عائلة الشهيد نور جرار تفتقده في شهر رمضان

بالصبر والإيمان، تقاوم المواطنة سلوى جرار، الألم والغصة والحسرة التي تملأ حياتها، وبكل قوة تسعى لكتم مشاعرها في داخلها، خلال شهر رمضان المبارك، في ظل غياب نجلها الشهيد نورالدين عبدالله جرار، وفقدان نجلها محمد الذي تعرض لحادث سير إضافة إلى خطأ طبي أدى لوفاته.

 وتقول جرار، خمسة سنوات صعبة ومريرة، عشتها مع فقدان ابني الأول محمد، والأصعب أنني أعيش أيام رمضان، في ظل فقدانه ونور، ولكن ليس أمامي سوى خيار، كتم ألمي ووجعي وغصتي داخلي، لا أستطيع أن أريها لأولادي على مائدة رمضان، لأنني أريد أن أقويهم وأصبرهم، ليكونوا ثابتين وصامدين، فهذا قدرنا كشعب فلسطيني.

قبل وخلال رمضان، تقضي الوالدة أم نور، ساعات طويلة من يومها، في الغرفة الخاصة به، والتي زينتها بصوره وذكرياته وكل ما تركه من إرث لها، فكل حياتها ترتبط به، ولا تفارقها صورة وحياته وطقوسه خاصة خلال شهر رمضان، وتقول: “انطفأ النور في بيتنا كله، منذ فقدان ابني نور شهيداً، وقبله محمد، فقدنا الكثير من الطقوس التي اعتدنا عليها بحضوره الجميل والأجواء التي كانت تملأ حياتنا فرحاً .. قلبي يبكي كل لحظة على فراقه، لكني أشعر بأن روحه تلازمنا، أراه دوماً، عندما كان يزين منزلنا، كما اعتاد بأجواء خاصة حتى في حارتنا وليس لعائلتنا فقط، كان يقود قبل رمضان مع رفاقه حملة لتنطيف المسجد، وتزيين الحي بالإضاءات الجميلة، ويعمل دوماً على مساعدة الفقراء والتواصل مع أُسر الشهداء”.

وتضيف: “كلما سمعت مكبرات الصوت في نهاية كل يوم رمضاني، أقف على بوابة منزلي وأتذكر وكأني أراه حياً، فإضافة لعمله الشاق خاصة في رمضان، يحرص دوماً، على احضار التمر والحلوى معه يومياً، وتتزين مائدة رمضان بحضوره وروحه ومحبته الكبيرة لنا وللجميع”.

وأشارت إلى أن نور كان دوماً يتمنى زيارة القدس والمسجد الأقصى وتناول الإفطار فيه، لكنه نال ما تمنى وهي الشهادة التي باركتها له وأدعوا الله كل يوم أن يتقبلها”.

ومما يزيد ألم وغضب الوالدة أم نور، عدم وجود قبر لزيارة حبيب قلبها الذي اختطف الاحتلال جثمانه بعد استشهاده، وتقول “أصعب اللحظات بعمري حرماني من وداع نور ودفنه، فلم يكتفي الاحتلال بجريمته، وأحياناً يساورنا شكوك حول مصيره، فالجميع شاهده جريحاً وينزف على الأرض، ووحده الاحتلال من أعلن استشهاده، نريد أن نعرف مصيره الحقيقي وإذا كان ارتقى، فأين يحتجز جثمانه خاصة بعدما أكمل عامه ال20 في قبضة الاحتلال”، مؤكدة أن احتجازه جريمة كبرى، ووسيلة عقاب وانتقام منا.

وتضيف: ليس لدينا معلومات عن ابني نور المحتجز، ومن حقي معرفة مكان تواجده، ورغم ذلك، حجزت قبراً لابني، بجانب شقيقه محمد، وكتبنا عليه قبر محدد للشهيد المحتجز جثمانه نور جرار.

بتاريخ 2-1-2002، أبصر نور، النور في مدينة جنين، التي نشأ وتربى فيها، ليكون الثاني في أسرته المكونة من 5 أفراد، عاش وسط عائلة متواضعة ومحافظة على العادات والتقاليد، فوالده يملك منجرة، ووالدته ربة منزل، وتعلم بمدارسها، كما يفيد والده لغاية الصف العاشر، ثم انخرط بسن مبكر، في ميادين العمل بارادته الحرة، عمل في المشاتل والزراعة، ثم انضم لوالده في المنجرة، حتى استقر في مهنة ايصال الطلبات بواسطة دراجته النارية التي عمل فيها حتى استشهاده.

