ركزت الصحف العبرية الصادرة، الأحد، على انتهاء جولة القتال العسكرية على جبهة قطاع غزة، بعد 5 أيام، والتي حملت إسرائيليًا اسم “الدرع والسهم”، فيما حملت فلسطينيًا اسم “ثأر الأحرار”.
وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، إلى نجاح حركة الجهاد الإسلامي بالاستمرار في إطلاق الصواريخ حتى ما بعد وقت دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، مشيرةً إلى عودة فتح معابر القطاع والعودة للحياة الطبيعية في قطاع غزة، والمستوطنات المحيطة بالقطاع.
ونقلت الصحيفة عن رئيس بلدية سديروت ألون دافيدي قوله، إن العملية كانت جيدة، خاصة بعد عمليات الاغتيال المركزة والتي تشير إلى تغيير في السياسة الإسرائيلية، معربًا عن أمله في أن تستمر.
وتقول الصحيفة، إنه بعد الانتهاء من العملية بغزة، تتجه الأنظار الآن إلى مسيرة الأعلام التي ستنظم في القدس يوم الخميس، والتي حاول الجهاد الإسلامي الربط بينها وبين ما يجري في القطاع.
ووفقًا للصحيفة، فإنه الشرطة الإسرائيلية في هذه المرحلة لا تنوي تغيير مسارها بالمرور من عند باب العامود في البلدة القديمة بالقدس المحتلة.
وفي تقرير آخر بالصحيفة لمراسلها العسكري يوسي يهوشع، وصف العملية بأنها واحدة من أنجح عمليات الجيش الإسرائيلي والشاباك في قطاع غزة، مدعيًا أن الجهاد الإسلامي تلقى ضربة قاصمة قد تكون أشد ما عانته حتى الآن على يد إسرائيل، خاصة بعد خسارتها لمعظم نخبتها في عملية تصفية دقيقة منذ الضربة الأولى وحتى آخر لحظة.
وادعى يهوشع، أن الجهاد الإسلامي واجه صعوبات في توجيه وابل كبير من الصواريخ تجاه إسرائيل، مشيرًا إلى أن أشد ضربة كانت سقوط الصاروخ في روحوفوت والذي يحقق الجيش الإسرائيلي في ظروف سقوطه وفشل القبة في اعتراضه.
وزعم أن الجيش الإسرائيلي راضٍ عن المنظومة الدفاعية بعد أن سجلت نسبة نجاح بلغت حوالي 95% وفق سياسة الاعتراض المتبعة.
واعتبر أن الطريقة التي انتهت بها العملية يمكن اعتبارها انجازًا إسرائيليًا جزئيًا، خاصة وأن الجيش كان يخطط لأن تنتهي في أقرب وقت ممكن، مشيرًا إلى أن المستوى السياسي استفاد من الضغوط المصرية وكذلك من حركة حماس من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، في وقت كانت تضغط فيه إيران على الجهاد الإسلامي لعدم الموافقة عليه، إلا أن الحركة وافقت تحت تلك الضغوط على وقف إطلاق النار.
ورأى أن الجهاد الإسلامي ورعاته في طهران تعرضوا لضربة، جاءت من وجهة نظر إسرائيل في وقت مناسب، نظرًا لجرأتهم في الآونة الأخيرة.
من جهته، يقول رون بن يشاي المعلق الأمني والعسكري في يديعوت أحرونوت، أن العملية كانت في الدرجة الأولى تهدف إلى جعل قيادة الجهاد الإسلامي الذين يجلسون في بيروت يفكرون مرتين وثلاث مرات قبل أن يأمروا رجالهم في غزة بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، سواء بسبب الأوضاع في الأقصى أو بسبب إضراب أسير عن الطعام، أو لمجرد إيذاء الإسرائيليين.
ويرى بن يشاي، أن العملية حققت هذا الهدف، لكنها حققت أكثر من ذلك بكثير فيما يتعلق بالنشطاء الميدانيين في الجهاد الإسلامي، ونقلت رسالة واضحة لنظرائهم في حزب الله وحماس، كيف تقوم المخابرات الإسرائيلي بتحديد مواقع وكبار النشطاء الميدانيين وتستطيع مهاجمتهم واحدًا تلو الآخر أثناء القتال على الرغم من انتقالهم من مخبأ إلى آخر، وكل هذا في وقت كانت تحتفظ فيه إسرائيل بشرعية دولية لمواصلة العملية.
