بقلم: مروان اميل طوباسي
دولة الأحتلال لا تتوقف عن ارتكاب الجرائم البشعة منذ جريمة النكبة ، وهي تعاني الان من أزمة خانقة قد تنحدر إلى مستوى حرب أهلية وفق توقعات البعض منهم . نظام حكمهم محاصر حتى من جانب العديد من الدول الغربية التي رفضت استقبال وزرائهم بما فيها الحليف الأساس لهم الولايات المتحدة وتدني مستوى تأييد الشعوب لدولة الاحتلال أصبح واضحا خاصة بالعديد من الدول الاوروبية وحتى ببعض الاوساط الأمريكية. الان هنالك توقعات أن تجنح دولة الأحتلال الى حرب خارجية هروبا من انحدار واقعها الجاري والى مزيد من الجرائم بحق شعبنا التي لن توقفها الولايات المتحدة ، ولو كانت على افتراض انها تريد لكانت فعلت ذلك عبر عقود طويلة . الولايات المتحدة لم تبق كما كانت من القوة والهيمنة العسكرية ، الاقتصادية والسياسية وهي تفقد اليوم أدوارا بالعديد من بؤر التوتر بالعالم وتَجُر أوروبا التي تشهد المظاهرات ضد حكوماتها إلى التدمير الذاتي بسبب معاداة الشرق وتحديدا الصين وروسيا وتداعيات الحرب الاوكرانية ، فلماذا نستجيب لصغوطاتها ؟ مقابل ماذا ، وعلى ماذا سنحصل منها على حقوق سياسية تاريخية لنا مضى عليها ٧٥ عاما من التغييب القصري بصمت المجتمع الدولي ؟
هنالك متغيرات دولية ولاعبين دوليين كبار جدد ونشؤ تحالفات دولية واقليمية جديدة ترسم خارطة جيوسياسية متغيرة ليست في صالح دولة الأحتلال ولا الأحتكار الأمريكي المتسبب بأكبر جرائم دولية بحق الشعوب ترافقت مع النفاق وازدواجية المعايير دون فعل شيئ لنا فبقيت وعودها سرابا .
دولة الأحتلال وكما هو تاريخها الأستعماري البشع لا تلتزم باي اتفاقيات مكتوبة أو شفهية ، خاصة وأن ضامن الاتفاقات المفترض منحاز حتى في ظل توتر العلاقات مع حكومة الأحتلال ، فالولايات المتحدة ورغم الحرد والانزعاج من سموتريتش وبن جفير وهما من انتجهما مجتمعهم الصهيوني لم يأتوا من المريخ ، فهي اي الولايات المتحدة رغم بروز بعض الاصوات فيها اليوم ، الا ان الحزبين فيها يريدان “إسرائيل قوية” دون ان تحرجها لتخدم سياساتها واطماعها المتهالكة الآن أمام بروز نظام دولي جديد بالافق . فنتنياهو لم يكن عائقا امام السياسات الأمريكية بالسابق ولا الآن ، وقد تساهم الولايات المتحدة اليوم بإخراجه من المأزق وحمايته واستحضار جانتس ولابيد الى احضانه بدلاً من الصهيونية الدينية بالتعاون مع المؤسسة العسكرية لديهم التي تعاني ولأول مرة الشقاق والفوضى .
فمفاهيم الحركة الصهيونية- الإنجيلية المحافظة هي معيار محددات العلاقة الايدولوجية الأساسية بين دولة الاستعمار والولايات المتحدة بالإضافة إلى محددات أخرى كنا قد تحدثنا عنها بمقالات سابقة ما زالت قائمة.
