بقلم: المحامي علي أبو هلال
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أكبر الدول الداعمة لحكومة الاحتلال الاسرائيلي سياسيا وعسكريا وماليا، ولا تخفي هذا الدعم بل تعلن في كل الأوقات تأكيد دعمها المطلق لسياسات وممارسات الاحتلال التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة، وتعتبر نضال الشعب الفلسطيني إرهابا، وحركته الوطنية التي تقاوم الاحتلال منظمات إرهابية، بما في ذلك منظمة التحرير الفلسطينية، التي أغلقت مكتبها في واشنطن وترفض فتح هذا المكتب المغلق منذ عدة سنوات.
ورغم بعض مواقفها السياسية الدعائية التي تعتبر أن الاستيطان في الأراضي المحتلة يعيق ما يسمى عملية السلام، إلا أنها تعتبر المستوطنين الذين يعتدون على الشعب الفلسطيني، ويقيمون المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، ويستوطنون فيها بشكل غير مشروع مدنيون، وأن أي مقاومة للاستيطان والمستوطنين ارهابا.
وأكثر من ذلك كشفت بعض التحقيقات التي أجرتها مؤخرا مصادر اعلامية إسرائيلية وأمريكية أن بعض المنظمات والمؤسسات الأمريكية، تقوم بجمع تبرعات لدعم المستوطنين الذي يمارسون أعمال الإرهاب ضد المدنيين الفلسطينيين، بما في ذلك المستوطنين الذين قاموا بقتل الفلسطينيين.
وقد أجرى مركز “شومريم” الإسرائيلي ووكالة أسوشيتد برس الأميركية الدولية، تحقيقا عن تبرعات تجمع من الولايات المتحدة، لصالح مؤسسة إسرائيلية تعمل على تقديم خدمات ودعم قانوني ومادي لمدانين يهود بقتل فلسطينيين، وكذلك ارتكاب جرائم جنائية بحق إسرائيليين، وبحسب صحيفة هآرتس، فإن هذه الأموال تجمع من تبرعات معافاة من الضريبة في الولايات المتحدة بموافقة رسمية من الحكومة الأميركية.
وأطلقت الجمعية الإسرائيلية قبل عامين حملة داخل الولايات المتحدة تحت مسمى “كلنا أسرى صهيون”، وجمعت تبرعات مالية كبيرة من الأميركيين.
ووفقا للقانون الأميركي، يحق للمانحين اقتطاع جزء من “تبرعاتهم” لهذه الجمعية من مدفوعات ضريبة الدخل، ما يعني أن الجهات الحكومية الأميركية الرسمية تدعم هذه التبرعات بطريقة غير مباشرة.
وتبين أن حنمائيل دورفمان المحامي واليد اليمنى للمتطرف إيتمار بن غفير، هو من قام بتسجيل هذه الجمعية الإسرائيلية لدى الجهات المختصة لتصبح قانونية.
ويتبين من التحقيق أن مجموعة من المستوطنين في الضفة الغربية هم من يشرفون على نشاطات الجمعية، وكان بعضهم قد تعرض لتحقيقات بارتكابهم اعتداءات بحق فلسطينيين. وتقدم هذه الجمعية الدعم لقاتل الطفل محمد أبو خضير الذي استشهد في 2 تموز/يوليو 2014، ولقاتل عائلة دوابشة، الذي أحرق المستوطنون منزلهم بتاريخ 31 يوليو/تموز عام 2015).
يذكر أن أحد مؤسسي الجمعية، هو الناشط المتطرف موشيه أورباخ، الذي أدين عام 2016، وحكم عليه بالسجن لمدة عامين، بعد كتابته وثيقة بعنوان “ممالك الكراهية”، دعا إلى أعمال عنف إرهابية ضد الفلسطينيين. واعتقل مؤسس آخر للجمعية يدعى أور شارغا، عام 2021، للاشتباه في قيامه بمهاجمة وإصابة فلسطينيين بمسدس.
وفي شهر كانون الأول/ ديسمبر 2015 ذكر تحقيق لصحيفة “هآرتس” نُشرته الصحيفة، أن جهات مانحة أمريكية خاصة، قامت بضخ أكثر من 220 مليون دولار في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، في السنوات الأخيرة عبر تبرعات معفاة من الضرائب، بشكل يدعم فعليا سياسة تعارضها الإدارات الأمريكية منذ عقود. وكشف التقرير أن 50 منظمة أمريكية تقدمت بتبرعات معفاة من الضرائب من قبل أفراد للمستوطنات. وذهبت هذه الأموال لشراء عقارات ووسائل راحة منزلية ولدعم أسر متطرفين يهود مدانين. وقالت الصحيفة إن الأموال المعفاة من الضرائب تعني أن الحكومة الأمريكية تدعم بشكل غير مباشر حركة الاستيطان الإسرائيلية.
وأشارت تقارير أخرى أن بعض المنظمات التي تجند الأموال لمشاريع في مستوطنات الضفة الغربية جمعت إيرادات إجمالية قدرها 281 مليون دولار بين 2009 و2013، وتم تحويل 224 مليون دولار مباشرة إلى المستوطنات عبر مؤسسات غير ربحية إسرائيلية. وتضمنت المنظمات التي تحدثت عنها “هآرتس”: “الصندوق المركزي لإسرائيل”، الذي يدعم المؤسسات الإستيطانية؛ و”هونينو”، التي تقدم الدعم لأسر متطرفين يهود؛ و”صندوق الخليل”، الذي يمول مشاريعا استيطانية في الخليل. وفي عام 2013، قدمت منظمة “هونينو” وهي منظمة غير ربحية توفر الاستشارة القانونية لمستوطنين ونشطاء اليمين – منحة لأسرة عامي بوبر، الذي قتل سبعة عمال فلسطينيين في 1990. وقامت هذه المنظمة أيضا بتخصيص أموال لأعضاء خلية “بات عاين”، التي حاولت تفجير قنبلة في مدرسة للبنات في القدس الشرقية عام 2002.
وذكرت التقرير أن بعض هذه الأموال أُنفقت على دفع راتب قيادي المستوطنين مناحيم ليفني، الذي تم سجنه لصلته بأنشطة في مجموعة رديكالية يهودية قامت بتنفيذ هجمات ضد فلسطينيين في سنوات الـ -80. وجاء في التقرير أيضا أن الأموال ذهبت كذلك إلى شراء مبان في الضفة الغربية والقدس الشرقية، ولتحسين ظروف المستوطنين اليهود المعيشية.
التبرعات للمنظمات غير الحكومية معفاة من الضرائب على الرغم من أن الحكومة الأمريكية تعتبر المستوطنات غير قانونية، وهنا يتجلى ازدواجية المواقف الأمريكية والتي تصب في النهاية في دعم حكومة الاحتلال والاستيطان والمستوطنين، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.