقات في هذا الشأن وهو ما يعني تدويلا لهذه الملفات، لا يناسب جهات سياسية عدة في البلاد لاسيما الملاحقين والمتضررين من التحقيقات والمستفيدين من تعطيل القضاء اللبناني عن البت بهذه القضايا.
من جانبه كان المدعي العام التمييزي في لبنان قد أوضح أن العمل سيتم وفق معاهدة الأمم المتحدة، التي “لا تتعارض مع القوانين اللبنانية”. في حين أكد وزير العدل اللبناني هنري خوري في مؤتمر صحفي أن “كل تعاون قضائي دولي يتم وفقا لقواعد لا تشكل تعديا على السيادة القضائية اللبنانية، وأن كل خروج عن هذه القواعد، في حال حصوله، سيواجه بالتأكيد برفض المراجع القضائية المختصة”.
وفي هذا الإطار، يرى رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين المحامي كريم ضاهر أن “زيارة الوفد الأوروبي تحظى بتضخيم إعلامي لأبعادها أكبر من حجمها الحقيقي”، وذلك يتم بحسب ضاهر بمعية المنزعجين من هذه التحقيقات، “من مصلحتهم أن يضيعوا البوصلة وأن يظهروا الأمر وكأنه تعد على السيادة اللبنانية، أو كمؤامرة على القضاء اللبناني لضرب سمعته وغيرها مما جرى الترويج له إعلاميا خلال الفترة الماضية.”
وكانت لافتة في هذا السياق، الحملة الإعلامية التي شنها الإعلام المقرب من “حزب الله” وحلفائه في لبنان على زيارة الوفد القضائي الأوروبي، والترويج لفكرة انتهاكه للسيادة القضائية اللبنانية، في حين أن “حزب الله” بنى طيلة السنوات الثلاث الماضية سرديته للأزمة الاقتصادية اللبنانية على تحميل المصرف المركزي وحاكمه المسؤولية الرئيسية للإنهيار المالي في البلاد، ما طرح استفهامات حول الموقف السلبي من التحقيقات الأوروبية.
“كاد الأمر أن يصل بهم إلى حد الدفاع عن شخص رياض سلامة”، يقول الصحافي والكاتب اللبناني علي الأمين، الذي يفسر ذلك على أنه “توجس تاريخي لدى حزب الله من القضاء الدولي يعود إلى حقبة المحكمة الدولية المخصصة لقضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعاد ليظهر واضحا مؤخرا في قضية انفجار المرفأ ورفضهم طرح تدويل التحقيقات، وبالتالي لا شك بأنهم يعتبرون ما يحصل اليوم ليس بريئا وسيكون مقدمة لخطوات لاحقة.”
الأمين يرى أنه حتى ولو كانت التحقيقات ذات بعد أوروبي وليس لبناني، “إلا ان كشف أي معطى جديد غير معروف يتعلق بالفساد في لبنان، سيشجع على كشف غيره، وبالتالي هذا يؤدي إلى إرباكهم، وإن لم يكن بالمباشر فلمجموعة كبيرة من حلفائهم، وفي النهاية حزب الله يستند على شبكة تحالفات ضمن المنظومة الحاكمة، حماها بصدره خلال وبعد احتجاجات 17 اكتوبر”.
عرقلة ممنهجة؟
وبناء على ذلك، يؤكد الأمين أن “هناك تعليمات سياسية مشددة وصلت إلى الهيئات القضائية اللبنانية المعنية بالتشدد وعرقلة مهمة الوفد الأوروبي ووضع قواعد صارمة للتعامل مع التحقيق الدولي وحصره بالملف المالي فقط، وأولى بوادر العرقلة ما جرى قبل أيام حيث كان واضحا أن القضاء اللبناني يتحرك بتعليمات، فاتخذ موقفا غير متعاون مع الوفد، ثم عاد عنه وسرعان ما انقلب على موقفه بعد ورود الاتصالات له، وبالتالي يبدو أن الفريق القضائي اللبناني المتابع كأداة في يد السلطة السياسية.”
يحذر ضاهر من جهته من التفاصيل والالتفافات القانونية والاجرائية بهدف عرقلة مهمة الوفد الأوروبي، ويضيف ” كانت هذه التجربة واضحة في قضية تحقيقات انفجار المرفأ، حيث استخدمت كافة وسائل التعطيل والتأخير من القانون والاجراءات القانونية، ويمكنهم فعل الأمر نفسه مع القضاة الأوروبيين مثلما منعوا حضور الأمنيين الألمان، ولم يسمحوا للقضاة بالحصول على الملفات الكاملة، أو تصويرها، وهذا كله نوع من التعطيل المستخدم من داخل القانون وآلية التحقيقات.”
