ينشغل رامي سلامة لساعات طويلة يوميا في ترميم عدد من المخطوطات القديمة المتواجدة في مكتبة تاريخية في شرق مدينة القدس من أجل حمايتها من التلف أو الضياع.
ويقول رامي سلامة، وهو عربي في الأربعينات من عمره، لوكالة أنباء (شينخوا) بأنه أطلق مبادرته الفردية قبل نحو عامين ونصف من أجل الحفاظ على الكتب والمخطوطات المتواجدة في مكتبة الخالدية في المدينة والتي تعكس الحياة في مدينة القدس قبل سيطرة إسرائيل على المدينة.
وتعتبر مكتبة الخالدية واحدة من أكبر المكتبات العربية في مدينة القدس، وتأسست في عام 1900 داخل جزء من مبنى سكني قديم مبني على الطراز المملوكي يعود للقرن الـ 13، حيث تعود ملكيته لعائلة الخالدي التي كانت تسكن المدينة.
ويوضح رامي سلامة بأن المكتبة تحتوي على أكثر من 1200 مخطوطة قديمة تجاوزت أعمار العشرات منها 1000 عام، التي وثقت حياة سكان المدينة عبر التاريخ.
ويضيف أن الهدف الرئيسي لعملية الترميم هو توثيق جزء من تاريخ مدينة القدس، وإظهار ما كانت عليه حياة السكان قبل الصراع العربي – الإسرائيلي، ودحض الروايات بأنها كانت فارغة من السكان.
وأشار إلى أن قدم المخطوطات يثبت أن سكان مدينة القدس كانوا أشخاص يتمتعون بالثقافة والتعليم، وكانت لديهم حياة حضرية، وكانوا يسعون إلى توثيق تاريخهم وحياتهم اليومية عبر المخطوطات والكتب المختلفة.
ويقول رامي سلامة أن مدينة القدس تتعرض لمحاولات منظمة متكررة لطمس تاريخها العربي لصالح الوجود اليهودي، مشيرا إلى أن القضاء الإسرائيلي قضى بحصول مدرسة دينية يهودية على جزء من المكتبة.
إلى جانب ذلك، يشتكي رامي سلامة، بأنه كانت هناك محاولات كثيرة للسيطرة على المكتبة القديمة كاملة بهدف طمس الهوية العربية للمدينة، إلا أن شهادة بعض المثقفين اليساريين الإسرائيليين أمام المحاكم على تاريخ المكتبة وقدمها وملكيتها العربية منع من سيطرة اليهود على المكتبة بشكل كامل.
ومع ذلك، يشرح رامي سلامة، “قررت أخذ زمام المبادرة بنفسي والبدء بترميم المخطوطات التاريخية ورقمنتها حاسوبيا لحفظها من أي محاولات لإتلافها أو حرقها في حال تم السيطرة على المكتبة بشكل كامل يوما ما”، مشيرا إلى أن “معظم المخطوطات باللغة العربية بالإضافة إلى مخطوطات باللغتين الفارسية والعثمانية وأنها تتنوع بين الفلك والفقه والسيرة النبوية والقرآن”.
ويعمل سلامة حاليا على ترميم 11 مخطوطة في مكتبة الخالدية، إلى جانب سبع مخطوطات تعود إلى مكتبتي البديرية وإسعاف النشاشيبي، من بينها دفاتر حسابات خاصة بعائلة الخالدي، ورسائل متبادلة بين أفرادها وفرمانات عثمانية، وغيرها العديد من الأوراق.
وبحسب علم الترميم، يستخدم سلامة بعض الأوراق التي لها مواصفات خاصة لإلصاقها على الفراغات من أجل إخفاء التمزق عن طريق مادة لاصقة أساسها الماء من أجل تفكيكها في حال وقوع أي أخطاء، على حد قوله.
ويعتبر رامي سلامة الذي درس في بريطانيا والمرمم الوحيد داخل المكتبة أن مهمة ترميم المخطوطات ليست بالبسيطة، فهي تحتاج إلى أشخاص من المختصين لما لها من أهمية تاريخية، حيث يحمل المرمم جزءا من تاريخ المدينة بين يديه ويسعى للحفاظ عليه من التلف لنقله إلى الأجيال القادمة.
ويحتاج علم ترميم المخطوطات إلى دراسة من ثلاث إلى خمس سنوات، ويجب على من يدرسه أن يكون ملما أيضا بالكيمياء وتاريخ وأنواع الورق، وفقا لرامي سلامة.
وما أن تنتهي عملية الترميم يتم تصوير الوثائق بجودة عالية مع مراعاة عدم تعريضها لكميات كبيرة من الضوء خوفا على هذه الكنوز من التلف، على حد قول شيماء البديري مسؤولة الأرشيف الرقمي في مكتبة الخالدية لوكالة أنباء (شينخوا).
وأضافت شيماء البديري أنه يتم تصوير المخطوطات بكاميرا تصوير ويتم إدخالها إلى الحاسوب للاحتفاظ بنسخة رقمية من كل مخطوطة، مشيرة إلى أنها قامت بتصوير حوالي 2.5 مليون صفحة لوثائق ومخطوطات ليتمكن الباحثون من الوصول إليها بسهولة عبر مراسلة المكتبة من خلال البريد الإلكتروني.
وعبر رامي سلامة وشيماء البديري عن أملهما في الحصول على موارد أفضل وتمويل أكبر لمواصلة العمل على ترميم المخطوطات القديمة، نظرا لشح الإمكانيات ونقص الأموال والموارد.
وسيطرت إسرائيل على شرق مدينة القدس في عام 1967 وضمتها في وقت لاحق في خطوة لاقت تنديدا دوليا.