“هآرتس” تفسّر ما الذي يميّز “عرين الأسود”

 رونيت روزين، من جامعة حيفا، والخبيرة بالشؤون الفلسطينية، أكدت تحذيراتها من الأوهام، وقالت إنه عندما اندلعت ثورات “الربيع العربي” هتف الشباب العرب تجاه رجال الشرطة: “شكراً لأنكم تطلقون النار علينا، شكراً لأنكم تحررون جيلاً كاملاً، لن يخاف مرة أُخرى”، “أيتها الحكومة، جاء دورك لتخافي منا”. هكذا، منذ تلك اللحظة حدث انقلاب في قواعد الطاعة: السلطة التي خوّفت وطاردت وأخجلت وأهانت الجماهير مدعوة، الآن، للخوف منها، والخجل، وتحمّل المسؤولية عن أفعالها.

وتقول أيضاً إنه في خطاب المقاومة الفلسطينية تظهر، الآن، الرغبة في إحداث انقلاب مشابه في معايير الطاعة: الشباب الفلسطينيون في مخيمات اللاجئين في نابلس وجنين وشعفاط يقومون بإرسال رسالة للسلطة الفلسطينية ولإسرائيل تفيد بأنهم لم يعودوا بعد الآن شباباً سلبيين وخاضعين، مطلوبين ومطاردين من قبل الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، بل أصبحوا شبابا فعالين ومنتصبي القامة، ويطلبون ويلاحقون جنود الجيش الإسرائيلي والمستوطنين.

وتتابع، في تحليل نشرته “هآرتس”: “الغضب من الآباء الثلاثة، البيولوجي والسياسي وزوج الأم الإسرائيلي، الذين ينشغلون، حسب رأيهم، في الحفاظ على بقاء السلطة الأبوية والحكم السياسي، من خلال تجاهل احتياجاتهم المادية والعاطفية والاستمرار في قمعهم، كل ذلك أدى إلى تحطيم حاجز الخوف والتمرد والبحث لأنفسهم عن شخصية أب بديلة. هم يبحثون عن شخصية تساعدهم في محو المشهد الفلسطيني الذي يوجد في مركزه بطل مهزوم وإرثه التاريخي مليء بالإخفاقات، النكبة (1948)، النكسة (1967)، موت الأب الأسطوري ياسر عرفات (2004)، تفكك العائلة الوطنية (2007)، فقدان الإخوة العرب في أعقاب “الربيع العربي”، واتفاقات التطبيع مع إسرائيل”.

 

 

 وتوضح روزين أن الشباب المسلحين في مجموعات “عرين الأسود” و”عش النسور” في مخيمات اللاجئين يريدون التخلص من اللامبالاة التي سيطرت على المدن والفصائل السياسية التقليدية وعلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي، حسب قولهم، تنازلت جميعها عن الكفاح المسلح مقابل أمور تافهة. منوهة بأنهم يطلبون منهم الانضمام إليهم من أجل تعيين قيادة نزيهة تحل محل القيادة العجوز، كي تدافع عنهم أمام الجيش والمستوطنين، وأن تهتم بكسب رزقهم بكرامة، وأيضاً أن تقودهم في حملة بطولية للتحرر والحرية.

وتضيف: “هم يريدون بناء نظام أخوي من السجناء السابقين وإخوة السلاح، بحيث يحل مكان النظام الأبوي الحالي للسلطة الفلسطينية، إلى حين يأتي أب وطني من سلالة جديدة، يشبه حسب قولهم شيخ المطلوبين، فتحي خازم، وهو من خريجي الأجهزة الأمنية الفلسطينية، ووالد الشهيدين رعد وعبد الرحمن، الذي قرر الانتقال من الطرف الذي يمنع الانتفاضة إلى الطرف الذي يحركها”.

