بقلم: د. هاني العقاد
صعود الفاشيين في دولة الاحتلال خلال الانتخابات الخامسة والعشرين للكنيست مع اليمين المتطرف لم يأت صدفة ولا خارج الحسابات الصهيونية ,ولا خارج أي حسابات استراتيجية لدولة الاحتلال التي يخطط لها لمائة عام قادم من قبل القوى الصهيونية المركزية ليهود العالم ,ترسم خارطة الوجود اليهودي بالمنطقة بشكل عام وتحدد الاستراتيجيات وتختار التكتيكات الصهيونية لتمكين اليهود من السيطرة على كل فلسطين بمدنها ومقدساتها الإسلامية والمسيحية لما ما لديهم من قناعة ان فلسطين ارض اجدادهم وابائهم لا حق للفلسطينيين بالتواجد على ترابها ويعتبروا الفلسطينيين ليسوا اكثر من جماعات احتلت بلادهم من قديم الزمان وبالتالي حقهم في دولة يهودية دينية خالصة القومية مسالة وقت وستاتي بخطوات تنفيذية صامتة وهادئة للقضاء على الوجود الفلسطيني دون النظر لديانتهم. صعود الفاشيين يعني ان مفاصل الدولة ستكون في ايدي المستوطنين وبالتالي ستكون لهم الأغلبية في الحكومة وان حاول نتنياهو خلق توازن ما في حكومته فانه لن يتمكن وهذه التوازنات ليست أكثر من اصوات يريد نتنياهو من خلالها تشكيل غطاء اعلامي ليس أكثر لفاشية حكومته التي بدا العالم يتخوف من مركباتها كثيرا لكونها حكومة ترفض التعاطي مع أي مبادرات سلام ولا تقبل بالعيش المشترك مع الفلسطينيين في دولتين متجاورتين.
ادرك نتنياهو انه لا مناص من الاتفاق مع الكتلة الدينية الا ان إصرار (سموترتش )على تولي حقيبة الجيش جعله يذهب للاتفاق مع القوة الصهيونية أولاً وزعيمها( ايتمار بن غفير) , هذا الاتفاق الخطير الذي وقع لتشكيل ائتلاف حاكم منح بموجبه حزب (بن غفير ) اربع وزارات ,وزارة الامن ووزارة الاقتصاد ووزارة التراث ووزارة تطوير النقب والجليل بالإضافة للجنة الامن الداخلي في الكنيست اخطر هذه الوزارات وزارة الامن بصلاحيات واسعة أي وزارة الامن القومي والتي من خلالها ستمارس هذه الحكومة مزيدا من القمع والعنصرية والتهويد والاستيطان ما سيدمر أي امل في أي عملية سلام قادمة في المنطقة وقد يلهب المنطقة باسرها مما قد يفجر مواجهة دامية تستمر طويلا . الاتفاق الثاني جاء مع (سموترتش) زعيم الصهيونية الدينة و(اريه درعي) زعيم شاس بعد ان اقنعهما نتنياهو بالحصول على وزارات لنصف المدة حتى 2025 ثم تولي وزرات اخرى لنصف المدة الثانية ويدور الحديث الان عن تولي( سموترتيش واريه درعي) وزارتي الداخلية والمالية بالتناوب وهذا ينسحب على وزارتي الهجرة والمواصلات بين الليكود من طرف وشاس من طرف اخر .
