الضياع الفلسطيني في ظل القادم إسرائيلياً

 بقلم: يونس العموري ‏

وقالت تل ابيب كلمتها بعناوينها العريضة وأصبحت هويتها المُعلنة والحقيقية ( فاشية الأطروحة والفعل ‏الرسمي …) وان كانت يمينية او يمينة متطرفة لا فرق فالقاتل سيظل هو ذاته القاتل بصرف النظر عن ‏ماهية واجهته السياسية ومنبعثاته الايدلوجية وقناعاته الحزبية ، فقد تصدرت الفاشية العنصرية ونقاء ‏الجنس اليهودي العنصري هو الحقيقة الراسخة والواضحة ، بالتالي دولة كيان الاحتلال واضحة بتحديد ‏هويتها القائمة على القتل والعنصرية وبشكل علني ورسمي فاشية الوجه والتوجه، وعلى الجهة المقابلة ‏نجدنا فلسطينيا في حالة ضياع وتخبط وتخبيص وضياع لماهية الهوية الوطنية الفلسطينية التي من ‏المفروض انها قائمة على أساس المشروع الوطني التحرري ومواجهة الاحتلال بكافة السبل والوسائل ‏وتصعيد المقاومة مفتوحة الخيارات وبكافة اشكالها ، و للضياع اوجه وطقوس واعراف وتقاليد متعددة ‏ومختلفة ومتناقضة ، والضياع اضحى الحقيقة وهوية الواقع الراهن ، هذا الضياع بكل ما يتصل بيوميات ‏الوطن المسلوب الحق والأحقية بالتعبير عن الذات وبمحاولة اثبات الوجود ، ضياع الهوية والانتماء ‏والتعاطي والقضايا الكبرى والتي باتت مؤثرة بالمباشر بالمسألة الوطنية والحق والأحقية بتقرير المصير، ‏حيث الضياع بمفهوم المشروع الوطني ، وبات الضياع يطال البيت واركانه ، ومنهج الفعل واستراتيجية ‏الرؤية الراهنة للمتناقضات والتعاطي معها بالمنطق الوطني ، هذا الضياع التخريبي لكل ما من شأنه ان ‏يعزز العقيدة الوطنية النضالية للجماهير وتشكيلاته السياسية والاجتماعية والسلطوية التي تغيرت بالمعنى ‏والمفهوم والمنطلق والتوجه. وبالتالي اصبحت الحيثيات اليومية مشوهة ومخربشة بخربشات منصات ‏التصريحات والتصريحات المضادة المنفلتة من عقالها وغير المفهومة بالمنطق السياسي الوطني المُستند ‏للثوابت الوطنية والتي أضحت باللحظة الراهنة ضائعة وغير معلومة ومعروفة المعالم . ‏
من هنا فبلا ادنى شك ان المرحلة الراهنة بات عنوانها الأساسي هو واقع ووقائع الضياع الفلسطيني ‏والبعبع الإسرائيلي ، فحينما يختلط الحق بالباطل، ويصبح الباطل سيد الموقف، لابد من اعادة لتمركز ‏المفاهيم وتعريفها والاتفاق على شكل وطبيعة منطلقاتها، وتحديد المعايير والمقاييس التي من خلالها من ‏الممكن تحديد حقيقة الموقف، وطبيعة المعادلة الفعلية لخارظة التناقضات الحاكمة للفعل ولردات الفعل، ‏وللحدث وتأثيراته على مختلف المستويات، وطبيعة صناعة المواقف اتجاه اي من القضايا المتفاعلة على ‏مختلف الساحات، حيث اننا نعيش بعصر ما عدنا من خلاله نستوعب الحدث وبالتالي صارت الخربشة اذا ‏ما جاز التعبير سيدة الموقف وليس أدل على ذلك الا ما بتنا نتلمسه بظرفنا الفلسطيني المعاش والتأثير ‏المباشر لإرهاصات الوقائع العربية وتصارع المصالح التي باتت جزءا من اجندة الفعل حيث ان هذا ‏التصارع انما يعبر بالأساس عن تصارع القوى الدولية بشكل او بأخر وانعكاسا لها.‏
