بإبعادها الحموري.. “إسرائيل” تحذر المقدسيين

هآرتس- بقلم عميرة هاس      إسرائيل بطردها للمحامي صلاح الحموري أمس إلى فرنسا (أحد مواليد القدس وابن عائلة مقدسية) فإنها تحذر فعلياً جميع الفلسطينيين من سكان المدينة، في الحاضر والمستقبل، بأنهم إذا لم يطيعوا ويصمتوا ويخضعوا فسيتم سحب مكانة المقيم الدائم منهم التي يتمتعون بها. حالة الحموري الذي تم طرده بتعليمات من وزيرة الداخلية آيلت شكيد، تدل على أن إسرائيل تشعر بأمان كاف لتطوير تكنيكها في الإخضاع والقمع، وأن الاحتجاجات الدبلوماسية (فرنسا في هذه الحالة) لا تؤثر عليها.

بالصدفة، كون الحموري يحمل الجنسية الفرنسية، فقد كان بالإمكان طرده إلى خارج حدود الدولة. مقدسيون آخرون سيتم سحب إقامتهم، سيكون بالإمكان طردهم من بيوتهم هم وعائلاتهم إلى أحد جيوب الضفة الغربية كما تم طرد ثلاثة أعضاء في البرلمان الفلسطيني سابقاً من قائمة حماس ووزير سابق في حكومة إسماعيل هنية. وقد يتم الطرد أيضاً إلى قطاع غزة، الذي تستخدمه إسرائيل كمستعمرة للعقاب حتى منذ الانتفاضة الثانية. أو ربما يبقونهم في القدس، ولكن بدون حقوق الإقامة الأساسية (لا سيما العلاج والتعليم)، الأمر الذي سيؤثر بشكل سيئ حتى على أبناء عائلاتهم.

لقد سبق عملية الطرد سحب إقامة الحموري الدائمة قبل سنة تقريباً، طبقاً لتعديل في القانون من آذار 2018 الذي يسمح بسحب الإقامة بسبب “خرق الأمانة لدولة إسرائيل”. وما يقف في أساس هذا التعديل هو تطبيق “قانون الدخول إلى إسرائيل” على الفلسطينيين مواليد القدس، الذين عاشت عائلاتهم فيها لفترة طويلة قبل إقامة دولة إسرائيل. هذه هي الفضيحة الحقيقية. إسرائيل في نهاية المطاف هي التي “دخلت إليهم” وليس هم الذين دخلوا إليها. مع ذلك، الإطار القانوني الذي تم تشكيله لضم واستيعاب وتحمل وجود الفلسطينيين في شرقي القدس عند ضمها لإسرائيل هو قانون مكيف لغير اليهود، مواطني دولة أخرى، الذين اختاروا الهجرة إلى إسرائيل والذين لا يسري عليهم قانون العودة. أي أنه مسموح لهم التواجد في إسرائيل بفضل بادرة حسن نية سخية منها. إقامتهم مؤقتة وتنتهي في اللحظة التي يمكثون فيها بضع سنوات في الخارج، الأمر الذي يدل على أنهم اختاروا مغادرة إسرائيل.

قاضي المحكمة العليا أهارون براك، هو الشخص الذي سهل على الدولة تعاملها مع الفلسطينيين في القدس على اعتبار أنهم مهاجرون، ومقيمون مشروطون ومؤقتون فعلياً، وأن وجودهم في بيوتهم إنما هو فضل وليس حقاً. في 1988 حكم بأن الدولة مخولة بطرد الدكتور مبارك عوض من البلاد، الذي ولد في القدس في 1943. وعند احتلال المدينة في 1967 حصل على بطاقة هوية شخصية كمقيم. وقد سافر للدراسة في الخارج، وخلال سنوات كان على الخط بين الولايات المتحدة والقدس. عشية الانتفاضة الأولى، بدأ بمضايقة إسرائيل في برنامجه للعصيان المدني غير العنيف ضد الاحتلال. وقد تقرر طرده. وعندما قدم التماساً للمحكمة العليا، وفر القاضي براك للدولة الإطار القانوني: مكانة مقيم لسكان شرقي القدس، قال براك، ينظمها قانون الدخول إلى إسرائيل، حتى لو لم يتم قول ذلك بصراحة في 1967، وأعطى لسكان شرقي القدس الفلسطينيين تصاريح للإقامة الدائمة في إسرائيل. القانون يخول وزير الداخلية أيضاً بوضع شروط في تصريح الإقامة الدائمة. ومن هنا بات القفز إلى شروط الحفاظ على الإخلاص أمراً سهلاً.