إذا ما اعدنا قراءة المشهد جيداً خلال حكومات نتنياهو السابقة فأننا نستخلص ان نتنياهو هو من اوصل الحالة في تل ابيب لهذه الفاشية، مدارس دينية تعلم مناهج تبنى على أساس الكراهية للمسلمين العرب في فلسطين وتزرع في اذهان الشبان الصهاينة أفكارا ومعتقدات فاشية تبنى على أساس ان العرب احتلوا ارضهم وبيوتهم وطردوا اجدادهم لذلك فان “الموت للعرب ” هو شعارهم وهو اقل ما يضمره هؤلاء الفاشيين للفلسطينيين . لقد تحولت دولة الاحتلال خلال عقد ونيف من الزمان الى كيان فاشي بالرغم من تولي بعض اليمنيين الحكم مثل( نفتالي بينت) الذي تقاسم فترة تولية رئاسة الوزراء مع (يائير لابيد) لكن في فترة حكمهما كانت هناك مسيرة الاعلام العام الماضي تحمل في دلالاتها الكثير فيبدو ان الكل في دولة الاحتلال بات محكوما بتوجهات وأفكار ومعتقدات بهذه القوى الكبيرة التي وجودها يعني نشوب حرب دينية واسعة تبدأ من فلسطين وتنتهي في فلسطين , مسيرة الاعلام الصهيونية نقلت لنا دلالات أهمها تربية النشء اليهودي في فلسطين على الكراهية الدينية والقومية والعنصرية العرقية التي ساهمت في تحويل المجمع اليهودي الى مجتمع عنصري يعتبر قتل الفلسطينيين احد اركان العقيدة اليهودية .
سترتبك المنطقة بكل مكوناتها السياسية من ابرم “اتفاق ابراهام ” مع دولة الاحتلال , من طبع ومن لم يطبع لان التطرف القادم لن يعجبه حتى اتفاقات التطبيع مع بعض العرب التي اثبتت فشلها بأكثر من محفل مع ان هذه سياسة نتنياهو التي يعتقد انها الطريقة الوحيدة للتهرب من استحقاقات أي عملية سياسية مع الفلسطينيين تأتي في اطار صفقة صديقة ترامب ” صفقة العصر” . ان معيار الاستقرار في المنطقة وتقدم نتنياهو بمزيد من اتفاقات التطبيع مرتبط ارتباط وثيق الصلة بالهدوء والاستقرار على الساحة الفلسطينية واعتقد ان سياسات حكومة نتنياهو السادسة لن تحقق الاستقرار ولن يقبل وزراؤها بوقف الاستيطان والتهويد والضم وفرض القانون الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية بالضفة الغربية ,ولن يقبل وزراؤها وقف اقتحامات المسجد الأقصى في ظل مخططات التطرف التي يعلنوها على الملاء بخلاف الوعودات اليومية بتنفيذ اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى وإدخال الشمعدان اليهودي ( الحانوكا) الى باحاته واداء صلوات تلموديه يتخللها السجود العظيم بالإضافة الى تغير تعليمات اطلاق النار على الفلسطينيين واطلاق يد جيش الاحتلال العاملة في الضفة والقدس بأطلاق النار لمجرد الاشتباه ورمي الحجارة.
تدنيس الأقصى وإطلاق النار على المصليين ومنع الوصول الى باحاته من شانه ان يشعل المنطقة الا ان اطلاق ايدي التنظيمات المتطرفة التي تكونت من المستوطنين بدعم من قادة الكتلة الدينية يعني تمكينهم من تنفيذ هجمات مسلحة وخطيرة بحق الفلسطينيين في المناطق المجاورة لمستوطناتهم وخاصة ان جميعهم يمتلكون أسلحة نارية رشاشة , كل هذا سيقابله الفلسطينيين بمزيد من ردات الفعل الشعبية والعشوائية بالإضافة لتنفيذ عمليات فدائية منظمة لصد تلك الهجمات وحماية المدن والقري الفلسطينية , كما ستكثر الدعوات لحماية المسجد الأقصى من اقتحامات المستوطنين المتطرفين ما قد يتسبب في اشتباكات دامية بين هؤلاء المتطرفين والجماهير الفلسطينية التي ترابط بالمسجد الأقصى كل هذا سوف يهيئ المشهد لمزيد من المواجهات التي قد تتحول في اية لحظة لحرب دينية متطرفة تكبر نارها لتشمل مناطق اخري من العالم.