فشلت العملية الجديدة لوحدات المستعربين الإسرائيلية الخاصة في مخيم جنين، مساء يوم الثلاثاء، في الوصول للمقاوم محمد حسين مصطفى زيدان “أبو البهاء”، والذي تتهمه بقيادة كتائب شهداء الأقصى، رغم الهجوم المباغت الذي شنته على منزله وعائلته الواقع في المدخل الرئيسي على أطراف مخيم جنين، فانتقمت من أسرته، بتدمير منزله واعتقال والده الطاعن بالسن، والتهديد باغتياله وتصفيته إذا لم يسلم نفسه، لكنها اضطرت للإفراج عنه عن حاجز الجلمة إثر تعرضه لنوبة قلبية مفاجئة.
تحت جنح الظلام، اختارت الوحدات الخاصة موعدها، وتسللت كما روى شهود العيان لـ”القدس” دوت كوم، إلى مدخل المخيم الرئيسي بواسطة ثلاثة مركبات فلسطينية، وتوقفت على بعد أمتار قليلة من منزل المواطن الستيني حسين مصطفى أحمد زيدان، زاعمةً أن نجله الأسير المحرر محمد “أبو البهاء” (35 عاماً)، على رأس قائمة المطلوبين للمخابرات الإسرائيلية.
وعندما كانت تتسلل وحدات المستعربين لمنزل العائلة اكتشفها الأهالي والمقاومة، التي أطلقت صفارات الإنذار، وهبت للتصدي لها، وسط اشتباكات مسلحة عنيفة.
خلال ذلك، بدأ المستعربين بمهاجمة منزل أبو البهاء لإكمال عمليتهم بسرعة، قبل أن تتنبه العائلة لما يجرى حولها من حصار منزلها ومحاولة اغتيال ابنها.
وأفادت والدته ، أنها فوجئت بتفجير بوابة منزلها الرئيسي، واقتحام المستعربين المدججين بالسلاح برفقة كلب بوليسي، وخلال ثواني حولوا المنزل لثكنة عسكرية، وشرعوا في التفتيش وسط أجواء رعب واستنفار.
وتقول: “احتجزونا، وعندما لم يجدوا أبو البهاء، ازداد غضبهم، وأصبحوا أكثر شراسة ووحشية، دمروا وخربوا كل شيء، وألقوا القنابل داخل الغرف، وأطلقوا الكلب البوليسي للتفتيش”.
وتضيف: “عشنا لحظات مروعة، وهم يهددون بتصفية ابني، وقاموا بتدمير غرف الأطفال، وأبلغونا برسالة تهديد بتصفية وإعدام ابني إذا لم يسلم نفسه، واعتقلوا زوجي رغم مرضه، كبلوه واقتادوه معهم للتحقيق”.
في غضون ذلك، كانت المقاومة، أغلقت كافة أزقة وشوارع المخيم التي تحولت لساحة معارك حقيقة مع المستعربين، ويؤكد الشهود، أن المقاومة حاصرت المستعربين ولم يتمكنوا من مغادرة منزل أبو البهاء والمنطقة المجاورة، في ظل شراسة المقاومة التي أمطرتهم بالرصاص والقنابل المصنعة محلياً.
خلال دقائق، انقلب المشهد، وتحولت المنطقة على امتدادها، لساحة اشتباكات عنيفة، فدفع الاحتلال بتعزيزات عسكرية كبيرة.
وبحسب الشهود، داهمت المدينة وأطراف المخيم أكثر من 80 دورية عسكرية، واحتل الجنود والقناصة العمارات والأبنية المطلة على منطقة الأقواس في مدخل المخيم وحي الزهراء في المدينة، ومع اشتداد الاشتباكات، أطلق الاحتلال طائرة انتحارية من نوع “ماعوز”، وفجرها في الساحة الرئيسية، مما أدى لإصابة عدد من المواطنين وتفجير محول الكهرباء الرئيسي، مما أغرق المخيم في ظلام دامس.
الطائرات المسيرة التي حلقت على ارتفاع منخفض، وعشرات الجنود والقناصة الذين انتشروا في المنطقة، لم يتمكنوا من السيطرة على الأوضاع، فقد تعرضوا لإطلاق نار كثيف، وشاركت الأجنحة العسكرية للمقاومة في مهاجمة الجنود من كل ركن وزاوية في اشتباكات لم تتوقف، بينما جرى تفجير عشرات العبوات الناسفة بدوريات الاحتلال، واعترف الاحتلال بإصابة دوريتين بشكل مباشر.
