كتب: هاني عوكل
العديد من العلماء حذر من كوارث طبيعية نتيجة التغير المناخي، وعُقدت قمم كثيرة على مستوى العالم للحد من الانبعاثات الكربونية والتوجه نحو الطاقة النظيفة، غير أن الحكومات لم تبذل قصارى جهدها في هذا الجانب، والنتيجة معروفة للجميع.
قبل فاجعة درنة، حدثت فواجع كثيرة مرتبطة بالاحتباس الحراري، وشهد العالم تغيرات جذرية في الطقس وارتفاعاً متطرفاً في درجات الحرارة أودى بحياة المئات من الناس في دول أوروبية لم تعهد موجات شديدة من الحر كما يحصل الآن.
نعم قد يتحمل التغير المناخي مسؤولية فاجعة ليبيا عموماً ودرنة على وجه التحديد، إذ تزامن مع إعصار دانيال المدمر هطول كميات كبيرة جداً من الأمطار لم تشهدها البلاد منذ أكثر من 40 عاماً، إلى درجة ارتفع فيها منسوب المياه وفاض في وادي درنة وكذلك الحال في سدَّي المدينة.
علماء المناخ من مشروع «وورلد ويذار أتريبيوشن» ذكروا أن تغير المناخ زاد من معدلات هطول الأمطار في ليبيا بأكثر من 50 مرة، والكارثة أن ليلة الإعصار شهدت تساقط كميات من الأمطار بين 200-450 ملم، أي ما يعادل 200 لتر لكل متر مربع.
هذه الكميات الكبيرة جداً من المياه أدت إلى ارتفاع هائل في منسوب سدَّي المنصور والبلاد في درنة، ما أدى إلى انهيارهما وبالتالي حدوث فيضانات وسيول على طرفي وادي درنة أطاحت بالشجر والبشر والحجر، وجرفت الحديد والأسمنت والجثث إلى قاع البحر.
النتيجة الحالية اختفاء حوالي 10 كيلومتر مربع من درنة بشكل كامل عن الخريطة الجغرافية، إذ لم يتبق أي ممتلكات ولا بنى تحتية، وربما محيت المنطقة أيضاً من ساكنيها، وكان يمكن تخفيف حدة هذه الكارثة لو أن الحكومة تحركت بشكل عاجل تزامناً مع بداية الإعصار لإخلاء السكان من وادي درنة.
المشكلة أن القيادة الليبية بمختلف مكوناتها المتناحرة، تعلم أن السدود في درنة متهالكة وتحتاج إلى صيانة عاجلة وهذا الأمر معروف منذ عشرات السنين، وسبق أن صرفت مبالغ لإعادة تأهيلها وصيانتها لكن لم يحدث أي شيء من هذا القبيل.
حتى أن استجابة الحكومة كانت بطيئة في التعامل مع هذه الكارثة المدمرة، حيث تعاني درنة من ضعف البنى التحتية الخدمية وكل ما يتصل بفرق الإنقاذ والطوارئ وجهوزيتها خلال موجات الكوارث. أضف إلى ذلك ضعف استجابة المجتمع الدولي وتخوفات بشأن إرسال فرق إنقاذ في منطقة تعاني من الصراع الداخلي.
في الحقيقة تفتح كارثة إعصار دانيال تساؤلات كثيرة بشأن الحاجة إلى جهود من نوعين، الأول على مستوى كل دولة والثاني على مستوى جميع الدول. نتيجة لهذه الكارثة غير المتوقعة تحتاج الكثير من الدول إلى تحديث بناها التحتية الخدمية وإيجاد طرائق لتشييد المنازل بحيث تستجيب لأي كوارث طبيعية أو تكون بعيدة عن مرماها.
نحتاج إلى فهم الجغرافيا بشكل أكبر، بحيث يمكن استيعاب مسألة البناء المُدعّم في المناطق الآمنة، والأهم الوعي الكافي والجهوزية الاستباقية للتعامل مع التغيرات المناخية، خصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط التي تعتبر «نقطة ساخنة للمخاطر التي يغذيها المناخ» حسب تعبير فريدريكه أوتو عالمة المناخ في معهد جرانثام لتغير المناخ والبيئة.
نحتاج إلى أنظمة إنذار مبكر مرتبطة بمراقبة ومتابعة التغير المناخي، ونحتاج إلى خطط تحاكي إخلاء السكان في أوقات الأزمات الطبيعية وغير الطبيعية لتلافي ارتفاع الضحايا، وكذلك تحتاج الحكومات لتشييد ملاجئ مجهزة في المناطق الساخنة التي تعاني العديد من الكوارث.
الأهم في كل هذا الأمر، أن تعتمد الحكومات قرارات للحد من الانبعاثات الكربونية وتوليد طرق لتخفيف الضغط على الطبيعة الأم وصيانة الموارد الطبيعية باستخدام الطاقة النظيفة، وعلى أن تخصص نفقات سنوية لبناء وعدم البنى التحتية الخدمية للتعامل مع مختلف أنواع الكوارث والطوارئ.
أيضاً ينبغي تفعيل عمل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وبموازاتها من الضروري إيجاد هيئة دولية تستجيب بشكل فوري للكوارث وقت الأزمات، خصوصاً وأن ظاهرة الاحتباس الحراري هم دولي يحتاج إلى تضافر المسؤوليات لتجنب والحد من الكوارث.
لن تكتفي الكوارث الطبيعية من ليبيا ودرنة وقبلها زلزال المغرب والفيضانات في كل من تركيا واليونان وبلغاريا والحرائق الكثيرة التي التهمت مناطق شاسعة في منطقة البحر المتوسط. المعركة مستمرة وطويلة مع الأوبئة والأمراض مثل «كورونا» وخلافه، وكذلك الحال الزلازل والارتفاع الشديد في درجات الحرارة والكوارث المفاجئة.