ثمّة من يعتقد في إسرائيل أن سبب عدم توجيه دعوة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لزيارة واشنطن، على غير العادة بعد كل انتخابات عامة وتأليف حكومة جديدة في إسرائيل، يعود إلى نية الإدارة الأميركية الحالية التوصل إلى تفاهماتٍ مع إيران بشأن برنامجها النووي تعارضها إسرائيل، حكومةً ومعارضةً، وذلك لتجنّب احتمال أن يستغلّ نتنياهو زيارته هذه لتأليب الكونغرس والرأي العام في الولايات المتحدة على هذه الإدارة، مثلما فعل إبّان توقيع الاتفاق النووي السابق عام 2015.
ويستنتج الذين يعتقدون بذلك، في الوقت عينه، أن واشنطن ماضية نحو هذه التفاهمات التي من شأنها أن تؤدّي، من بين أمور أخرى، وبحسب ما أكّدته مصادر أميركية موثوق بها، إلى موافقة إيران على عدم تخصيب اليورانيوم، بما يتجاوز 60%، وزيادة تعاونها مع المفتشين النوويين الدوليين، ومنع وكلائها من مهاجمة المتعاقدين الأميركيين في العراق وسورية، والامتناع عن بيع روسيا صواريخ بالستية، وإطلاق سراح السجناء الأميركيين في أراضيها.
في المقابل، تمتنع الولايات المتحدة عن فرض عقوباتٍ جديدةٍ ضد إيران، وتتوقف عن مصادرة شحنات نفط إيرانية، وعن تقديم مشاريع قراراتٍ ضد برنامج طهران النووي في مجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية.
والتقدير السائد لدى هؤلاء أن هناك عودة إلى مرحلة ماضية، مرحلة توقيع الاتفاق النووي الأصليّ، التي بدا، ولو فترة قصيرة، أنها ولّت وطويت مع انسحاب واشنطن من الاتفاق إبّان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، ومنها يولد حاضر مغاير يؤشّر إلى مستقبل أسوأ.
ويستند توقّع الأسوأ إلى عدّة مسوّغات، أبرزها أن الاستراتيجيا التي اتبعتها إسرائيل لكبح البرنامج النووي الإيراني، وبالأساس خلال فترة تولي نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية منذ عام 2009، استندت إلى إيجاد مناخٍ دوليٍّ مؤيد لهذا الكبح، وتحديدًا من الولايات المتحدة وأوروبا.
أمّا الآن، فمع خطوات الإدارة الأميركية المستجدّة، وآخر قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن إيران، وتقدُّم هذه الأخيرة في برنامجها النووي، لا يجوز لإسرائيل الاعتماد على غيرها، ولم يعد أمامها سوى الدفع أكثر فأكثر بخيار الاتّكال على نفسها.
وفي القراءة الإسرائيلية الإجمالية لآخر التطورات، جوهر التفاهمات الأميركية الإيرانية الآخذة بالتبلور هو تجميد البرنامج النووي الإيراني في وضعه الحالي، في مقابل وقف جزءٍ من العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على إيران، وبالأساس تحرير أموالٍ إيرانية محجوزة في عدة دول. ومعنى هذا هو تبييض الخروق الإيرانية دوليًا في المجال النووي، ومنح إيران شرعية، والمصادقة على أن يكون لديها برنامج نووي بمستويات تخصيبٍ مرتفعةٍ نسبيًا، وفي الوقت نفسه، أن تكون لديها كميات كبيرة من اليورانيوم المخصّب تكفي لتصنيع عدّة قنابل نووية.
وستسمح التفاهمات لإيران بالحصول على عشرات مليارات الدولارات، والتي يمكن أن تُستخدم للاستمرار في مراكمة القوة العسكرية، وكذلك استثمار هذه الأموال لتعزيز ما توصف بأنها “العدوانية الإيرانية في منطقة الشرق الأوسط والعالم”.
كما أن توقّع الأسوأ يرتبط بحقيقة أخرى تُقرأ بين سطور التصريحات التي تصدُر عن كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين السابقين، ومنهم العميد أورن سيتر، الذي أنهى قبل فترة وجيزة مهمّات منصب رئيس الوحدة الاستراتيجية في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وأكّد، في سياق مقابلة صحافية قبل أيام، أن لدى إسرائيل خططا عسكرية لمهاجمة إيران، ولكن من دون أخذ مكانة الولايات المتحدة في الاعتبار سيكون من الصعب إخراجها إلى حيّز التنفيذ.
أمّا اللواء احتياط عاموس جلعاد، الرئيس السابق للقسم الأمني – السياسي في وزارة الدفاع، فقال في مؤتمر دولي لشؤون الطاقة عقد في تل أبيب في آذار/ مارس الماضي، إنه لم يعد سرًّا أن إسرائيل لا يمكنها بمفردها وبدون الولايات المتحدة أن تهاجم إيران، لأنها ستتعرّض إلى ردّة فعل قاسية. واقتبس الجندي الشجاع شفيك الذي قال: “سوف أقتل الأعداء”، وعندما سألوه “وماذا يحدُث إذا ما قتلوك؟”، فأجابهم: “لم أفكّر بهذا بتاتًا”!