مشاريع “الاقتصاد الأخضر” في غزة

يجتمع صباح كل يوم أكثر من 140 مزارعاً ومزارعة داخل أرض زراعية في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، لزراعة أنواع مختلفة من المحاصيل لتوريدها إلى الأسواق المحلية وتصدير الباقي إلى إسرائيل.

ويقول منير حمدونة صاحب المزرعة: إن المشهد غاب منذ فترة طويلة عن البلدة التي تشتهر بكونها منطقة زراعية بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة.

ولجأ حمدونة (63 عاماً) إلى مبادرة زراعية تقوم على “الاقتصاد الأخضر”، التي تهدف إلى تحقيق منافع مالية وتحسين البيئة في ذات الوقت، معرباً عن سعادته برؤية المشهد بعد أعوام من التوقف.

ويعتمد الاقتصاد الأخضر على استخدام الموارد الطبيعية الصديقة للبيئة في العملية الزراعية، لتقليل النفقات، وزيادة معدل الإنتاج لضمان المزيد من الأرباح للمزارعين.

وشهد قطاع غزة على مدار السنوات، انخفاضاً ملحوظاً في عدد المزارعين بسبب الكثافة السكانية في بلدة بيت لاهيا، ما أدى إلى تآكل المناطق الزراعية لصالح البناء الحضري.

بالإضافة إلى ذلك، فرضت إسرائيل حصاراً مشدداً على القطاع في العام 2007 بعد أن استولت عليه حركة حماس بالقوة، ما منع المزارعين من الاستمرار في تصدير منتجاتهم الزراعية.

ولمدة 15 عاماً، كان يعاني حمدونة من وضع اقتصادي صعب للغاية بسبب إحجام مئات المزارعين عن العمل في مزرعته التي تبلغ 30 دونماً، وبسبب الأوضاع المعيشية الصعبة اضطر إلى بيع نسبة كبيرة من أرضه ليتمكن من إعالة أسرته، ولم يتبق له سوى سبعة دونمات يعمل بها برفقة 5 من أفراد عائلته.

ويقول حمدونة: إن “تكلفة الإنتاج كان قبل أعوام عالية جداً، بينما التسويق ضئيل، الأمر الذي أدى إلى خسائر فادحة”، مشيراً إلى أن ذلك دفع جميع أبنائه إلى التخلي عن المهنة التي ورثها عن أجداده. الآن، يزرع حمدونة العديد من المحاصيل الزراعية، بما في ذلك البندورة والخيار والفراولة والبطيخ والجوافة وغيرها، والتي تستغرق وقتاً طويلاً للزراعة والحصاد.

ويعتمد الرجل في زراعته الحديثة على الموارد الطبيعية والصديقة للبيئة، من بينها زراعة الفراولة المعلقة، وهي طريقة تشغل مساحة أقل وتتيح إنتاجاً عالياً.

ومزرعة حمدونة الواقعة في شمال غزة واحدة من مزرعتين تم إنشاؤهما حديثاً من قبل جمعية الإغاثة الزراعية الفلسطينية بتمويل ألماني بتكلفة 250 ألف دولار، بينما الثانية تقع في جنوب القطاع.

وتقول نهى الشريف مسئولة العلاقات العامة في الإغاثة الزراعية: إن “الهدف من إنشاء المزرعتين تقليل المخاطر البيئية، وتحقيق التنمية المستدامة دون أن يؤدي ذلك إلى حالة من التدهور البيئي”.

وأكدت الشريف أهمية تكثيف الجهود مع جميع الأطراف لاستكمال إنشاء المزارع النموذجية ضمن نهج الاقتصاد الأخضر، كمفهوم حديث للتنمية المستدامة يجمع بين تحقيق الاستدامة البيئية والرفاهية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

وتشير إلى أن مثل هذه المشاريع تساهم في تعزيز صمود سكان القطاع، لا سيما زيادة ربحية المزارعين وتحسين واقعهم من خلال استخدام ممارسات صديقة للبيئة.

وتتابع الشريف: إن المشروع يقوم على العديد من التدخلات الصديقة للبيئة، منها الاعتماد على الطاقة المتجددة كبديل للطاقة التي تعتمد على السولار الاصطناعي، بالإضافة إلى بناء بركة في كل مزرعة لتجميع مياه الأمطار، حيث تمثل 30% من مياه الري التي يستخدمها المزارعون على مدار العام. إلى جانب ذلك، عمل المشروع على الترويج للسياحة الزراعية، حيث تم إنشاء استراحة صغيرة معلقة فوق أغصان شجرة “الجميز” التي يزيد عمرها على 50 عاماً.

ويقول مصطفى الريفي، المهندس المشرف على المشروع: إن هذا المشروع الاستثماري يضيف إلى المشروع الزراعي، حيث يفضل المواطنون الذهاب إلى أماكن الترفيه الزراعية بدلاً من المطاعم والمقاهي المغلقة، هرباً من صخب وضجيج المدن.

ويضيف: “يمثل عائد الربح من الاستراحة حوالى 50% من إجمالي الربح في المزرعة النموذجية، حيث يفضل السائح المحلي قضاء وقته في حضن الطبيعة في جميع فصول السنة، ما يؤدي إلى استدامة ربح مالي”.

وأبدى محمد سليمان أحد المزارعين العاملين في المزرعة، سعادته بعد تمكنه من الحصول على فرصة عمل دائمة تساعده في توفير لقمة العيش لأفراد أسرته بعد أعوام من الجلوس في البيت.

ويقول سليمان (38 عاماً) وأب لأطفال: إن العمل داخل المزرعة يكسبه حوالى 100 دولار أسبوعياً وهو ما يكفي لنفقاته اليومية. وأعرب سليمان عن أمله في تنفيذ المزيد من المبادرات والمشاريع الإبداعية التي من شأنها أن تسمح لآلاف المزارعين باستعادة وظائفهم، التي توقفت بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة.