جنرالات إسرائيليون يستذكرون تفاصيل عملية “كارين إيه”

تمر في هذه الأيام الذكرى السنوية العشرين لاستيلاء سلاح البحرية الإسرائيلي على سفينة الأسلحة “كارين إيه”، التي زعم الاحتلال أنها كانت في طريقها إلى شواطئ قطاع غزة، وهي محمولة بمئات الكيلوغرامات من الأسلحة والقذائف والمتفجرات، بقرار من الرئيس الراحل ياسر عرفات، لإشعال انتفاضة الأقصى.

الكاتب الإسرائيلي سيغال بن دافيد، أجرى لقاءات مطولة  مع عدد من قادة أسطول البحرية، ممن شاركوا حينها في تلك العملية، واستمع منهم إلى انطباعاتهم عنها، واللحظات الحاسمة التي سبقت الاستيلاء على السفينة، وردود الفعل، والمخاطر التي حملتها على الأمن الإسرائيلي. 

العقيد شلومي دهان قائد القوة الإسرائيلية المهاجمة ذكر أنهم “أبحروا سرا يوما ونصف اليوم، وفي غضون سبع دقائق سيطر الجنود على السفينة، دون إطلاق رصاصة واحدة، ودون وقوع إصابات، استولوا على الطاقم، والترسانة التي تضمنت 407 صواريخ، و700 قذيفة هاون و680 قذيفة و700 قنبلة من مختلف الأنواع وبنادق قنص وصواريخ مضادة للدبابات وقذائف آر بي جي و211 لغما”.

الجنرال رام روتنبرغ قائد البحرية السابق، الذي شغل منصب قائد الأسطول آنذاك، زعم أنه “عندما رأينا ما خرج من بطن السفينة من أسلحة ومتفجرات، فهمنا الأهمية الاستراتيجية لهذه العملية، تنفسنا الصعداء، لأن الأسلحة المضبوطة لن تستخدم قبالة سواحل غزة، مع العلم أن الاستعدادات للعملية بدأت في كانون الأول/ ديسمبر 2001، وقد كنا في فترة طويلة من النشاط المكثف في الضفة الغربية بعد مرور عام على اندلاع الانتفاضة الثانية”.

ويضيف: “تلقيت بداية كانون الأول/ ديسمبر مكالمة هاتفية من جهاز المخابرات في مقر “الكيرياه”، تضمنت معلومات حساسة حول تهريب أسلحة، علمنا أين هي، وكميتها، وعدد الأشخاص المشاركين فيها.. توفر لدينا عالم كامل من التفاصيل، وخلال العشرين يومًا التي مرت بين وصول المعلومات وبدء العملية، تم إجراء مراقبة استخباراتية للسفينة، ووضع خطة تشغيلية بالتعاون والتنسيق مع القوات الجوية، حتى وصلت في مسارها إلى ميناء في اليمن، وحينها عدنا للتدريب من أجل تحديث الخطة، ورسم الاحتياجات”.

تحدثت التفاصيل الإسرائيلية عن أن قائد البحرية أراد السماح للسفينة بعبور قناة السويس، والسيطرة عليها في البحر المتوسط، بزعم أن هذا نمط عمل معروف وآمن ومستقر، ولديه خبرة كبيرة، لكنه يحمل مخاطرة تتمثل بإمكانية هروب الطاقم بأكمله، ولذلك جاء التصور العملياتي بتحقيق مفاجأة للعدو عندما يكون بعيدًا عن الهدف، ومشغولًا بالملاحة والصيانة، وغير مستعد وغير منتبه، وبهذه الطريقة يمكنك مفاجأته، فضلا عن كونه معزولا من الناحية الجغرافية، والحدود المصرية والفلسطينية ستكون بعيدة عنه.

لا يخفي الإسرائيليون أن الخطة البحرية المعدة تضمنت مخاطر كبيرة، وسيناريو محتملاً تقوم فيه السفينة بتفريغ أسلحتها في السودان، وتمر عبر قناة برية، لا يستطيعون التعامل معها، وتطلب الأمر من قائد سلاح البحرية الجنرال ديدي يعاري التعامل مع هذه السيناريوهات المختلفة، واتخاذ القرار المناسب، حيث بدأت القوات بالاستعدادات لتنفيذ العملية، مع توفر خيارين: إما الوصول للسفينة من البحر، أو عن طريق الجو، حيث تم استبعاده في البداية لأنه لم يناسب ركوب الأمواج من طائرات الهليكوبتر.

العميد درور فريدمان قائد سرية المقاتلين، ثم قائد الأسطول، ورئيس القيادة البحرية، رأى أنه “مع رفض الخيار الجوي، فقد تم التركيز في السيناريو البحري، وأثناء التدريب قررت القوات الانقسام، إحدى القوات تأتي سراً من البحر في قوارب، متشبثة بجانب السفينة، للعمل على تسلقها، وقوة أخرى جاهزة مع طائرات الهليكوبتر للتدخل في أي لحظة، والمساعدة في الاستيلاء، والتأهب لأي حالة تصادم أو انهيار للقوات، لكن التحدي تمثل بالحفاظ على عامل المفاجأة، الذي تطلب تزامنًا مثاليًا بين القوات”. 

وكان لدى القوات البحرية والجوية نافذة صغيرة مدتها 20 دقيقة، علمت منها أنه إذا لم تنفذ ما كان مخططًا لها في ذلك الوقت، فسيتعين على المروحيات العودة لإسرائيل، لأن الوقود سينفد، لذلك فقد تم إصدار الأوامر لطواقم العمل المكونة من 24 مقاتلاً بالانطلاق في قوارب من إيلات باتجاه وجهتها، وبعد يوم ونصف من الإبحار في ظلام دامس، اقتربت القوارب من السفينة، وتشبثت بجانبها، وتم رصد مراقبين على متنها، تمهيدا لأخطر لحظة وهي التسلق على ظهرها.

تزعم الرواية الإسرائيلية أن أفراد القوة دخلوا غرفة محرك السفينة، وفي غضون سبع دقائق انتهى كل شيء، تم تقييد 11 من أفراد الطاقم، والنقيب عمر عكاوي، ومرت السفينة إلى أيدي الإسرائيليين، حيث ظهرت مشكلة غير متوقعة، بعدم العثور على مخابئ الأسلحة الموجودة على متن السفينة، رغم أن رئيس أركان الجيش دان حالوتس كان على متن طائرة القيادة في ذلك الوقت، ما ولد شعورا لدى القوات بأنها ارتكبت خطأ ما، وبعد استجواب سريع لطاقم السفينة اعترف على أطنان من الأسلحة.

لعل من التبعات السياسية والعسكرية لهذه العملية رغبة الاحتلال في حينه، بقيادة أريئيل شارون بإقناع الإدارة الأمريكية بتورط السلطة الفلسطينية في تمويل وإمداد الهجمات المسلحة، ومن هناك أعطيت الإشارة لعملية السور الواقي بالضفة الغربية، التي بدأت بعد شهرين من اكتشاف السفينة كارين إيه، وبدعم من الأمريكيين. 

تبدي المحافل العسكرية الإسرائيلية قلقها في حال نجح الفلسطينيون في إيصال هذه السفينة إلى شواطئ غزة، لأن هذه الكمية من الأسلحة كانت تكفي لاستخدامها في العمليات التفجيرية، التي ستوقع عشرات القتلى ومئات الجرحى، وحينها سيظهر الأمر مختلفًا تمامًا، ما جعل تلك العملية أكثر تعقيداً، رغم أنها منحت الآلة الدبلوماسية الإسرائيلية أسلحة سياسية جديدة تعرضها أمام الولايات المتحدة تجاه عرفات، التي اتخذت قرارا بالقطيعة معه، بزعم أنه لا يمكن تحقيق التسوية معه.