تناقش الأوساط الإسرائيلية ما اعتبرته التحديات التي تعترض استئناف العلاقات مع تركيا، خاصة احتضان أنقرة لحركة حماس على أراضيها، وقربها من إيران، مما تعتبره تل أبيب امتحانا حقيقيا أمام الرغبة المشتركة بالعودة بالعلاقات مع أنقرة لما قبل أحداث سفينة مرمرة على شواطئ غزة في 2010.
وتشير ذات المحافل الإسرائيلية لإمكانية شد تركيا بجانبها بإقامة تحالف مهم للوقوف في مواجهة التحدي الرئيسي في الشرق الأوسط المتمثل بإيران.
مع العلم أن الآونة الأخيرة شهدت حدثان مهمان قد يؤثران على العلاقات الإسرائيلية التركية، أولهما أنه منذ دخوله إلى مقر الرئاسة، ورئيس الاحتلال الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ يحاول تعزيز العلاقات مع أنقرة، حيث أجرى ثلاث مكالمات هاتفية مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ونجحت هذه الاتصالات في التحضير لزيارة مزمعة له إلى أنقرة في المستقبل القريب.
دوري غولد، الدبلوماسي اليميني الإسرائيلي، وكيل وزارة الخارجية والسفير الأسبق في الأمم المتحدة، ذكر في مقاله على موقع “القناة 12” العبرية، أنه “من المهم لإسرائيل أن تتذكر أنه في عام 2008، كان هناك تدهور في العلاقة مع تركيا، بعد أن نفذ الجيش الإسرائيلي حربه الأولى ضد حركة حماس في قطاع غزة المسماة الرصاص المصبوب، حيث بادر أردوغان لتوجيه شتائم قاسية لإسرائيل، وصلت ذروتها في مواجهته اللفظية مع الرئيس الراحل شمعون بيريس في مؤتمر دافوس عام 2009، ووصف سلوك الجيش الإسرائيلي في غزة بأنه همجي وبربري”.
وأضاف أن “السلوك التركي لم يتوقف عند الهجوم اللفظي، بل تعداه إلى قيام الجمعية التركية التي تدعمها الحكومة، المعروفة باسم IHH بإطلاق أسطول كسر الحصار عن قطاع غزة، حيث بادر مقاتلو الكوماندوز الإسرائيليون بالسيطرة على سفينة مافي مرمرة، ومن أجل تعويض المواطنين الأتراك الذين قتلوا في الغارة الإسرائيلية، وقعت وزارتا خارجية البلدين في عام 2016 اتفاقية ثنائية، من أجل طي صفحة هذا الخلاف”.
نداف شرغاي الكاتب في صحيفة “إسرائيل اليوم”، زعم في مقاله أن “توجهات تركيا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ورغم أنه أمر إيجابي، لكننا أمام سلوك متقلب، ولا يمكن التنبؤ بتصرفات رئيسها، ولذلك يجب توخي الحذر في مواجهة “هجوم” المصالحة التركي الذي يهدف من خلاله أردوغان إلى التقارب مع إدارة بايدن، مما يتطلب التنبه الإسرائيلي من تطبيع “غير منضبط” للعلاقات مع تركيا”.
وأضاف أن “الحماس المفرط الذي يبديه المستوى السياسي الإسرائيلي للتقارب مع أنقرة، يواجهه تروٍ من المستوى الأمني الساعي لتهدئة هذه الحماسة، سواء بسبب إيواء تركيا للإخوان المسلمين وجماعاتهم في الشرق الأوسط، أو الخشية من الإضرار بالاتفاقات الأمنية والبحرية والاقتصادية مع حلفاء الاحتلال مثل مصر واليونان وقبرص، صحيح أن أردوغان يهيئ الرأي العام في بلاده لتغيير العلاقات مع إسرائيل، ورغم الحوار الذي يجري بين كبار المسؤولين الإسرائيليين مع نظرائهم في المخابرات التركية، لكن النقطة الأهم في الاتصالات هي مقر قيادة حماس في إسطنبول الذي يواصل نشاطه، ويوجه عمليات في الضفة الغربية وداخل إسرائيل”.
يبدو واضحا أن التحفظ الأهم للمحافل الأمنية الإسرائيلية أمام تطبيع العلاقات مع تركيا يتمثل بإصرارها على إغلاق مكاتب حماس المفتوحة هناك، رغم تعهدها بعدم السماح بإطلاق أي هجوم ضد إسرائيل من أراضيها، لكن مطالب الأخيرة تتزايد من تركيا بإخراج عدد من كوادر حماس، لأنهم يواصلون العمل بصورة طبيعية، فضلا عن مزاعم إسرائيل بوجود ارتباط لبعض المسؤولين الأتراك بجماعة الإخوان المسلمين، مما يضيف مزيدا من تدني مستوى الثقة بين الأجهزة الأمنية بين أنقرة وتل أبيب.
على الصعيد الإقليمي، ورغم هذه العقبة التي تعترض تطبيع العلاقات الإسرائيلية التركية، لكن تل أبيب تضع فرضية مفادها أنه من أجل إنجاح مواجهة الغرب لإيران، فإن تركيا تظل حليفا محتملا وهاما للوقوف بجانب إسرائيل والمنظمة الغربية للتصدي للتحدي المركزي في الشرق الأوسط المتمثل بإيران.
فضلا عن ذلك، هناك مشروع الغاز الإسرائيلي الواصل من خلال البحر المتوسط إلى جنوب أوروبا عبر اليونان وإيطاليا، ويبدو أن تركيا ستكون جزءا أساسيا منه، رغم معارضتها السابقة له، لأنه تجاوزها، مع العلم أن القناعة الإسرائيلية السائدة تتمثل بأن تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل أمر مهم، لكنه لن يأتي بسهولة، لأن هناك المزيد من الاعتبارات الصعبة التي سيتعين على إسرائيل تنفيذها أمام تركيا، والعكس صحيح.