ولكن يبقى الحاكم الحقيقي لهذا الأمر، بحسب ضاهر، هو توقيع لبنان على اتفاقية التعاون القضائي لمكافحة الفساد، “وهنا القضاة الأوروبيين إذا استطاعوا التثبيت والتقدير أن عملية العرقلة والتأخير ممنهجة ومفتعلة عن سوء تصور وتصميم لعدم التعاون، يمكنهم قول ذلك في دولهم ولكن ذلك سيعود بضرر على لبنان وحيث سيكون هناك تدابير بحق الأشخاص ومؤسسات، والأيام المقبلة ستظهر واقع الحال إذا ما كان هناك عرقلة أم لا.”
يرى بدوره الأمين أن السياسيين لا يريدون للقضاء ان يذهب بعيدا في الملفات، “ولكن لا يجرؤون على مواجهة هذا الموضوع في ظل وجود سيف العقوبات الأوروبية، فالتشدد سيفتح العين الحمراء عليهم، وهذه المنظومة أكثر حذرا من أن تعرض نفسها لأي تأنيب أو عقوبات دولية وبالتالي لن يسمحوا بالوصول إلى تلك المرحلة ولكنهم سيحاولون العرقلة قدر الإمكان، في المقابل وبقدر ما يظهر إصرارا دوليا في هذا الشأن، يفرض إلى حد كبير على الجهات المعنية في لبنان التعاون والالتزام، فما من جهة في لبنان يمكنها تحمل التبعات الدولية لعدم التعاون علناً.”
يذكر أنه وفي صيف 2021، أقر الاتحاد الأوروبي إطارا قانونيا لفرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين بسبب إساءتهم إلى الديموقراطية ودولة القانون، ولكن لم يتم استخدام هذه العقوبات حتى الآن ضد شخصيات سياسية لبنانية.
ماذا يريد الأوروبيون؟
ما يهم القضاء الأوروبي فعليا، بحسب ما يشرح ضاهر لموقع “الحرة”، هو الجرم الذي حصل في أوروبا وعلى اراضي الدول المشاركة في التحقيقات، “لا يهمهم الجرم المرتكب على الأراضي اللبنانية، يهمهم قضايا تبييض الأموال المرفوعة في دولهم، ولكن تبييض الأموال لا يمكن تثبيته إلا من خلال ملاحقة الجرم الأساس، لاثبات ان الأموال المحولة والمستخدمة لشراء عقارات وغيره، ناتجة عن أموال قذرة ومصادرها جرمية وغير شرعية، وفقا للقوانين اللبنانية، لكي يتم اثبات فعل تبييض الأموال في أوروبا.”
ويواجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة دعاوى قضائية أمام المحاكم في سويسرا وفرنسا ولوكسمبورغ وألمانيا، ومنها اتهامه بتحويل أكثر من 300 مليون دولار لسويسرا بطريقة غير نظامية عبر شركة يملكها شقيقه، وبمساعدة مجموعة من المحيطين.
وهذا ما جاء الوفد القضائي ليحقق به، وفق ضاهر، “خاصة أن المبلغ الذي تم تحويله إلى سويسرا، عاد وارسل قسم منها إلى 5 مصارف لبنانية، ثم اخرجت مرة اخرى من لبنان، وهنا أيضا يبحث القضاء الأوروبي ما إذا كانت الأموال استخدمت أيضا في شراء العقارات في أوروبا.”
وفي حال تبين ذلك، يؤكد رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين أنه بالحد الأدنى “يكون قد وقع جرم الاختلاس الذي يتحدث عنه قانون العقوبات في المواد 351 وتوابعها، إضافة إلى صرف النفوذ وسوء استعمال المركز وخاصة في ظل قانون مكافحة الفساد الصادر عام 2020 والذي من ضمن تعريفه للفساد كان استخدام المنصب او المركز للإستفادة بصورة مباشرة أو غير مباشرة بشكل شخصي أو لأحد الأقارب أو المقربين، والاتهامات التي تواجهها شركة “فوري” لشقيق رياض سلامة تدخل في صلب هذا الموضوع وضمن الافعال الـ21 التي تنص عليهم المادة الأولى من قانون 44 الصادر في عام 2015 لمكافحة تبييض الأموال ومكافحة الإرهاب”.
ومنذ يوليو 2021، يحقق القضاء المالي الفرنسي في ثروة سلامة، وقد وجه مؤخرا اتهامات لامرأة أوكرانية مقربة منه، بينها غسل أموال واحتيال ضريبي، وفي هذا السياق يشرح ضاهر أنه وبعد القضاء السويسري وما تكشف خلال التحقيقات الأوروبية، تكشف أمور إضافية كملكية حاكم مصرف لبنان لمبنى في الشانزيليزيه في فرنسا، تعود ملكيته لابنة له لم يكن مصرح عن وجودها، وتدير والدتها أعمال المبنى، حيث جرى تحويل أموال لها عبر شقيقه رجا سلامة.