استناداً إلى هذه التفسيرات القانونية، حرمت إسرائيل إقامة نحو 13 ألف من المقيمين المقدسيين، لا سيما من العام 1995 فصاعداً، بذريعة أن مركز حياتهم لم يعد في القدس، بل في الخارج (أو الضفة الغربية). ثمة التماسات كثيرة قدمت للمحكمة العليا على مدى سنوات ضد سحب مكانة القيم وأدت إلى تسرب معين للحقيقة؛ أن الفلسطينيين المقدسيين هم سكان أصليون ولهم حقوق، ويجب عدم معاملتهم كمهاجرين. ما زالت إسرائيل تلغي مكانة المواطنة لفلسطينيين مقدسيين بسبب وجودهم فترة طويلة في الخارج، ولكن ليس لمن يعيشون في رام الله أو بيت لحم. في أيلول 2017 أمرت المحكمة العليا بإبطال إلغاء الإقامة لأعضاء البرلمان الفلسطيني والوزير السابق، الذين ذكرتُ أسماءهم آنفاً. وفي الوقت نفسه، أشارت المحكمة العليا للحكومة بأنه إذا تم تعديل القانون وفقاً لذلك، فسيكون بالإمكان سحب هذه الإقامة في المستقبل على خلفية “خرق الإخلاص” للدولة. وبعد سنة تقريباً تم تعديل القانون وفقاً لذلك.

تعريف “خرق الأمانة” واسع جداً وضبابي وعام، بحيث يمكن لـ”الشاباك” ووزارة الداخلية جعله يشمل كل فلسطيني مقدسي يريدونه. حسب تعديل القانون، يمكن لكل بند في القائمة التالية أن يشكل خرقاً للأمانة: عمل إرهابي، ومساعدة أو دعوة للإرهاب، ومشاركة نشطة في منظمة إرهابية أو تنظيم إرهابي علني، وخيانة أو تجسس خطير. الذين يحددون ما هو الإرهاب أو الخيانة هم أعضاء الكنيست و”الشاباك” ولوبي الاحتلال على أنواعهم، أي ممثلو الدولة التي تتحكم بالفلسطينيين ضد إرادتهم، والتي حولت مدينتهم إلى جيب مفصول عن كل الأراضي الفلسطينية، وأفقرتهم وصادرت أراضيهم وجزأتهم من خلال مستوطنات يهودية معادية.

تعريف “خرق الأمانة” هو أحد أقارب تعريف “خطير على أمن الدولة”، الذي يسمح بالاعتقال الإداري بدون لائحة اتهام وبدون اتهامات واضحة وبدون احترام لحقوق المتهم في الدفاع عن نفسه. أدين الحموري حقا في السابق عندما كان عمره 20 سنة، وحكم عليه سبع سنوات سجناً عن دوره في التخطيط لقتل الحاخام عوفاديا يوسيف. منذ إطلاق سراحه في 2011 عندما بدأ بدراسة الحقوق، وبعد ذلك عمل كمحام في منظمة الدفاع عن الأسرى “الضمير”، وتم وضعه مرات كثيرة في الاعتقال الإداري. دخل السجن وخرج منه، وبالعكس، دون أن تنجح الدولة في صياغة لائحة اتهام واحدة ضده. حتى إن زرع برنامج بيغاسوس في هاتفه المحمول، الذي نشرت عنه ثلاث هيئات دولية والتي قامت بفحص هاتفه، لم يثمر أي تهمة يمكن محاكمته عليها، أو أي أساس يشكل دليلاً للادعاء ضده.

الضبابية متعمدة، سواء في تعريف “خطر على أمن المنطقة” الذي يؤدي إلى الاعتقال الإداري أو “خيانة الأمانة” الذي يؤدي إلى إلغاء المواطنة. الضبابية قد تردع أشخاصاً حتى يتنازلوا عن أي نشاط وأي تنظيم سياسي، وحتى عن الاحتكاك مع أشخاص آخرين، كي لا يعتبر هذا الأمر كمقاومة للحكم الذي فرض عليهم.