للشهر الثاني على التوالي، تواصل قوات الاحتلال حصار وإغلاق خربة “المكحل” الواقعة غرب بلدة يعبد، جنوب غرب محافظة جنين، كعقاب وتضييق الخناق على سكان المنطقة، بدعوى أنها الممر الوحيد المؤدي إلى منطقة طولكرم، ويربطها بمحافظة جنين.
فبعد تنفيذ العملية الفدائية التي استهدفت مركبة للمستوطنين في شارع برطعة – مريحة، بدأت كما أفاد وليد حمدان مكحل ممثل الخربة لـ”القدس” دوت كوم، قوات الاحتلال بحصار المنطقة وتضييق الخناق على سكانها، وذلك بإغلاق كافة الشوارع والمداخل بالسواتر الترابية والصخرية مما عزلها عن العالم، إضافة لحملات تمشيط ورصد للمنطقة ومنع المزارعين من دخول أراضيهم.
وقال حمدان: “ما نتعرض له جريمة واستمرار لمخطط الاحتلال القديم الجديد، للسيطرة على الخربة وطرد سكانها، كونها تقع في منطقة حيوية ومهمة واستراتيجية”، مشيراً إلى أن الاحتلال وخلال انتفاضة الأقصى حاول مصادرة الأرض المملوكة للمواطنين بأوراق وقواشين رسمية لكنهم تحدوا هذه الإجراءات.
وأضاف: “إن والده الذي كان يمثل الخربة، تعرض لضغوط من الاحتلال ومساومات لإقناع الأهالي ببيع الأراضي لهم، لكنه رفض وأفشلوا كافة محاولات الاستيلاء عليها، مما عرضهم للعقوبات والمضايقات والحرمان من كافة الخدمات”.
يروي حمدان، أن الخربة تأسست بعد نكبة عام 1948، عندما شردت العصابات الإسرائيلية أبناء شعبنا، ومنهم عائلته “المكحل” من بلدة “قاقون “التي كانت تنتصب على تل مشرف على سهل قاقون وتطل مدينة طبرية عليها من جهة الجنوب الشرقي، وشمال غرب مدينة طولكرم وعلى بعد نحو 6 كم عنها.
ويقول: “جدي محمد انتهت به رحلة التشريد في هذه المنطقة التي كانت عبارة جبل مرتفع وأرض واسعة، وأسس الخربة التي بلغ عدد سكانها 25 نسمة، وبعد نكسة الجيوش العربية واحتلال فلسطين، قرروا الاستقرار والاعمار والعيش فيها”.
ويضيف: “بنيت الخربة من بيوت من طين، وعمل سكانها في الزراعة ورعاية الماشية، لكنهم واجهوا محاولات اقتلاع وتشريد من الاحتلال بعد النكسة عام 1967، فأقيمت المستوطنات في يعبد، ومنها حرميش التي تبعد كيلو متر عن الخربة”.
ويكمل حمدان: “خلال زمن قياسي تم بناء وتطوير المستوطنة وتوفير كل احتياجات المستوطنين، بينما الخربة حرمت من كافة الخدمات، وأصبحت هدفاً للاحتلال والمستوطنين، لكن الأهالي صمدوا ورفضوا إخلاء المنطقة”.
مع بداية انتفاضة الحجر عام 1988، استهدف الاحتلال الخربة، كما يوضح وليد، بسياسة منع البناء كونها مناطق مغلقة، وهدم البيوت، فهدم منازل وليد مكحل وعبد الله مكحل، وبعدما أصبح عدد سكان الخربة 76 فرداً، لم تتطور أوضاعها، وعاقبها الاحتلال بالحرمان من الخدمات الأساسية، وبحسب وليد، فإنها تفتقر للطرق والمياه والمدارس والصحة والبنية التحتية.
رغم العمر الزمني للخربة، وتأسيسها حتى قبل النكسة، لم تحظى بدعم ومشاريع، ويقول حمدان: “قدمنا للسلطة عشرات الطلبات لتنفيذ مشاريع داعمة ولتعزيز صمود المواطنين الذين تحملوا كافة الضغوط والهجمات والقيود، لكن دون جدوى”.
