صفحةٌ جديدة من الكفاح سجلها فدائيون جدد، استبسلوا وصمدوا ووقفوا في وجه أحدث الأسلحة ورفضوا الاستسلام، أمام عشرات الآليات التي صممت على إعدامهم لتسرق من الوطن أرواح شبان في عمر الورود، كتبوا حكاية عزهم بين أزقة وشوارع مخيم جنين.
“المحمدان وزياد وطارق وعبد الفتاح ومعتصم”، 6 من الشهداء أعدموا برصاص جيش الفاشية اليهودية، بمعركة جديدة خاضها الفدائيون في مخيم جنين في السابع من مارس الماضي.
مقاتلان من كتائب الأقصى: “أسيران مطاردان.. ثم شهداء”..
محمد وائل أحمد غزاوي 25 عاماً، أحد مقاتلي كتائب شهداء الأقصى لواء الشهداء، من مخيم جنين استشهد برصاص قناص إسرائيلي، وهو حاملاً بندقيته، متمسكاً بها، لتبقى شاهدةً على تصديه ببسالة وشهامة لجيش الاحتلال الذي اغتصب الأرض ولا زال واقتحم المخيم وسرق الوطن.
كشف الغزاوي الوحدات الخاصة التي دخلت جنين، بحسب حديث “قسم” شقيقه, عندما تواجدت قرب دوار العودة الملاصق لمفترق الشهداء ببداية المخيم، حيثُ تواجدت في إحدى الشاحنات، ليلحق بهم الفدائي الغزاوي، برصاص بندقيته الثائرة منعاً لوصولها إلى المكان الذي يتواجد به الشبان المحاصرين.
من الطرف الشرقي لمخيم العز “جنين”، وفي وسط حارة سليط بحي الغُبس، حاصرت قوة خاصة من الفاشية اليهودية، منزلاً يتحصن فيه قادة من كتيبة جنين، لتبدأ رصاصات بنادق الثوار تسجيل حكاية جديدة من سجل النضال التاريخي الذي لا زال مستمراً بوجه الاحتلال.
منزل للأسير إياد العزمي، ملاصق لعدة منازل قديمة، ومأهولة بالسكان، وبوقت وزمان غير متوقعين من الفدائيين، لكنهم غير مستبعدين عن الاحتلال الفاشي، تحصن فيه منفذ عملية حوارة عبد الفتاح خروشة قائد بالقسام والذي قتل اثنين من المستوطنين، حيثُ تسللت وحدة خاصة من اليمام، مدعومة بطائرات تصوير وتتبع وأخرى تفجيرية، وعلى ارتفاعات منخفضة لإسناد جيش الفاشية الذي اقتحم مخيم جنين.
لأكثر من 6 ساعات، مرت على محاصرة منزل واستبسال فدائيين من داخله وخارجه، لينتهى هذا الاقتحام بجريمة تسلجها الفاشية اليهودية بطيات حقدها الذي صبّ على الشعب الفلسطيني، ليتساءل الكثيرون من سيكون الشهيد القادم؟!.
طائرتان مسيرتان، أسقطت برصاص مقاتلي جنين، الذين أثبوا قوتهم وقدرتهم على خوض المعارك الضروس مع هذا المحتل الجبان.
صفحةٌ جديدة طويت باغتيال 6 من الأبطال بتاريخ الـ(7) من شهر مارس الجاري، لكنها بقيت محفورة في أذهان مخيم جنين، بل فلسطين بأكملها، في ظل الإجرام الإسرائيلي المتواصل، وسط صمت دولي وانحياز كبير لتلك الفاشية الإرهابية.
والشهداء بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، هم، عبد الفتاح حسين خروشة (49 سنة)، زياد أمين الزرعيني (29 سنة)، طارق زياد ناطور (27 سنة)، محمد وائل غزاوي (26 سنة)، محمد أحمد سليم خلوف (22 سنة)، معتصم ناصر صباغ (22 سنة).
الغزاوي لم يحتضن والده للمرة الأخيرة وفقد صديق طفولته..
قسم شقيق الشهيد الغزاوي، قائلاً: إنّ حياة شقيقه الفدائي محمد كانت ما بين الاعتقال والملاحقة من قبل جيش الاحتلال، حيثُ اعتقل مرتين لعام ونصف، ومن ثم أصبح مطارداً لجيش الاحتلال بسبب علاقته بالشهيد القائد مؤسس كتيبة جنين “جميل العموري”.
ويضيف قسم، أنّ محمد جريحاً أصيب برصاص جيش الاحتلال، وكان محبوباً جداً في مخيم جنين، وكانت علاقته ممتازة مع كافة الفصائل، ودخل طريق المقاومة حباً للوطن والأقصى، ودفاعاً عن مخيم جنين”.
وشدد قسم، أنّ أبو علي اعتقل في سجن مجدو، وذلك بعد استشهاد العموري، وهو صاحب الطفولة، وبعدها بشهر تم اعتقاله مرة أخرى لمدة عام، وخرج من السجن ليجد والده المريض بالسرطان متوفياً، فحرم من احتضانه للمرة الأخيرة، في مارس العام الماضي”.
وتابع قسم حديثه، أنّ خبر استشهاد أبو علي كان صدمة، ولكن شرف ما ناله وهو يواجه الاحتلال بسلاحه ويحمل بارودته، هوّن علينا تلقي هذا الخبر، مضيفاً أننا ودعنا محمد وهو مبتسم، تمناها ونالها بشرف وعزة.
وأوضح، أنّنا في مخيم جنين أصبحنا نتساءل من سيكون الشهيد القادم، فدماء أبناء المخيم تناثرت بين الأزقة وفي كل مكان.