ورأى أن ما جرى من انجازات في غزة – وفق قوله – بات يتم استيعابه أيضًا في إيران، ولدى نصرالله في بيروت، وحتى في اليمن، قائلًا: “تلقى أعداء دولة إسرائيل، وأصدقاؤها درسًا مفيدًا في المرونة المدنية والتماسك الداخلي الذي تظهره إسرائيل، حتى عندما تكون في خضم انقسام اجتماعي وسياسي لم يكن مثله منذ ولادتها”، معتبرًا أن هذا له أهمية نفسية هائلة في هذا الوقت بالتحديد لأن الإيرانيين ووكلائهم، وكذلك دول الخليج، أخطأوا في الاعتقاد بأن “إسرائيل ضعفت بسبب الصراع الداخلي، وأنها انهارت تلقائيًا من الداخل”. كما يقول.
وأضاف: “لن يجبر الجهاد الإسلامي لوحده على إعادة حساب مساره، بل أيضًا رعاته في إيران، وكذلك حماس وحزب الله”، مشيرًا في الوقت ذاته أن العملية لن تغير من نوايا الجهاد وحماس، لكنها قد تمنحنا فترة تهدئة طويلة نسبيًا، خاصة في حال عرف الجيش الإسرائيلي، والشاباك، كيف يتصرفان بحكمة ودقة عملياتية في الضفة الغربية، وهو ما ظهر بالتزامن مع عملية غزة.
ورأى المشكلة الأساسية ومصدرها الضفة الغربية وليس قطاع غزة، وأن على الحكومة اليمينية الإسرائيلية صياغة استراتيجية تهدئ المنطقة، لأن ذروة انفجارها قد تكون بعد مرحلة محمود عباس في سدة الحكم.
ورأى أن هناك ميزة أخرى، ظهرت من العملية في غزة، هي التحسن الكبير للغاية في القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية لتنفيذ عمليات اغتيال وإغلاق الدائرة بسرعة كبيرة مع العنصر العملياتي الذي ينفذ الهجمات ويشرف عليها، مشيرًا إلى تطور وحدة عمليات الشاباك التي قدراتها في السنوات الأخيرة كانت أقل من الوقت الحالي، كما أن سلاح الجو أثبت قدرتها على التخطيط والتنفيذ بأقصى قصدر من الدقة، كما يزعم.
وأشار إلى ما قال عنه نجاح فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي التي كانت تعمل على اصطياد خلايا إطلاق الصواريخ المضادة وقذائف الهاون وإصابتها بنجاح أكبر مما كانت عليه في العمليات السابقة، ما حرم الجهاد الإسلامي من النجاح في تنفيذ عمليات إطلاق هذه الصواريخ.
ولفت إلى أنه بالرغم من نجاح القبة الحديدية في التصدي لأكثر من 90% للصواريخ وفق سياسة الاعتراض المتبعة، إلا أن قذائف الهاون ما زالت تتسبب بوقوع خسائر، لافتًا إلى أن في ظل الصراع مع حماس وحزب الله وإيران سيكون هناك عدد أكبر من الضحايا مما كان هذه المرة، خاصة وأن الجهاد الإسلامي أقل قدرات من غيره، وربما في هذه الجولة كان أقل قدرات من ذي قبل.
ويقول إن “وحدة الساحات” التي كان يتم التحذير منها، أثبتت مرة أخرى أن حماس وحزب الله وحتى إيران، يترددون في الدخول بصراع مع إسرائيل لمساعدة بعضهم البعض، وأن ما يروج إعلاميًا، يبقى هناك بدون حقيقة فعلية عندما يكون على طرف منهم دفع الثمن.