ورغم حملات الدهم والتفتيش الواسعة تحت غطاء إطلاق النار في محيط منزل أبو البهاء، اعترف الناطق باسم الاحتلال بفشل العملية وعجز الوحدات الخاصة عن الوصول لأبو البهاء، وصرحت كتائب شهداء الأقصى في بلاغ عسكري صدر خلال العملية، أن قائدها أبو البهاء، نجا من الكمين ومحاولة الاغتيال، وعاد لمواقع مقاتليها الذين قاتلوا مع مناضلي الأجنحة العسكرية الأخرى حتى انسحاب أخر دورية من جنين والمخيم.
وروى شهود عيان، أنهم شاهدوا معركة حقيقية بين الاحتلال والمقاتلين، الذين هاجموا الدوريات من مسافات قريبة جداً، مما أدى لارتقاء عدد من الشهداء وارتفاع عدد الإصابات في صفوف المواطنين، وخلال انسحاب الدوريات من المخيم، رصد الاهالي مجموعات المقاومة تلاحقهم بالعبوات والرصاص بشكل لم يسبق له مثيل.
ويؤكد الشهود، أن أول ضحايا العدوان الاسرائيلي على المخيم، الطفل رأفت خمايسة (15 عاماً)، الذي أطلق المستعربين النار عليه على مدخل المخيم، عندما اكتشفهم، وبدأ يصرخ ويحذر من وجودهم، فأصابوه بشكل مباشر.
وقال عمه نزار خمايسة: “لدى خروج رأفت من منزل جده الواقع على مدخل المخيم، شاهد المستعربين أثناء حصارهم لمنزل أبو البهاء، فركض وهو يصرخ، فلاحقه مستعرب وأطلق الرصاص باتجاهه بشكل مباشر”.
ويضيف: “وقع رأفت على الأرض مضرجاً بالدماء، فقد أصيب بعيار ناري في منتصف البطن وخرج من صدره، ولم تتمكن طواقم الإسعاف من الوصول إليه، لأن الاحتلال أغلق المنطقة ومنعها من التنقل، وبقي ينزف في منزل جده لمدة ساعة ونصف، وبعد انسحاب الاحتلال ونقله للمشفى، أعلن استشهاده”.
خلال تشييع جثامين شهداء العدوان الأربعة محمود السعدي، ومحمود عرعراوي، ورأفت خمايسة وعطا موسى، خرج المقاوم أبو البهاء مع عشرات المقاومين للمشاركة في المسيرة، وقد صرح للصحفيين قائلاً: “لحظات قليلة فصلت بيني وبين الهجوم الإسرائيلي، فقد حاصروا بيتي بعد وقت قليل من خروجي، وعندما داهموه ولم يجدوني، دمروا وكسروا محتوياته، ولم تسلم حتى غرف وأغراض أطفالي، وهددوا عائلتي بتصفيتي إذا لم أسلم نفسي”.
أبو البهاء الذي تقلد سلاحه وأحاط به عدد كبير من المقاومين، قال: “ردي على تهديدات الاحتلال، نحن نناضل في سبيل حرية فلسطين وشعبنا وأسرانا، ولن أتراجع أو أسلم نفسي، ونحن مصممون على هذه الطريق ودرب الشهداء، وراضون بما يختاره رب العالمين لنا”.
وأضاف: “أنا لست بأفضل وأحسن من أبطالنا الشهداء الذين ضحوا في سبيلنا، شقيقي استشهد وسلمني الراية، وأولادي سيكملون المشوار، وجميعنا سنقابل يوماً رب العالمين، فلنقابله شهداء”.
وقال أبو البهاء: “المعركة التي شهدها مخيم جنين مساء محاولة اغتيالي او اعتقالي، ووحدة فصائل المقاومة الموحدة وما حققته نصر للمخيم، فقد اندحر الاحتلال مهزوماً أمام تصدي وبطولات المقاومة، والفضل لله أولاً، وللشهداء ثانياً، ولأسود المخيم الذي قاموا بواجبهم بشكل كبير”.
وأضاف: “تهديدات الاحتلال بعمليات ومجازر جديدة في المخيم واغتيالنا، لن تنال من عزيمتنا، وسنبقى على درب الشهداء، وكلما اشتد العدوان، نزداد إصراراً على إكمال مشوار، فخيارنا شهادة أو تحرير القدس، وخيارنا المقاومة حتى تحرير فلسطين والأسرى”.
وحول استهداف الاحتلال المستمر لقيادة كتائب شهداء الأقصى والمقاومة، قال أبو البهاء: “كلنا في كتائب شهداء الأقصى وكتيبة جنين وأبو علي مصطفى لا يوجد ما يفرقنا، نقاتل ليس تحت شعار واحد وإنما دم واحد، لدينا عزم وإصرار على الصمود وتحدي الاحتلال، ونؤكد أننا لن تترك هذا الطريق، وهذه التهديدات لن تبعدنا عن طريق المقاومة والطريق إلى القدس إن شاء الله”.