والكل منشغل بحقيقة ( البعبع ) القادم على منصة الحكم الإسرائيلي وكأن ثمة تغير دراماتيكي في اطر ‏الحكم في تل ابيب ، والدولة العبرية انما تعبر عن وجهها الحقيقي وتعرب عن حقيقتها بانتماء الدولة للفاشية ‏الجديدة المتجددة ، وازاحت اللثام المزيف عن وجهها القبيح لتعود الى أصولها بكونها فاشية الهوى ‏والمنطلق والتوجه ، وهذه المرة اعرب المجتمع الإسرائيلي عن هذه الحقيقة بكل صلافة وقحة. ‏
هي اللحظة الراهنة والفارقة حيث تجارة المواقف وبيعها وشراءها واحدة من النمط العام الذي يسود ‏العلاقات ما بين محتلف التيارات السياسية بالوطن المحتل والذي اصبح الخلاف عليه وعلى تسميته وحتى ‏على ترابطه امرا فيه وجهة نظر. ‏
وان يصبح التعاطي مع الثوابت التاريخية خاضعا لمنطق التجارة في شراء المواقف وبيعها في اسواق ‏نخاسة تجارة المصالح واحدة من اساليب الفعل السياسي الجديد ليعتلي الزعيم امارة النخيل والتكبير، في ‏محاولة لشطب العنوان والعناوين لصيغة التمثيل واستقلالية القرار بصرف النظر عن زعيم الحاكمية هنا ‏وامير الامارة هناك.‏
والتجني على التاريخ وان تصبح بالمقابل المقاومة وفعلها دربا من دروب الجنون والعبثية والإستثمار ‏الخاسر للشعوب فيه الكثير من خربشة لموازيين الجماهير واحقيتها بالدفاع عن الذات واعادة لتموضع الفهم ‏من جديد ومصالحة الشاة مع السكين. ويبقى الثابت الوحيد هو المتغير في عوالم تحكمه مصالح البزنس ‏والإتجار بالشعوب واحدة من اساليب الفهلوة والتشاطر على صناعة الحدث بأسلوب التلصص وشراء الذمم ‏وبيع الدول وحتى بيع الانسان قد يصبح الحقيقة الراسخة بهذا الفهم المتجدد الجديد، وان يتم استهداف من ‏يحاول ان يقرأ التاريخ ويغوص بجمالية الانسان زقدرته على احداث التغير والتمرد على القوالب المعلبة ‏لابد من مقارعته واقصاءه بعيدا عن المشهد العام ومن الممكن ايضا رجمه وتشويه صورته ويظل الاستبعاد ‏سيد الموقف الراهن ليُصار ان يحتل المكان حينها ذاك المسمى بالمستقل حيث لا رائحة ولا لون ولا طعم ‏وبالتالي لا موقف وللمواقف ادوار في صناعة وحياكة التاريخ.‏
الفوضى هي الحاكمة الأن بلا منازع وفن الحوار او ما يسمى بالحوار واستجداء المفاوضات بصرف النظر ‏عن اشكالها مباشرة كانت او رباعية ، هو النهج والمنهج السائد لحل الخلاف حيث صار الصراع مجرد ‏خلاف والنزاع قد صار اختلافا بوجهات النظر القابلة للتوافق، ولا مكان لمن يمارس الصراخ بوجوب ‏الحياة ان استطاع الى ذلك سبيلا ولا مكان لفقراء الليل تحت الشمس فأما ان تكون ضمن جيوش الفعل ‏لصناعة النصر الإلهي او ان ترتضي لذاتك مكانا في صفوف الخونة والتخوين. وان اردت ان تكون هناك ‏بالمكان الذي ترتضيه لنفسك ولذاتك ولإنسجامك ومفاهيم الأبيض