اذن ، لماذا علينا أن نلتقي دون أفق سياسي يعالج جذر المشكلة ” الأحتلال الأستيطاني” مع ممثلي حكومة الأحتلال الفاشية التي تكرس الأحتلال وارهاب الدولة يوما بعد يوم وهم الذين قرروا المذابح المستمرة ، فهل نحمي شعبنا بذلك ونحقن دماء شبابنا ؟ حكومتهم تريد احراجنا نحن ومحاصرتنا نحن واضعافنا نحن أمام شعبنا واصدقاؤنا حول العالم حتى هزيمتنا وفق ما يعتقدون هم . هي تريد الحسم المبكر للصراع وفق الرؤية الصهيونية الدينية من خلال الضم التدريجي وبرنامجها المعلن أو وفق برنامج الصهيونية العلمانية التي لا تقر بمبدأ انهاء الأحتلال الاستيطاني وانما بتصفية قضيتنا الوطنية السياسية واستبدالها وفق ما جاء بصفقة القرن من حلول اقتصادية تعني التعايش مع استدامة الأحتلال واقامة حكم ذاتي موسع دون سيادة على الارض بكانتونات محاصرة . حكومة فاشية تعاني من العزلة الدولية اليوم والأزمة الداخلية الخانقة والمتفاقمة بخروج شعبهم ، وهم ليسوا بشعب من حيث المفهوم والمعايير ، الى الشوارع والى الصدام وهو أمر أصبح يضع علامات استفهام على مستقبل هذه الدولة الأستعمارية والفكر الصهيوني لأول مرة منذ نشأتها .
السؤال الآن ، ماذا سنحقق أمام هذا الواقع في لقاء شرم الشيخ ؟ ماذا حققنا من لقاء العقبة سوى انهم هم استمروا بالمجازر التي نفذها احتلالهم واقرار قوانين جديدة بالكنيست بشأن الأسرى والمستوطنات والتمييز العنصري وبتوافق الموالاة والمعارضة اليهودية على حد سواء الذين لا يدركون ان شعباً يضطهد شعبا آخر لا يمكن ان يكون هو نفسه حراً .
فهل يعتقد البعض أننا سنساهم في تعميق هوة خلافاتهم ، بالتأكيد لا ، لأننا لسنا طرفا في خلافات تدور بينهم لا علاقة لها باستمرار الأحتلال والأبارتهايد ، خلافاتهم تنحصر فيما يعتقدون هم حول “الديمقراطية اليهودية ” ، “فالديمقراطية “اليهودية” تقوم على أساس التمييز العنصري وتكريس الأحتلال .
يقول صديقي الموسيقار العالمي جلعاد اتزمون المتخلي عن جنسيته الإسرائيلية والمعادي للصهيونية والمقيم باليونان ، “هذا هو الربيع المُختار ، يزعمون أنهم يقاتلون من أجل الديمقراطية ، لكن ٧٥ عاماً من الإساءة العنصرية الكاملة للسكان الأصليين في الأرض لم تُزعجهم على الإطلاق …”
بل إن “المعارضة اليهودية ” توجه اللوم للحكومة القائمة بشأن “نعومة إجراءاتها ” بحق شعبنا هنا او بداخل الخط الأخضر ، معارضة تقاتل من أجل استعادة الديمقراطية المفقودة اصلاً باستبعاد الأحزاب العربية وممثلي شعبنا بالداخل.ان ممثلي حكومتهم باللقاءات هم اصحاب قرار امني بشان جرائمهم ومجازرهم ، لماذا اذن نلتقي الآن ونحن نطالب حكومات العالم بمقاطعة هذه الحكومة علما بأن سابقاتها لم يكونوا اقل اجراما لتنفيذ مشروعهم .
هذا وقت استغلال النفور الدولي حتى ولو كان يقتصر على الرأي العام من سياسات دولة الأحتلال وجرائمها ومن استكمال وصفها بنظام الابرتهايد ، من اجل مزيد من الضغط والعزلة عليها وجرها الى المحاكم الدولية وفرض العقوبات عليها . هذا وقت الاهتمام بالذات والأقتراب من جماهيرنا واستكمال بناء مداميك مشروع حقنا في تقرير المصير والاستقلال الوطني ، برنامج منظمة التحرير ، بإسقاط الأحتلال والتمييز العنصري في فلسطين ، وقطع الطرق على برامج جهات أخرى تسعى لاستبدال مشروعنا الوطني بمشاريع اخرى تحت مسميات مختلفة. لنعمل على اضعافهم برؤية واضحة ونعزز الثقة بوعينا حتى نتمكن موحدين من مواجهة التحديات والوصول الى ما نريد . فالرياح لن تبقى جارية كما تشتهي سفنهم التي تواجه الغرق الآن ، فالتاريخ السياسي لا يعرف السكون والمتغير فيه هو الثابت الوحيد ، فالعالم لم يبق كما كان .