كل هذا الملف محور كان تحقيق فرنسي درس، بحسب ضاهر، تكوين هذه الشركات ولاحق مصادر الأموال، وجرى ذلك بتعاون بين النيابات العامة الأوروبية، حيث اجتمع قضاة من 7 دول أوروبية لديه استثمارات فيها، وبدأت حملة تدقيق بكافة الأملاك التي تعود لسلامة وأقاربه ومقربين منه.
يذكر أنه في 28 مارس 2022، أعلنت وحدة التعاون القضائي الأوروبية (يوروغاست) أن كل من فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ جمدت 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية إثر تحقيق استهدف سلامة وأربعة من المقربين منه بتهم تبييض أموال و”اختلاس أموال عامة في لبنان بقيمة أكثر من 330 مليون دولار و5 ملايين يورو على التوالي، بين 2002 و2021″.
هناك نقطة اساسية لا تحظى بالضوء الكافي في قضايا سلامة، بحسب ضاهر، وهي التهرب الضريبي “إذ يهم القضاء الاوروبي أيضا في حال حصول تهرب ضريبي، معرفة ما إذا كانت الأموال الناتجة عن التهرب الضريبي وتحولت إلى الخارج بعملية تبييض أموال وفق التعريف اللبناني والتعريف الأوروبي، بالنسبة للقضاء الاوروبي يهمه معرفة مصدر الأموال التي وصلت إليهم واشترى بهم عقارات، ودخلت في النظام المصرفي.”
ورغم تعدد الشكاوى بين أوروبا ولبنان، لطالما نفى سلامة الاتهامات التي وجهت له، إن لناحية الاختلاس وتبييض الاموال التي رأى أنها تستهدف سمعته، أو لناحية المسؤولية عن الانهيار المالي وتهريب الأموال إلى الخارج، التي ينفيها أيضا ويحمل المسؤولية للحكومات اللبنانية التي استمر بتمويل انفاقها، محملا الطبقة السياسية مسؤولية الانهيار.
ويشغل سلامة منصبه كحاكم لمصرف لبنان منذ عام 1993، ما جعل منه أحد أطول حكام المصارف المركزية عهدا في العالم، فيما يفترض أن تنتهي ولايته الحالية في مايو 2023.
انسحاب على قضايا أخرى؟
وتطرح استفهامات عما اذا كانت زيارات الوفود القضائية الأوروبية ستنسحب على ملفات أخرى تعني الأوروبيين، كقضية مقتل الجندي الإيرلندي ضمن قوات اليونيفل جنوب لبنان، أو قضية انفجار مرفأ بيروت الذي أودي بحياة أوروبيين من بينهم مهندس فرنسي، ما قد يجعل القضايا المالية مجرد مقدمة، لاسيما مع وجود حديث عن زيارة قضائية فرنسية للبنان خلال الشهر الجاري بشأن تحقيقات انفجار مرفأ بيروت.
وفي هذا الإطار يرى الأمين أن “الرسالة القضائية من الناحية الأوروبية ليست بريئة، وانما تمهيد لمسار طويل سيتم من خلاله التعامل مع لبنان، لاسيما في العنوان القضائي ومن باب قضايا الفساد وانفجار المرفأ، ستكون مداخل موضوعية لتبرير التدخل الخارجي خاصة بوجود حاضنة داخلية لمثل هذه المبادرات الأوروبية.
ويضيف الصحافي اللبناني أن “هذا الأمر يفضح القضاء اللبناني ويكشف عن كونه معطل، فلو قام القضاء اللبناني بواجبه لكانوا ارتكزوا على نتائج تحقيقاته وما صدر عنه، وبالتالي سيكون التدخل مستندا أيضا إلى التقصير القضائي اللبناني وملفات لم يتم حسمها وبالتالي هناك مبررات سياسية وقانونية للقول إن هذه الملفات لم تحسم وهذا ما اضطرنا للتدخل بشكل مباشر.”
في المقابل يرى ضاهر أن هناك مبالغة في ربط مهمة الوفد القضائي بتحقيقات انفجار المرفأ والإعلام هو المسؤول عن هذا الالتباس، “طرح الوفد مجرد تساؤل عن مصير التحقيقات، وكان سؤالا واحدا تحول في الإعلام إلى قضية يريد المتضررون من هذه التحقيقات استخدامها مع كافة الوسائل، للتخويف من هذه الخطوة لدى الراي العام، لأن أي عملية خرق قد تحصل في هذه الملفات سيسقط أشخاص كبار ومنظومة من خلفهم لأنها مترابطة ومتكاملة.”