اعتبرت صحيفة “لوموند” الفرنسية أنّ الحركات الإسلاموية التي فاجأها كثيراً ما أطلق عليه في عام 2011 موجة “الربيع العربي” تميّزت بالضعف الأيديولوجي الشديد، وهو ما ساهم في النهاية في فشلها جميعها على الرغم من أنّها حاولت استغلال الانفتاح غير المسبوق للمشهد السياسي في الشرق الأوسط بالاعتماد على أقدمية تنظيماتها وخبرتها بالمُقارنة مع القوى التي نجمت عن الحراك الشعبي في بعض الدول، والتي كانت تُغذّيها الشبكات الاجتماعية وتحريض الغرب على حدّ سواء.
وتقول اليومية الفرنسية إنّه بدءاً من ثورة الشعب المصري التي أطاحت في يونيو (حزيران) 2013 بفترة الحكم الوجيزة لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية التي استولت على البلاد لنحو عام، ومروراً بأزمة النظام الإيراني الذي اهتزّ بقوة عدّة مرّات بالفعل في السنوات الأخيرة إثر الاحتجاجات الشعبية، وصولاً لإلقاء القبض مؤخراً على زعيم حزب النهضة الإخواني في تونس راشد الغنوشي بتهمة التحريض على التطرّف والقتل والإرهاب، تمتلئ اليوم المقابر الأكاديمية والصحفية بإعلانات الوفاة المبكرة للإسلام السياسي.
ويرى الكاتب والخبير السياسي الفرنسي جيل باريس أنّه، ومع سياسة الانفتاح غير المسبوقة التي انتهجها في بلاده الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في السعودية، فإنّ الإسلام السياسي قد يواجه آخر الضربات عبر انتكاسة جديدة في حال هزيمة حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة يوم 14 مايو (أيار) القادم، متوقعاً أنّه بلا شك سوف تحدث الهزيمة لهذا التيار السياسي المحافظ.
من جهته قام الصحافي الفرنسي فريديريك بوبين بما أسماه التشخيص السريري للإسلام السياسي في المنطقة المغاربية، وخلص إلى شبه انهيار حركاته، مُشيراً إلى أنّ هذه الظاهرة صالحة برأيه للشرق الأوسط بأكمله، وتمتد على جميع دوله، وذلك على الرغم من أنّ الشكل الأكثر تطرّفاً وعسكرة، أي النموذج الجهادي، لا يزال قائماً اليوم في بعض المناطق، وإن بشكل أضعف.
وركّزت “لوموند” بشكل خاص على نموذج الإسلام السياسي في إيران، إذ تقول إنّه وبعد موجة الاحتجاج التي اجتاحت الجمهورية الإسلامية بعد وفاة مهسا أميني في سبتمبر (أيلول) الماضي إثر تعذيبها من قبل عناصر الشرطة، وعلى غرار الانتفاضات الشعبية التي ضربت طهران منذ نحو 15 سنة احتجاجاً على التلاعب بالانتخابات وغلاء المعيشة، كما في 2009 و2017 و2019، فقد انتهى أيّ أمل في محاولة إحياء ما أسماه البعض “الربيع الإسلامي الإيراني”.
واعتبرت أنّ الحرس الثوري القوي الذي يُعزز قبضته على الاقتصاد الوطني في إيران، وتُشكّل ميليشيات الباسيدجي العمود الفقري له، قد استولى بشكل وحشي على السلطة في البلاد، وحوّل الحُكم لنظام عسكري بحت، ولا يُمكن لخلافة مرشد الثورة علي خامنئي (84 عاماً)، الذي لم يكن يمتلك المؤهلات الدينية المطلوبة في البداية لممارسة هذه الوظيفة، إلا تأكيد هذا الضعف الأيديولوجي لأحد جوانب الإسلام السياسي الذي تقوده طهران.
في ذات الصدد، خلصت مجلة “لوكورييه انترناسيونال” الفرنسية في تحليل لها إلى أنّ الإسلام السياسي بمختلف نماذجه بات في تراجع مُستمر في مختلف دول الشرق الأوسط نتيجة رغبة العديد من الدول العربية في التجديد ومُكافحة التطرّف.
ونقلت عن خبراء أنّ الإسلام السياسي تعرّض لضربات قوية في كل من مصر وتونس بشكل خاص، وباتت جماعة الإخوان المسلمين في أسوأ حالاتها وغارقة في صراعات على السلطة والقيادة، كما أنّ حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم في تركيا يخسر المزيد من شعبيته على الصعيدين المحلي والعربي إثر تبدّل سياساته، فيما نموذج الإسلام السياسي في إيران على وشك الانهيار إثر الاحتجاجات الشعبية والأزمة المعيشية في البلاد.