هآرتس – بقلم جدعون ليفي- في الأسبوع الماضي، قام الجيش الإسرائيلي بشرعنة أعمال فظيعة ارتكبها الجنود بدون تقديمهم للمحاكمة وبدون عقاب. وبرّأ الجيش من رموا مسناً مقيداً على الأرض وتسببوا بموته من كل تهمة، كما برأ الذين أطلقوا النار على رأس طفل رضيع وقتلوه.
هذه الأعمال تتنافس مع بعضها من حيث درجة الوحشية؛ فهي تظهر بالنسبة لقادة الجيش جديرة ومعيارية، ويمكن المرور عليها مر الكرام. ليعلم جنود الجيش الإسرائيلي من الآن فصاعداً ما يعرفونه منذ زمن: مسموح لكم فعل كل شيء؛ إطلاق النار على أطفال رضع والتنكيل بكبار السن، ولن يحدث لكم أي مكروه. نعم، فعلتم المتوقع منكم.
العمل الأول الفظيع كان قبل سنة ونصف في الساعة الثالثة فجراً في قرية جلجليا الثرية والهادئة. جنود كتيبة “نيتسح يهودا”، من غيرهم، اعتقلوا عمر أسعد لإشباع شهوتهم السادية، وهو عجوز عمره 80 سنة كان يقود سيارته ببطء عائداً إلى بيته بعد زيارة صديق له في القرية، وقد توسل إليهم ليتركوه، ولكنهم أجبروه على النزول من السيارة وكبلوا يديه وأغمضوا عينيه بقطعة قماش ووضعوا قطعة أخرى في فمه كي لا يصرخ. بعد ذلك، جروه إلى أعلى الشارع. إحدى قدميه تعرت بعد سقوط الحذاء، ورموه في ساحة فيها مبنى قيد البناء، ألقوه على بطنه وأبقوه فيها بليلة شديدة البرودة وهو لا يرتدي سوى قميص، وحتى الكوفية سقطت عن رأسه. تركوه هناك لساعة تقريباً بدون حركة إلى أن عاد الجنود لإزالة القيود عن يديه قبل مغادرتهم. وحتى إنهم لم ينتبهوا إلى أنه ميت. من يهمه ذلك!
كان أسعد فلسطينياً له عدد من السوبرماركتات في ميلفيكي. عاد في شيخوخته إلى القرية مسقط رأسه كي يقضي فيها ما بقي من عمره من أصدقاء طفولته. الجنود الذين رموه مثل كيس بدون سبب عدا عن أنه فلسطيني، ربما كان لهم أجداد في جيله. ما الذي كانوا سيشعرون به لو تعاملوا بهذه الطريقة مع أجدادهم؟ هذا السؤال بالتأكيد لم يمر في عقل الجنود الذين يخدمون في الكتيبة التي تسمى “نيتسح يهودا”.
حياة أسعد انتهت في تلك الليلة، 12 كانون الثاني 2022. جنود “نيتسح يهودا” ساقوه إلى حتفه.
قرر التحليل بأنه توفي نتيجة جلطة كانت بسبب العنف الممارس ضده. عندما كنت في المكان الذي رمي فيه في تلك الليلة الباردة، أنا وشهود عيان تم اعتقالهم أيضاً بدون أي سبب من قبل الجنود الذين أصيبوا بالملل، كان من الصعب تفهم الوحشية وقسوة القلب تجاه مسن وزنه ثقيل وحافي القدمين وعاجز.
جواز السفر الأمريكي الذي يحمله المتوفى بعث أملاً قليلاً، ربما يضطر الجيش الإسرائيلي في هذه المرة إلى التصرف بشكل مختلف عن سياسة الطمس الدارجة. أين؟ تقرير بسيط امتد لسنة ونصف (!)، لم يُعتقل أو يحاكم أحد. المتحدث بلسان وزارة الخارجية تحدث بشكل مقتضب في الأسبوع الماضي.
لكن لا تقلقوا؛ فالأمريكيون سيغفرون للحليفة على أنها تتصرف بهذا الشكل مع مواطن من بلادهم.
ليلة 1 حزيران، قبل نحو أسبوعين ونصف، لم يكن الطقس بارداً في القرية الفلسطينية “النبي صالح” كما شتاء جلجليا. وصحيح أنه تم إبعاد جنود “نيتسح يهودا” في هذه الأثناء من الضفة بسبب أفعالهم، ولكن الجنود الجدد من كتيبة “دوكفات” من نفس لواء “كفير” تأثروا جداً من ليلتهم الأولى وهم بعيدون عن أمهاتهم، فقد سمع أحدهم صوت رصاص، دخل الجنود القرية وبدأوا في إطلاق النار دون تنسيق. الجنود في برج المراقبة لم يبلغوا عن ذلك. وجندي محب للإثارة بدأ بإطلاق النار على السيارة “سكودا” التي أضاءت المصابيح على باب البيت في مدخل القرية.
ومن خلف منظار ضوئي، شاهد أو لم يشاهد، رأس محمد التميمي الصغير ابن السنتين ووالده هيثم. أطلق عليهما النار وقتل الطفل.
تحقيق قيادة المنطقة كان سريعاً هذه المرة. الوحيد الذي سيتم توبيخه هو الجندي الذي أطلق النار في الهواء. إطلاق النار على الطفل وعلى والده كان عملاً صحيحاً وجديراً وقانونياً وأخلاقياً.