ولفت إلى أن حماس في هذه الجولة، لم تشارك بشكل صريح في العمل، لكنها قدمت بعض المساعدة العملياتية ولكن ليس على نطاق واسع، وهذا أمر لاحظه المستويين العسكري والسياسي، لكن لاعتبارات تكتيكية واستراتيجية صحيحة اختاروا التركيز على الجهاد الإسلامي الذي عانى من ضربات قاسية، وبالتالي استعادة الردع في المنطقة بأكملها دون دفع ثمن أغلى مما دفع، كما أن التمايز الجزئي بين الجهاد وحماس، سمح لإسرائيل بالحصول على إعادة تأهيل الردع بتكلفة اقتصادية منخفضة نسبيًا وبدون تكبد الكثير من الضحايا، مع وذلك يجب أن يكون الجيش والشاباك والموساد لديهم القدرة ذاتها ونفس الكفاءة العملياتية والاستخباراتية لمواجهة معركة على عدة جبهات تشترك فيها إيران.
من جهتها، قالت صحيفة هآرتس في تقرير تحليلي لمراسلها ومحللها العسكري عاموس هرئيل، إن إسرائيل طوال الجولة علقت آمالها على المخابرات المصرية لأن تنجح في وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى أن عمليات الاغتيال التي نفذت هي من صعبت الوصول لاتفاق سريع، في وقت كانت قيادة الجهاد الإسلامي في بيروت تبحث عن انجاز عملياتي قبل انتهاء العملية، ولم تكن حريصة على وقف القتال.
ورأى هرئيل أن العملية الحالية أظهرت مرة أخرى أن لإسرائيل القدرة على بدء أي جولة، ولكن من الصعب عليها أن تنهيها، وأنه رغم توفقها العسكري والضرر الذي تسببت فيه لحركة الجهاد الإسلامي، إلا أنها واجهت صعوبة في إملاء استراتيجية الخروج من العملية، في الوقت والظروف التي تناسبها، كما أنه لم يعد أمامها الكثير لتكسبه من استمرار العملية، وأنه كلما طال أمدها، كان من الصعب تحديد وضرب أهداف بغزة، وهو الأمر الذي دفع قيادة الجيش والشاباك يوم الخميس الماضي لتوصية المستوى السياسي بالسعي من أجل وقف إطلاق النار، في حين أن استمرار إطلاق النار كان سيتسبب للمستوى السياسي خطرًا عليهم في ظل فقدان الجمهور الإسرائيلي للصبر.
وأشار إلى أن الجهاد الإسلامي استفاد من دروس العمليات السابقة وخاصة الفجر التي استمرت 3 أيام في آب الماضي، وأراد أن يستمر الصراع لفترة أطول حتى وإن لم يحقق إصابات كبيرة في صفوف الإسرائيليين، وأنه كان ينظر للقدرة على الاستمرار وفي الصمود في المواجهة بمثابة انجاز بحد ذاته.
واعتبر أن الجهاد الإسلامي فشل في جر الفصائل الأخرى، وحتى الساعات الأخرى إلى الجولة، وأن حماس كانت مرتاحة إلى حد معين، وكانت تفضل البقاء بعيدًا عن الجولة، كما أن الجبهات الأخرى بقيت تتفرج، والساحة الدولية لم تهتم كثيرًا بما كان يجري في ظل الأحداث في أوكرانيا وغيرها.
ولفت إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بنت أمالًا على العلاقة بين زياد النخالة أمين عام الجهاد الإسلامي، ورئيس المخابرات المصرية عباس كامل، لكن ذلك لم يؤد إلى نتائج سريعة، لكن الضغوط التي مورست من مصر أمس خاصة على قيادة الجهاد بغزة، وكذلك ضغوط عباس كامل على النخالة ونائبه أكرم العجوري، أثمرت لتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.
وفي تقرير آخر لمراسل الشؤون الفلسطينية جاكي خوري، قالت الصحيفة، إن إسرائيل تركز منذ عام 2019، هجماتها ضد الجهاد الإسلامي، في وقت بقيت حماس فيها بعيدًا عن الواجهة، وهو أمر تفضل إسرائيل البقاء عليه ولا مصلحة لها في إيجاد حل لمشكلة غزة، ويمكن بذلك ضمان استمرار الفصل السياسي مع الضفة، وتقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية للقطاع طالما لا يوجد تهديد استراتيجي حقيقي.