والأسود وتداخل الألوان فيما بينها فلابد ‏من ان تكون عبثيا تارة وكافرا احيانا ومن الممكن ان يستباح دمك على مذابح قراءة التاريخ للمدينة العتيقة. ‏وام المدائن لا تنتمي لأي ممن ييمنطقون اليوم بأسمها فهي الفقيرة لعشاقها والحاضنة للصراخ المرتد عن ‏جدرانها واسوارها ولا تكفر احدا من روادها والكل لديها سواء ومعيارها صمودها وبقاءها وهي الجميلة ‏وتحب الجمال والعاشقة الحبيبة لعشاق ليلها وتحنو على صراخ رجالها وغير معنية بالعبث العبثي من وراء ‏القول العبثي بحضرتها.‏
اذن نحن نعايش عصر اللافهم الأن وعصر انفلات القوى من عقالها والقول الفصيح بالكلام المباح بكل ‏الاتجاهات وهو كلام لصناعة البلاغة ليس اكثر لتسجيل النقاط على الخصم الكافر او ذاك العبثي بحضرة ‏الوطن. والوطن قد يكون ظالما او مظلوما لا فرق ما دام الانسان مستباح ووقودا لتأجيج نيران صناعة ‏الزعامات والمماليك بكل الإقطاعيات المُمزقة لجغرافيا الوطن.‏
من هنا ليس بالضرورة ان تكون نبيا حتى تتنبأ بما يمكن ان يحدث بالاراضي الفلسطينية المحتلة هذه ‏الفترة، وليس بالضرورة ان تكون قارئاً جيدا للسياسة وعالماً ببواطن امورها حتى تستشعر مجريات الامور ‏وسياقها وانسياقها… فالفوضى سيدة الموقف بلا شك وخربشات المفاهيم وانفلات السيطرة على منطلقات ‏وركائز العملية السياسية الفلسطينية سيدة الموقف الراهن حيث العبثية بكل الزوايا، تلك العبثية المنفلتة من ‏عقالها وتحالفات اللحظة والمرحلة وتدوير المواقف ومزادت البيع والشراء في اسواق استجلاب المصالح ‏لهذه الجهة او ذاك التيار المتقوقع بحفنة من الشخصيات.‏
وتكشف التطورات المتلاحقة التي تشهدها الاراضي الفلسطينية المحتلة عن عمق الأزمة التي تعيشها البلد. ‏فبعد الاطاحة بمنظومة الحركة الوطنية ومفاهيمها وركائزها كنظام نضالي تحرري في الاطار الجبهوي ‏الجامع (منظمة التحرير الفلسطينية) والذي حل مكانه النظام العبثي المؤسس له باركان السلطة القادر على ‏المناورة السياسية وفقا لاحتياجات المرحلة وعناوينها ولم يستطيع هذا النظام ان يشكل البديل الوطني للأخذ ‏بزمام المبادرة والامساك بدفة القيادة الفعلية للأوضاع الراهنة. حيث ان هذا الواقع الفوضوي والعبثي يعود ‏في جزء منه الى فعل التخريب المقصود الذي استهدف اركان الحركة الوطنية باعمدتها الاساسية والى عدم ‏القدرة الى لفظ كافة الاطروحات التي من شأنها التغلغل وخلق الفعل الجديد المتناقض اساسا والمواثيق ‏الوطنية المستندة على قوانين واساسيات قوانين مرحلة التحرر الامر الذي خلق التيار الليبرالي بتكوينات ما ‏يسمى بالتكنوقراطية والتجمع المستقل، المتحالف بالضرورة مع العبثية السياسية والفراغ المؤسساتي بهدف ‏الاطاحة بكل ما من شأنه ان يشكل الرافعة النضالية الفعلية لإنجاز الحقوق التاريخية لجماهير الثورة ‏المنطلقة اساسا من اهات الفقراء واحلام البسطاء.‏