قسم الذي روى حكاية شقيقه المقاتل في كتائب شهداء الأقصى، كان يتحدث بقوة الرجال التي سجلت على جدران مخيم جنين، شجاعة شبان في عمر الورود، انتهت حياتهم بتيجان زيّنت سماء فلسطين.
شاهد عيان..
الفدائي (م) من سرايا القدس كتيبة جنين، والذي تحدث بصوته القوي ولكن قلبه كان يعصر ألماً على فقدان أصدقاء كثر إمّا بالاغتيال أو أثناء الاقتحامات المتكررة لمخيم جنين.
(م) الذي نرفض الكشف عن اسمه للحفاظ على حياته، أكد: أنّ اقتحام جيش الاحتلال لمخيم جنين، جاء في وقت استراحة المقاولين، وبعد سهر ليلة طويلة لمراقبة المخيم وحمايته.
وأضاف، أنّه خلال أسبوعين لم يفارق الطيران الحربي الإسرائيلي سماء المخيم، لذلك كان المقاتلون يرابطون على مدار 24 ساعة، ورغم خبث الاحتلال وقوة يمامه الخاصة، إلا أن الفدائيين اشتبكوا مع قوات الاحتلال فور كشفها في أزقة المخيم، ولكن جيش الاحتلال استعان بالطائرات والقذائف الصاروخية.
وشدد، أن مقاومة هذا المحتل تزيد بزيادة عمليات الاقتحام والقتل، ومع كل شهيد جديد تترسخ فكرتها وتتسع وتزداد شراسة مقاتلينا وإصرارهم، إضافة لتطورهم في أساليب القتال وأشكاله.
شهيد مقاتل من الأمن الفلسطيني..
الشهداء الذين تمت محاصرتهم، صمموا خوض معركة بطولية واستبسلوا في تصديهم لجيش الاحتلال ووحداته الخاصة ورفضوا الاستسلام، وقاتلوا حتى رووا بدمهم ثرى المخيم الذي هب وانتفض قتالاً لحمايته.
زياد أمين حسن الزرعيني 29 عاماً، من مخيم جنين، والذي استشهد بنفس الجريمة من بين 6 من المقاتلين، الذين دافعوا عن جنين ومخيمها بالأرواح قبل البنادق.
والد الشهيد زياد الزرعيني، تلقى نبأ استشهاد ابنه ببكاء شديد، وبحزنٍ كبير لكنه بقي صامداً كالجبال، محتسباً أمره لله تعالى، ومتبسماً ضاحكاً فرحاً باستشهاد نجله وهو يحمل سلاحه مقاوماً عن المخيم وأزقته.
وشدد، أنّ جميعنا في مخيم جنين على هذا الدرب، وكلنا نخرج من منازلنا وبقلوبنا وعقولنا يدور بأننا قد نعود محملين على الأكتاف، باقتحام جديد.
في جنين، يتفاخر أهالي المخيم ببطولات وروح الوحدة الوطنية التي جمعت الشهداء وتضحياتهم وتصديهم لجيش الاحتلال.
فالمخيم الذي سيبقى قلعة للوحدة ومقارعة الاحتلال، سيبقى وحده شاهداً على حكاوي الشهداء الذين تنقلوا بين شوارعه وأزقته حاملين سلاحهم وبرصاصاتهم التي باعوا الغالي والنفيس لتأمينها، كي تكون السد والسند لهم في اقتحامات جيش الفاشية للمخيم الصامد.
شقيقة الزرعيني تنفي أكاذيب حول اعتقاله..
عبر صفحتها على فيسبوك، نفت حنين أمين الزرعيني شقيقة زياد، ما نشرته بعض وسائل إعلامية، أكاذيب حول اعتقال جهاز الضابطة الجمركية، لشقيقها الفدائي قبل استشهاده.
وأكدت حنين، أنّ ما جاء في بيان لمركز “تحقق” الذي أصدره حول القضية، باثباتات لتلقي شقيقها راتبه لشهر ديسمبر 2022، ويناير 2023، وهو الشهر الأخير قبل استشهاده.
الجهاد تدعو لمساندة جنين..
القيادي في حركة الجهاد مهدي الشرقاوي دعا، كافة الأطراف ومن كل الساحات لمساندة مخيم جنين الذي يواجه إجرام جيش الاحتلال شبه يومي.
وأكد الشرقاوي، أن استمرار السياسة العدوانية التي تنتهجها حكومة الاحتلال الفاشية بزعامة “نتنياهو”، لن تمنحها أمنا مزعوماً، ولن تفلح في وأد المقاومة وكسر صمود وإرادة الشعبن الفلسطيني.
وقال لـ”أمد”، إنّ جيش الاحتلال أخذ القرار منذ بداية العام 2023 أن يثخن في جراح أبناء شعبنا من أجل كسر إرادته لأنه يدرك أنه حاضنة متينة للمقاومة”.
وأبرق التحية لأهل مخيم جنين، مشدداً على أن كل الخيارات سقطت وبقي خيار المقاومة وسيذهب المرجفون إلى مزابل التاريخ.
ووجه الشرقاوي تحيته للمقاتلين في الميدان الذين يلتحمون ببسالة وشجاعة عالية مع قوات الاحتلال وعلى رأسها كتيبة جنين وكتائب شهداء الأقصى لواء الشهداء ضمن وحدة خلاقة وبطولية.
كما وجه نداءه، إلى كافة الفصائل الفلسطينية، بأن تتحد لمساندة جنين ومخيمها بدلاً من الاستفراد بها من جيش الاحتلال الذي أثخن الجراح في قلوب سكانها.