اللجنة المكلفة بالشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، عقدت جلسة يوم الأربعاء الماضي لمناقشة “استيلاء السلطة الفلسطينية على المناطق المفتوحة في الضفة، والاستجابة الإسرائيلية”. بدأ رئيس اللجنة، الاجتماع بالقول: “من يكون قد زار [المنطقة] وشاهد خطة فياض في التنفيذ، لا يمكن أن يبقى بدون انطباع سيء. على سطح الأمر، يبدو أنه فوضى، حيث يفعل كل شخص ما يراه مناسباً في عينيه، ولكن في الواقع، هذه خطة منظمة ومدبرة لإخماد تطوير المجتمعات [اليهودية] “والاستيلاء على محاور الحركة المرورية. يقومون بذلك ليس فقط في المنطقة ج، ولكن أيضًا في المناطق أ وب أ.
وزير المالية ووزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش قال: “تعرف دولة إسرائيل خطة فياض، ولكنها لم تتعامل معها بشكل منظم ولم تفهم أبدًا، كدولة، أهمية الخطة، ولذلك لم تصيغ أي استجابة.’ وأضاف “أن الهدف من الخطة هو إعداد البنية التحتية لدولة فلسطينية دون الحاجة للتفاوض مع إسرائيل.” وقال: ‘هناك وزارة كاملة في السلطة الفلسطينية مكلفة بهذا، وهناك الكثير من المساعدات الأجنبية، ليست أوروبية فقط. في بعض الأحيان يتحدثون عن حقوق أسرى معينة مؤسفة، لكن هناك منطق واضح جدًا هنا.”وتابع الوزير سموتريتش: “كيف وصلنا إلى هذا الوضع حيث يتم إنشاء واقع بشكل منهجي هنا ولا نقوم بشيء لمواجهته؟ الجواب هو طريقة إدارة المنطقة، تقريبًا حصرياً بواسطة جيش الدفاع الإسرائيلي والقيادة المركزية. الهدف العسكري هو الحفاظ على الأمن، وكشخص يعيش في المنطقة، أنا ممتن جداً لجنود جيش الدفاع وقادتهم على ذلك. هذا هو منظورهم، وهم يذهبون للنوم ويستيقظون في الصباح مع مهمة الحفاظ على الأمن، ولكن الاعتبارات المدنية دائمًا ما تكون ثانوية للاعتبارات الأمنية، ويتعرض نوع حياة نصف مليون مواطن هناك للضرر.”
من المقتطف، يظهر أن سموتريتش يراقب خطة فياض بحذر ويعبر عن قلقه بشأن عدم تنبّه الحكومات الإسرائيلية لتأثيرها وأهميتها الاستراتيجية على المستوى السياسي والأمني. وعلى الرغم من مرور اكثر من عقد على انتهاء حكومة سلام فياض، الا انّ سموتريتش يرى أن الخطة قد يكون لها تأثير على التطورات الحالية وعلى مصالح إسرائيل! ولهذا يشدد على ضرورة تحليل الأوضاع والتصدي لأي تحديات محتملة تنشأ عنها! يبدو ان سلام فياض يشكل هاجساً لسموترتش على الرغم من ان فياض ترك منصبه منذ اكثر من عشر سنوات، والخطة التي يناقشها في الكنيست تعود للسنوات ٢٠٠٩-٢٠١١ وهي بالتأكيد ضمن السنوات التي شغل فيها فياض منصب رئيس وزراء السلطة الفلسطينية وكانت تعرف بوثيقة “إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة”. من ناحية اخرى، يبدو ان ما حققه فياض من الحفاظ على المناطق ج كان فعلا يقتصر على حكومته فقط، فيبدو من المثير للسخرية، ولكن ليس الكثير من الدهشة، ان يتحدث سموترتش عن إنجازات فياض وخططه وكأنه لا يزال على رأس عمله.
