رأت صحيفة “الغارديان” أن الغزو الروسي لأوكرانيا أدى إلى إدراك أمرين مرعبين، الأول هو أن بوتين لا يعمل في نطاق الضوابط والتوازنات والعصا والجزرة المعتادة المتوازنة بدقة، التي بحسبها كان الغرب يأمل في احتوائه والحفاظ على هدنة غير مستقرة في أوروبا، والثاني أن عقودا من العمل منذ الحرب العالمية الثانية للتعلم من أخطاء الماضي والتحصين ضدها في المستقبل قد باءت بالفشل.
وقالت الصحفية نسرين مالك في مقال لها؛ إن هناك إدراكا ثالثا يبدو أنه يشكل تصور العديد من الصحفيين الغربيين الذين يشعرون بالفزع من تدنيس أوروبا، مشيرة إلى أن الأمر يبدو محزنا بشكل فريد وأكثر إثارة للقلق بالنسبة لهم؛ لأن حياة غير الأوروبيين أقل قيمة، وصراعاتهم محتواة، بعيدا عنا.
واستعرضت الصحيفة عدة حالات لمراسلين وصحفيين وسياسيين، تحدثوا عن مسألة اللجوء والحرب بطريقة عنصرية، مؤكدة أن هذا الوصف الغريب لتاريخ حدثت فيه الحروب والصراعات ونزع الملكية في الغالب في “العالم الثالث” والبلدان “النائية”، هو خيال نشأ نتيجة للمناخ السياسي والإعلامي الذي جرد أولئك الذين يبحثون عن ملجأ من إنسانيتهم، حتى أصبحت حقيقة تتكرر بدون وعي ذاتي أو خجل.
واعتبرت أن ما يحاول هؤلاء الأشخاص قوله هو شيء على غرار “لم يحدث هذا في هذه البقعة منذ أجيال” من أجل تسليط الضوء على الغرابة في هذا الصراع بالذات، إلا أن هناك قبولا بأن الحرب أمر طبيعي في أماكن أخرى، ولكنْ هنا انحراف. تلك الحرب لا تحدث إلا للفقراء وغير المتحضرين، وليس للأثرياء والمستقرين، وأن أقدار اللجوء والاقتلاع مصير الآخرين.
وأكدت أن هذه المعتقدات تتفكك تحت أدنى قدر من التدقيق، لتكشف عن رؤية مشوهة للعالم بما كان لفترة طويلة جدا خطابا شعبيا دون منازع حول اللاجئين وطالبي اللجوء، مشيرة إلى أنه تم تشكيل هذه الآراء بشكل منسق، من أجل تبرير السياسات اللاإنسانية والعنيفة التي تم تمريرها لمنع الناس من دخول الأراضي الأوروبية، لكي يتم قبول هذه السياسات، يجب تصوير ضحاياها على أنهم تهديد وغير مستحقين.
وأضافت: “إرث ذلك هو عالم غربي معاد لكل المحتاجين، عيون زرقاء أم لا. كما هو الحال دائما، عندما نتجاهل إنسانية مجموعة واحدة من الناس، ينتهي بنا الأمر ببناء أنظمة هجرة تهاجم إنسانية الجميع. هناك سياسات تضع عقبات كبيرة أمام الأوكرانيين الذين يسعون لدخول المملكة المتحدة، حتى كأفراد من العائلة”.
وشددت على أن الحروب في بلدان “العالم الثالث” ليست أقل من أن يمكن تصورها، وصدمة اقتلاعهم من جذورهم ليست أقل، وحضارتهم ليست أقل أهمية من الآلاف الذين يغادرون أوكرانيا الآن.
وتعني الاستثنائية أنه محكوم علينا بتكرار حالات الرضا عن الماضي، وأن نريح أنفسنا باستمرار أنه لا يمكن أن يحدث هنا؛ لأنه يحدث فقط في مكان آخر للآخرين الذين يختلف ألمهم بطريقة ما عن آلامنا.