يقول والده “منذ صغره، تميز بالذكاء والفطنة ومهارات متعددة منها حب المعرفة، وتفكيك وإعادة تركيب أي شيء يراه، حتى الأشياء المعقدة، وكان يحب الاجتهاد والنشاط والعمل، صاحب عزيمة وطموح ورغبة في تعلم كل الأشياء في الحياة”.

فيما تقول والدته، “كانت علاقتي معه وطيدة، ولم تقتصر كونها علاقة أم بابنها، بل أخت وصديقة في كل الأوقات، كنت الوالدة المساندة والأقرب له في كل أمور حياته، وأتمنى رؤيته دوماً سعيداً، وأحلم بزفافه”.

أخر مرة، شاهدت فيها الوالدة جرار، نور، قبل ساعات من استشهاده فجر تاريخ 16/8/ 2021، لكنها تتذكر، أن مشاعرها وشوقها لها خلال ساعات اليوم الذي سبقه كانت مختلفة وغريبة عن باقي الأيام، وتقول: “لم أكن أتوقع أن وجوده في حياتي ولحظاته في منزلنا وجلسته معي في ذلك اليوم ستكون الأخيرة، فبعدما حضر واستراح للعصر، خرج كعادته، وطلبت منه أن لا يتأخر، وقلت له: أنا مشتاقة لك وأريد الجلوس معك، وكان اشتياقي في ذلك اليوم غريب، وقد استغربت من حالي واشتياقي له بشكل غريب ومختلف عن الأيام العادية .. حضر منتصف الليل، تحمم وتعطر ونام على سريره الذي تركته فيه، واطمأنيت أنه لن يخرج من المنزل، لكنه لم يتأخر كما اكتشفت لاحقاً، فعندما سمع باقتحام الاحتلال لمدينة ومخيم جنين، فر من فراشه نحو المواجهة بحرص شديد على عدم التنبه له لخوفه علينا وعلى مشاعرنا”.

حسب الشهود، اعتاد نور، على المشاركة في مقاومة الاحتلال خلال كل عملية واجتياح، بشكل سري يقود دراجته، تارة يشارك مجموعات الإرباك الليلي في رصد الاحتلال وتحذير المقاومين، وأخرى يتقدم الصفوف بشجاعة وإقدام، وفجر ذلك اليوم، وعندما علم بالاقتحام الجديد، لم يتأخر، فتوجه لمدخل المخيم، واشتبك مع الاحتلال الذي كان تسلل تحت جنح الظلام، واحتل العمارات ونصب فرقة القناصة فيها، وأثناء تصديه ببسالة للاحتلال، باغته قناص برصاصه الغادر والذي لم يتوقف بعد سقوطه أرضاً مضرجاً بالدماء، فالقناصة واصلوا اطلاق النار على كل جسم تحرك نحو نور بما فيها سيارات الإسعاف، خلال ذلك، الشاب أمجد إياد عزمي لمنطقة قريبة، فخاطر بحياته، وسارع للوصول إليه، وعندما حاول مساعدته وانتشاله، حاصرهما الرصاص وانضم إليه بعد اصابته، حتى تمكنت قوات الاحتلال من الوصول إليهما، واحتجزتهما ونقلتهما معها، وأعلنت فيما بعد استشهادهما، بينما ارتقى خلال العملية الشابين صالح عمار ورائد أبو سيف.

كل هذه الأحداث وقعت واستمرت حتى وقت صلاة الفجر، دون معرفة عائلة نور حتى تتالت الاتصالات التي أثارت هلع وخوف والديه، وعندما وصلا للمشفى، تبين، أن الاحتلال اختطف نور، ونقله معه، لتعيش عائلته الصدمة الكبيرة، لكنها كتمت أوجاعها اكراماً لروحه، وقالت والدته “حزنت وتأثرت، لكني تذكرت حبه للوطن، وحديثه الدائم عن الشهادة وطلبه لها ورفضه الزواج، فصبرت واحتسبته شهيداً”.