بعد ترحيله القسري.. صلاح الحموري يمتعض الموقف الفلسطيني والفرنسي تجاه قضيته

بعد أربعة أيام على ترحيله قسراً من فلسطين إلى فرنسا، يوم الأحد الماضي، يتحدث الأسير الفلسطيني المحرر المحامي صلاح الحموري من منفاه ، عن قساوة تلك اللحظات، مبدياً امتعاضه من الموقفين الرسميين الفلسطيني والفرنسي.

مرحلة نضالية جديدة في فرنسا
الحموري، الذي كان مدافعاً شرساً عن حقوق شعبه وهو داخل وطنه، تنتظره ملامح معركة نضالية مستمرة في منفاه، ولن يتبدل دوره في الكفاح دفاعاً عن قضيته الوطنية، إذ يقول في حديث عبر الهاتف مع صحيفة “العربي الجديد”: “الشيء الحتمي والأكيد بالنسبة لي هو أنني انتقلت إلى مرحلة نضالية أخرى في مواجهة الاحتلال”، ويتابع: “صحيح أنني خرجت من الجبهة الأمامية في مقارعة الاحتلال بأرض الوطن، لكنني سأكون في موقع أستطيع فيه دعم نضال شعبي ومواجهة الاحتلال في ساحتي الخارجية، ساحة لا تقل أهمية عن ساحة الداخل، ولذا يجب العمل عليها والنهوض بها من أجل محاصرة الاحتلال في كل مكان”.

الموقفان الرسميان الفلسطيني والفرنسي 
لا يخفي الحموري امتعاضه وأسفه وغضبه من الموقفين الفلسطيني والفرنسي الرسميين تجاه قضيته، ويقول “إن الموقف الفلسطيني اكتفى بالتنديد، أما الفرنسي فمتواطئ ومتآمر، رغم أنني أعد مواطناً فرنسياً وكان أولى بالحكومة الفرنسية أن تمارس ضغوطاً على الاحتلال لمنع ترحيلي”.

 

ويضيف الحموري “للأسف، الموقف الفلسطيني الرسمي لم يتجاوز حد الإدانة، وكان المطلوب من القيادة الرسمية أن تخرج ما تبقى في جعبتها من أدوات ضغط على الاحتلال لأن الموضوع لا يتعلق بشخص صلاح الحموري، بل هي سياسة إذا تم تمريرها بشخص صلاح فسيكون شعبنا عرضة لهذه السياسة وضحية لها، وبالتالي المطلوب من السلطة الفلسطينية موقف رسمي يترجم على الأرض بمجموعة قرارات تضغط على الاحتلال”.

أما بالنسبة للموقف الفرنسي الرسمي، فيقول عنه: “للأسف الحكومة الفرنسية لم تقم بدورها بشكل كامل. لقد تواطأت في مجال معين مع الاحتلال ولم تقم بدورها، وحتى هذا اليوم لم يتعد الموقف الإدانة الرسمية من الخارجية الفرنسية، وفرنسا للأسف مستمرة في تعاملها مع الاحتلال كدولة فوق القانون الدولي، وبالتالي إسرائيل لا تأبه بالإنذارات أو الإدانات الموجهة لها هنا وهناك، وإذا لم تنتقل خطوة إلى الأمام باتجاه معاقبة الاحتلال وفرض العقوبات عليه، فإن هذا الاحتلال لن يتراجع عن سياساته”.

لحظات قاسية
بعد مرور أربعة أيام على ترحيله قسراً من فلسطين إلى فرنسا، يسرد الحموري، لـ”العربي الجديد”، بألم مشاعره الصعبة والقاسية وهو يغادر ردهات سجنه مودعاً رفاقاً وإخوة، ومودعاً وطناً يسكنه حتى وهو بعيد عنه، ويقول: “لا يمكن أن تصف مشاعرك في تلك اللحظات القاسية، مشاعر صعبة جداً أن تنتزع من وطنك، كنت في المزارات الأخيرة أسترق النظر من خلال شباك الحديد على الوطن الذي ما تخيّلت يوماً أن أغادره قسراً وقهراً ولا أدري متى أعود إليه وأراه… كانت في المحصلة لحظات صعبة ولحظات ألم، ولحظات ضيق شديد”.

عائلتي لم تبلغ بالقرار، لقد علمت به من قبل المحامي، وغادرت وطني دون أحظى بلقاء عائلتي لوداعها

ويتابع “ودّعت خلالها كل الشباب الذين كانوا معي في سجن هداريم، وفي هذا السجن تشاركت معهم كل اللحظات. كان الوداع مؤثراً وصعباً عليّ وعلى رفاقي وإخوتي وقد تركتهم خلفي في السجن بينما أنا أغادر إلى سجن الغربة والنفي”.