وترى الباحثة الإسرائيلية روزين أن هؤلاء الشباب يختلفون عن الشباب الذين شاركوا في انتفاضة الأفراد، فهم لا يعملون بدافع اليأس، بل بدافع الأمل، وهم لا يسلمون بواقع حياتهم ويسيرون نحو موتهم كسابقيهم، بل يتحدون هذا الواقع، ويؤمنون بقدرتهم على إحداث التغيير. وتقول إن معظمهم لم يشاهدوا الانتفاضة الثانية، لكن منذ أكثر من عشر سنوات وهم يشاهدون الأحداث التي تعزز ثقتهم بالنفس وإيمانهم بقدرتهم على إحداث التغيير، ضمن أمور أخرى؛ أزمة البوابات الإلكترونية في شرقي القدس، ومسيرات العودة، والطائرات الورقية الحارقة في القطاع، ووحدات التشويش الليلي في بيتا، ومعركة “سيف القدس”، وهروب الأسرى الفلسطينيين الستة من سجن جلبوع، والمواجهات اليومية بين اليهود والفلسطينيين داخل الضفة الغربية المحتلة.

توضح روزين أن الشباب الأبطال في انتفاضة الأقصى، وإرث البطولة الذي خلفوه، شكلوا نموذجاً للتقليد، وتقول إنه حتى أن بعض شباب “عرين الأسود” اعتمدوا على الألقاب العائلية، مثلاً إبراهيم النابلسي، الذي أطلق على نفسه اسم “أبو فتحي” على اسم نايف أبو شرخ، وهو من مؤسسي “كتائب شهداء الأقصى”. وتقول أيضاً إنه حتى أن النابلسي طلب من أصدقائه إذا استشهد أن يعطوا لوالده الذي يخدم في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، الخاتم الذي وضعه في إصبعه، والذي نقش عليه لقب “أبو فتحي”.

 

 

 وتعتبر الباحثة الإسرائيلية أن موت الشهداء يتحدى النظام الأبوي الفلسطيني، وترى أنه يجب على الأمهات أن يحبسن الغضب، وأن يتفاخرن بشجاعة أولادهن، وأن يشكرن الله على هذا الفضل الذي كان من نصيبهن، وأن يشاركن في مراسم تكريم الشهداء. وتنوّه أنه في بعض الأحيان، يتم إعطاؤهن المهدئ، حتى أنه يتم إبعادهن عن جثمان الابن المتوفى دون التمكن من عناقه قبل دفنه، من أجل التأكد من أن الجنازة ستكون استعراضاً للقوة والتفاخر والكرامة، وليس بكاء هستيريا.

 وتتابع: “دعوة أعضاء عرين الأسود للأمهات: أنتن القائدات ونحن الجنود، أنتن تأمرن ونحن ننفذ، متى تردن فإن الحرب ستبدأ”، تدل على القوة العظيمة التي تكمن في الأمهات الفلسطينيات لقيادة عمليات السلام والحرب.

وتخلص الباحثة الإسرائيلية رونيت روزين للقول: “بدلاً من إغلاق “التك توك” لهذه المجموعات المسلحة، وبدلاً من أن نعتبرها حفنة تشمل بضعة أشخاص، من الجدير أن نبذل الجهود من أجل إطفاء المواد المشتعلة التي تشعل نار التمرد. ربما سيفيد هذا أكثر من إدارة حرب خاسرة ضد طواحين الهواء (الشبكات الاجتماعية) التي تنشرها”.

من جهته قال المحلل في صحيفة “هآرتس” العبرية روغل ألفير، مغرداً خارج السرب الصهيوني، إن أوساطاً إسرائيلية واسعة جداً ترى في أي عملية مقاومة فلسطينية عنيفة ضد الاحتلال إرهاباً، لأن كل مقاومة كهذه تعتبر غير شرعية. ويتابع: “يعتبر الإرهاب هنا كلمة مرادفة للشر الذي تعتبر دوافعه مرفوضة. ولد فلسطيني يرمي حجراً على جندي مسلح في الجيش الإسرائيلي يقوم بنشاطات عملياتية، يعتبر إرهابياً ويستحق القتل. لذلك، قتل نحو 100 فلسطيني في الضفة الغربية المحتلة منذ بداية السنة، من بينهم أطفال وفتيان. هو إرهابي بالنسبة ليئير لبيد وبني غانتس وإيتمار بن غفير وميراف ميخائيلي وبنيامين نتنياهو وآريه درعي، ولكنه ليس كذلك. استخدام العنف ضد جنود الجيش المحاربين في الضفة هو عمل مشروع”.