المحزن في هذه القصة، ان سموترتش فهم منذ ان كان مديراً ل”رغفيم” ان سلام فياض كان يعمل حقيقة من أجل إنجاز الدولة ببناء مؤسسات والحفاظ على مناطق ج من الاستيلاء الاستيطاني الممنهج والتصدّي له بلا كلل وبأدوات المجتمع الدولي، ذلك الاستيلاء الذي مضى باستباحة كل شيء بلا عناء، باستثناء مقاومة وجدّ وعرق وحياة اهل المناطق المهددة بالاستيلاء في مناطق ج. قبل سنوات قليلة ، كتبت مقالاً في معرض تعليق على مقال لجوويش برس بعنوان “العرب يغزون المنطقة (ج) مع ١٠٠ مدرسة غير قانونية لا تستطيع إسرائيل القضاء عليها“، أسهب من خلاله المقال عن دور سلام فياض كرئيس وزراء فلسطيني سابق في “الطمس الفعلي للحدود بين المناطق (ب) و (أ) و (ج) في الأراضي الفلسطينية، وذلك بهدف تحقيق الضم الفعلي للمنطقة (ج) التي تمثل حوالي ٦٢٪ من أراضي الضفة وتحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة.”وتطرق المقال الى تنفيذ خطة فياض من خلال عدة أساليب، “مثل بناء العديد من المباني غير القانونية، واستخدام الاختراقات في الطرق، واستيلاء على الأراضي، وتسجيلها لصالح الفلسطينيين. وقد قام وكلاء السلطة الفلسطينية بتنفيذ هذه الخطة لأكثر من عقد. وعليه تهدف خطة فياض إلى خلق تواصل جغرافي يمتد من السامرة إلى المنحدرات الجنوبية لجبل الخليل بهدف توسيع نطاق الأراضي الفلسطينية وتأمين موطن دائم للفلسطينيين.” قبلها، كنت قد كتبت مقالاً ردّاً على مقال كتبه الدكتور سلام فيّاض بعنوان إجراءات الضم الإسرائيلية تستدعي فعلا فلسطينيّاً.
بنى فياض “أمله” في ذلك المقال على ما هو ممكن. والممكن على حسب رأيه هو: “استحضار القدرة الكامنة للتوجه القائم على التحلل من التزامات منظمة التحرير الفلسطينية، بموجب الاتفاقيات والتفاهمات {…} من خلال الإعلان عن انطباق مفهوم التحلل ليس فقط على إطار أوسلو، وإنما أيضاً، من حيث المبدأ، على التحول في برنامج المنظمة الذي تم تبنيه فعلياً في إطار مبادرة السلام الفلسطينية لعام ١٩٨٨.”ويمكن وصف كلام الدكتور فياض بالمنصف عندما قال: “إنَّ الرد الفلسطيني على مشروع الضم الإسرائيلي يمثّل فعلاً وطنيّاً طال انتظاره، ألا وهو إعادة النظر في تحوّل عام ١٩٨٨، الأمر الذي يستوجب أيضاً أن مجرد تحلّل منظمة التحرير من إطار أوسلو فقط، يعني تخليها عن برنامج اعتمدته من الناحية الفعلية لاثنين وثلاثين عاماً من دون التقدم برؤية بديلة، يمكن أن يلتف حولها الشعب الفلسطيني، والذي من المنطقي جداً له أن يتوقع استعداد ممثله الشرعي الوحيد لإعادة النظر، في ضوء ما آلت إليه القضية الفلسطينية في أعقاب التحول المذكور.”هذا ما كتبته، وأعيده الآن:”… يؤسفني القول، اننا نرجع دوماً الى نقطة البداية بأفعالنا وتصريحاتنا، فيكون الفعل الأول هو الفعل الأخير. أي ان التصريحات التي خرجت حينها (مؤتمر الأمناء العامّين وغيرها)، لم يكن وراءها أي شيء آخر غيرها. وقد يكون ما يطلق اليوم من تصريحات جديدة توعز بان مشروع الضم فشل، وعليه فإنّ السلطة تدرس إعادة التنسيق الأمني، يؤكد على هذا. بأن ما يجري هو مجرد تصريحات لا نية بتغيير الوضع الى ما هو أفضل لهذه القضية التي صارت قضية اشخاص بعينهم. هم القضية المنشودة. وقضيتهم هي مصالحهم الشخصية وامتيازاتهم.”فمنذ ذلك الوقت صار العمال وتصاريحهم الى المستوطنات هو “خاصرة” هذه السلطة، كما المواطن الآخر كلّ وإمكانية حلبه واستغلاله لبقاء الحكومة وسلطتها. قائمة المقالات والتحقيقات أدناه تؤكد مدى هوس سموتريتش بهذا الأمر، وكأنه وصل الى الحكومة ليتصدى لخطة فياض.اما بالنسبة لسلام فياض، المؤسف أكثر، أن سموترتش فهم قيمته وحسّه الوطني الحقيقيّ، ولا يزال يحاربه كمن يحارب ظلّه! بينما لا يزال البعض في فلسطين متوقفاً جهلاً أو عن جهل متعمد عند مقولة نيو لبرالية فياض وقروض البنوك.نحن نعيش ما نستحق!