ولم يبلغ صلاح بقرار ترحيله في ساعة متأخرة من الليل فحسب، بل كان ذلك، كما يقول، “في اللحظة ذاتها التي تم ترحيلي بها، وكانت الساعة تقارب الحادية عشرة والنصف؛ حضر أحد ضباط الاحتلال وقال لي سيتم ترحيلك نهائياً”.

ولم تعلم عائلة صلاح بترحيل نجلها لتودعه وتلتقي به اللقاء الأخير على أرض الوطن، إذ يقول: “عائلتي لم تبلغ بالقرار، لقد علمت به من قبل المحامي، وغادرت وطني دون أحظى بلقاء عائلتي لوداعها، ولك أن تدرك كم كان موجعاً ذلك”.

حين وصل صلاح إلى فرنسا بطائرة خاصة، كانت حشود من المتضامنين والمساندين، وعلى رأسهم زوجته الفرنسية التي كانت قد أبعدت من قبل في انتظاره. “كان الاستقبال حاشداً ومليئاً بالدفء وبمشاعر التضامن الإنسانية، حاول الناس من خلالها إعطائي ما يستطيعون من الأمل والإرادة، لكن تبقى الغصة موجودة، غصة إخراجي من وطني”، يقول صلاح.

لم يفاجأ الحموري بكلام وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال الإسرائيلية أيليت شاكيد والتي تباهت بقرار ترحيله ووصفته بـ”الإرهابي”.

يقول الحموري: “نحن اعتدنا على هذا الاحتلال، وشاكيد ركن أساس من منظومته، وهذا الاحتلال قبل كل انتخابات يعتاش على دماء الفلسطينيين، بالتالي شاكيد تحاول من خلال ملف صلاح الحموري أن تستعطف اليمين المتطرف وأن تكسب أصواته حفاظاً على مستقبلها السياسي، وهذا جزء من سياسة الاحتلال العنصرية تجاه أهل القدس وتجاه شعبنا بشكل عام”.

ويضيف: “كانت شاكيد قد دعت خلال العدوان على قطاع غزة قبل سنوات لقتل الأمهات الفلسطينيات اللواتي ينجبن ثعابين، على حد تعبيرها، الاحتلال منذ العام 1948 وحتى الآن يقتل النساء الفلسطينيات وهن حوامل، كما يقتل الأطفال مثلما حدث بمجزرة الطنطورة وما زال يقتل حتى اليوم، وما تقوم به شاكيد في القدس من تطهير عرقي إنما هو امتداد للسياسة التي رسمها بن غوريون وغيره، وبالتالي نحن لا نفاجأ بهذه السياسة ومن رموز الاحتلال”.

بالنسبة للحموري، فالرد الوحيد على شاكيد في هذه المرحلة هو “أينما وجدنا سنكون مشروع مقاومة، بالنسبة لنا فلسطين هي قضية وليست جغرافيا، وفي النهاية أنا أعلم أن النفي هو جزء من استراتيجية الاحتلال، لكننا أيضاً كشعب فلسطيني نمتلك استراتيجية نضالية للضغط على الاحتلال من أجل انتزاع حقوق شعبنا الوطنية والتاريخية”.

رسالته إلى عائلته وشعبه
يوجه الحموري من منفاه بالخارج رسالة مؤثرة إلى عائلته وشعبه، يقول فيها: “ما زلت أعيش حالة من مشاعر التأثر العالية نتيجة البعد والاقتلاع الذي حصل. لقد اعتدت بعد خروجي من كل اعتقال أن أذهب إلى منزل عائلتي وأجالسهم، لكن هذه المرة ما حدث كان انتزاعاً شاقاً وصعباً ومتعباً، انتزاع غير إنساني هذا البعد عن الأهل، مشاعر مركبة معقدة تصعب ترجمتها بكلمات”، ويتابع: “أما رسالتي لشعبي، فمفادها بأن لا أحد في الكون يستطيع أن يقتلع فلسطين من قلوبنا أو عقولنا، هي باقية ما بقينا نتنفس، وسنستمر في النضال والمقاومة ضد هذا الاحتلال بقدر ما نستطيع، لأنه يجب علينا أن نكون جيل التحرير لنخفف عن أجيالنا القادمة عبء هذا الاحتلال البغيض”.