وذكر، أن سكان المستوطنات ينعمون بكل شيء، ويعيشون من خيرات أرضنا، وهم يزداد عددهم، وينقص عدد السكان في الخربة، بسبب الظروف القاهرة التي يعيشونها، وقال: “الطرق غير صالحة وبحاجة إلى ترميم وإعادة تأهيل، ولا يوجد مواصلات رسمية، وتزداد المآسي في موسم الشتاء وخلال العام الدراسي، الأجواء الماطرة، لها تأثير لو حدث أي طارئ لا يستطيع مثلاً الدفاع المدني الوصول الينا، بسبب الطرق والتي يبلغ طولها 3 كيلو متر وغير صالحة للسير سواء للمواطنين أو المركبات”.
ويضيف حمدان: “لا يوجد مركز للرعاية الصحية، والمرضى يضطرون لقطع مسافات طويلة للوصول لجنين، وإذا تعرض مريض لانتكاسة صحية، يمكن أن يفقد حياته قبل الوصول للمشفى”.
ويكمل: “بالنسبة للبنية التحتية غير موجود ة، وهناك معاناة بسبب الصرف الصحي والمياه والمدارس، فالطلاب يتوجهون لمدارس النزلة الشرقية التي تبعد 8 كيلو، أو على مدرسة إمريحة التي تبعد 4 كيلو متر، وطرقهم محفوفة بالمخاطر، كونها وعرية وحواجز الجيش وانتشار الخنازير البرية”.
ويضطر الطلبة للخروج في ساعات مبكرة، للوصول لمدارسهم حتى في فصل الشتاء، ويقول: “ابنتاي سارة ولميس، تغادران المنزل الساعة 6 صباحاً، وتسافران حوالي ساعة وربع للوصول للمدرسة في النزلة الشرقية التابعة لطولكرم، وتستغرق نفس الفترة في العودة، وهذا متعب ومرهق للطالب وأهله، فيجب أن نرافق طلابنا لتأمين سلامتهم”.
ويضيف: “المسافة والفترة، تؤثر على الطالب بشكل كبيراً، عدا عن الإرهاق الجسدي، هناك ضغوط نفسية، وتأخير عن بعض الحصص مما يؤثر على تحصيلهم الدراسي، وطالبنا ببناء مدرسة صغيرة وروضة لأطفالنا لكن دون جدوى، وهناك عائلات رفضت إرسال بناتها للتعليم في مناطق أخرى مما حرمهن من ذلك”.
من المشاكل التي تعاني منها الخربة، انتشار الخنازير، ويعقب حمدان بقوله، “إن الاحتلال ينشر الخنازير بشكل مستمر في المنطقة، فتشكل خطراً على حياتنا، ورغم الشكاوي لم يساعدنا أحد، وهي تهاجم المزروعات والناس، وتلحق الضرر بالمحاصيل، وقبل سنوات هاجمت ابنتي نورا خلال عودتها من المدرسة، وأدت لإصابتها بكسور في اليدين، وما زالت هذه المشكلة مستمرة”.
بالنسبة للحصار الحالي، يقول وليد: “أصبحنا معزولين عن العالم الخارجي، وواقعنا المأساوي انعكس على حياة الناس، وأدى لهجرة عدة عائلات، توجهت للإقامة في عدة مناطق، وهذا يعتبر كارثة كبرى، تهدد وجودنا وتحقق ما سعى إليه الاحتلال”.
ويضيف: “الهجرة سببها عدم توفر الخدمات واحتياجات المواطنين الذين صمدوا وتحدوا كل الظروف، لكن بسبب الأوضاع المعيشية وخوفهم على أسرهم ومستقبل أطفالهم، أصبحوا يرحلون بشكل تدريجي”.
ويكمل: “الاحتلال يحاصرنا وما زلنا صامدين، لكن الإهمال والتهميش من كافة الجهات التي طرقنا أبوابها خطر أكبر وأصعب، لذلك نناشد الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء محمد اشتية إصدار تعليماتهم للوزارات المعنية لاعتبار الخربة سمة لجنة محلية وتوفير احتياجات الأهالي لتعزيز صمودهم وعودة الذين هجروها لإفشال مخططات الاحتلال”.
وتابع: “الموافقة على طلبنا باعتبار الخربة هيئة محلية أو لجنة مشاريع، يشكل المنقذ لنا وللأرض، علماً أننا توجهنا لعدة وزارات وكانت هناك ردود إيجابية لكن لم ينفذ شيء على أرض الواقع”.