هآرتس: هذا ما يضعف الرواية الإسرائيلية أمام العالم في “مقتل” الصحافية أبو عاقلة

هآرتس – بقلم: عاموس هرئيل   الحادث الذي قتلت الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة في جنين، وهي مراسلة معروفة في قناة “الجزيرة”، هو أحد الأحداث الخطيرة في التصعيد الحالي. حيث إمكانية كامنة لتسريع استمرار العنف، على الأقل لفترة. من المؤسف أن بعض ردود شخصيات إسرائيلية كبيرة على موت الصحافية لا يدل على فهم خطورة الوضع.

أبو عاقلة مواطنة أمريكية، ومن سكان شرقي القدس، وعملت في “الجزيرة” منذ التسعينيات، وغطت النزاع مع إسرائيل. وقد كانت امرأة مهنية معروفة يحبها الكثير من الزملاء الإسرائيليين. ورغم أن جزءاً كبيراً من النشاط السياسي الفلسطينية انتقل إلى الشبكات الاجتماعية في السنوات الأخيرة إلا أن “الجزيرة” بقيت ذات مكانة خاصة كقناة تبث لكل العالم العربي. إلى جانب المأساة الشخصية، تحولت أبو عاقلة بموتها على الفور إلى رمز له أهمية مزدوجة، سواء للفلسطينيين أو للنضال من أجل حرية الصحافة. وقد كان للحادث في جنين وسيكون موجات ارتدادية، ليس فقط على الصعيد الأمني. من بين ذلك قرار “راعم” (القائمة العربية الموحدة) البقاء في الائتلاف الذي تأجل نشره. وليس مستبعداً أن ستؤثر فيه الأحداث. وليس واضحاً بعدُ كيف ستتصرف الحكومة القطرية التي تمتلك القناة.

من ساحة الحدث، نشرت حتى الآن أفلام فيديو قصيرة تظهر فيها أثناء نقلها بعد إصابتها البالغة، ثم وهي تعالج داخل سيارة. مثل زملائها، كانت ترتدي سترة واقية مكتوباً عليها بشكل واضح “صحافة”. الصحافيون الفلسطينيون الذين كانوا قربها أثناء إصابتها قالوا بثقة إنها أصيبت بنار جندي إسرائيلي، وأنه أثناء إطلاق النار لم يكن هناك أي نشاط لمسلحين فلسطينيين في المنطقة. ونشرت أفلام فيديو أخرى من الأحداث في مخيم جنين للاجئين، أظهرت إطلاق نار فلسطيني، لكن من غير الواضح أين ومتى بالضبط تم تصويرها بالنسبة لمكان الحادث.

المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي في رد سريع له نسبياً أصدره حول الحادث، قال إنه “يتم فحص إمكانية أن هناك صحافيين أصيبوا، ربما بنار مسلحين فلسطينيين. الحادث قيد الفحص”. وزير الاتصالات، يوعز هندل، وهو نفسه صحافي قديم، قال صباح أمس لموقع “إسرائيل اليوم”: “أعتقد أن الصحافية أصيبت بنار المسلحين الفلسطينيين. ومحاولة اتهام الجيش الإسرائيلي تلقائياً تنبع من رؤية مناوئة لإسرائيل وليس نتيجة تحقيق حقيقي”. هذا يبدو مثل قفزة سريعة جداً إلى النتائج التي أردنا إثباتها. وفي الخارج، هذه الردود سينظر إليها كمدخل لطمس الحقائق.

بدلاً من توزيع الاتهامات التي لا ترتكز إلى حقائق، فإن الأمر الصحيح الذي يجب فعله والذي تجنبه سواء هندل أو الجيش الإسرائيلي في ردودهم الأولية، هو التعبير عن الأسف على موت أبو عاقلة والقول بأن إسرائيل تتعامل مع الحادث بكل الجدية وأنها تنوي التحقيق في ما حدث حتى النهاية. وتملص إسرائيل بدون إثباتات يحقق نتيجة معاكسة للنتيجة المرغوبة، ويعزز الرواية الفلسطينية عن الحادث في نظر الإعلام الدولي.

أما الصعوبة الأخرى فتنبع من حقيقة أن إسرائيل لم تأت إلى هذا الحادث بأيد نظيفة تماماً؛ فخلال الأسابيع الأخيرة، تم توثيق أعمال عنف لرجال شرطة وجنود تجاه صحافيين فلسطينيين في القدس والضفة الغربية. ولم يتم في أي حادث من هذه الأحداث التعبير عن الاستعداد الحقيقي للتحقيق في هذه الأحداث أو التعامل مع رجال قوات الأمن المسؤولين عنها بصورة أساسية. هذه الظروف تضاف إلى الآثار المتبقية من عملية “حارس الأسوار” في القطاع قبل سنة بالضبط. قامت إسرائيل في حينه بقصف برج فيه وكالة أنباء معروفة وهي “آي.بي” في غزة. بدون تفكير كاف، قيل بعد العملية إن المكان يضم بنى تحتية عسكرية لحماس. وكان هناك أيضاً حادث أعطى فيه المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي تفاصيل مضللة في المؤتمر الصحافي للمراسلين الأجانب، الأمر الذي فسر كمحاولة لتجنيد صحافيين في عملية التضليل ضد حماس.

الجنود الذين يعملون في الضفة مطلوب منهم العمل في ظروف معقدة، عمليات الاعتقال تتم في حالات كثيرة في مناطق مأهولة باكتظاظ والتي يعمل فيها المسلحون في أوساط السكان المدنيين، واستغلوهم كدرع بشري. في وقت الخطر، يصعب أحياناً التمييز بين المسلح والمدني، وإن كان صحافياً يحمل علامات تشخصه. أي دخول إلى مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية مقرون بتبادل إطلاق نار شديد نسبياً، ويعرض جميع الأطراف المشاركة للخطر.

من التفاصيل الأولية حول حادث أمس، يتبين أن قوة من وحدة المستعربين “دفدفان” عملت في المكان ودخلت إلى المخيم لاعتقال عضو في الجهاد الإسلامي يشتبه بأن لديه سلاحاً. تم إطلاق النار على الجنود، وألقيت الزجاجات الحارقة عليهم، وفي المكان كان هناك تبادل لإطلاق النار. كل ذلك تفسيرات ذات علاقة، ومن المرجح أن عدداً كبيراً من الجمهور الإسرائيلي لم يكن منزعجاً حقاً من موت الصحافية الفلسطينية. ولكن من خلال فهم الحساسية السياسية والاهتمام الذي أثارته في وسائل الإعلام الدولية، فقد بدأ الجيش الإسرائيلي صباح أمس، بإجراء فحص أولي لظروف الحادث.

إسرائيل تلتزم بالحفاظ على حرية الصحافة وتجنب المس بمدنيين غير مشاركين. هذا حادث يقتضي تحقيقاً حقيقياً من خلال التعاون مع جهات تحقيق أجنبية. لا يكفي تحقيق للشرطة العسكرية هنا بإشراف النيابة العسكرية، وإلا فإن الضرر المتراكم من الحادث سيكون بعيد المدى، ولن يقتصر على التقدير المعقول بأن الغضب على قتل أبو عاقلة سيبقي النار في “المناطق” [الضفة الغربية] مشتعلة لفترة أخرى.