يديعوت – بقلم: ناحوم برنياع كان ليئير لبيد مشكلة: لو اقترح عرض لقاء القمة في القدس، لما جاء وزراء الخارجية العرب؛ وأما لو اختار تل أبيب أو إيلات لجذب إليه نقداً من يمين يدعو إلى المظاهرات. الحل الذي وجده “سديه بوكر” يعتبر ألمعية عظمى. آمل أن يقف الوزراء في صورة مشتركة إلى جانب قبر دافيد وفولا بن غوريون، فيما يطل خلفهم مجمع تجاري عميق لـ “ناحل تسيم”. الصورة هي الرسالة: النقب، وبن غوريون، والإجماع الوطني، والمشهد الاستهلالي كله معاً، مميز لمنطقة تسعى إسرائيل للارتباط بها. من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان اللقاء تاريخياً، أما الصورة فستكون.
القمة حدث واحد، وثمة حدث لا يقل دراماتيكية وهو الصراع على الاستعداد الأمريكي لإخراج الحرس الثوري الإيراني من قائمة منظمات الإرهاب. أعلم من مصادري بأن الموضوع لم يحسم. على خلفية الاحتجاج الإسرائيلي والسعودي وانتقاد داخل الكونغرس الأمريكي، تراجع وفد المفاوضات الأمريكي تكتيكياً على الأقل، عن استعداده لتسويغ الحرس. الكرة هذه اللحظة في الملعب الإيراني. الاحتمال هو 50 في المئة. وسيكون الجواب على ما يبدو بعد نهاية عيد رأس السنة الإيراني، النيروز.
المحادثات التي جرت مع وزير الخارجية الأمريكي بلينكن أوضحت نقطة أخرى: الإدارة الأمريكية تبصم الآن بالعشرة على مكانة بينيت كوسيط في الحرب في أوكرانيا. فهو ضابط الارتباط الأفضل الذي يمثلهم في هذه اللحظة. والنقد على تملص إسرائيل من تنفيذ بعض العقوبات لا يشغل بال الإدارة؛ فهي تريد مواصلة الوساطة.
لقاءات قمة بين إسرائيل والدول السُنية كانت في الماضي، وعلى مستوى أعلى من وزراء الخارجية. في آذار 1996 انعقد في شرم الشيخ “مؤتمر صناع السلام” بهدف أساسي هو مساعدة شمعون بيرس في الانتخابات. لم يكن النجاح عظيماً. في حزيران 2003 عقدت قمة العقبة التي كان هدفها مساعدة أرئيل شارون في وقف الانتفاضة الثانية. في تشرين الثاني 2007 انعقد مؤتمر أنابوليس الذي كان هدفه إعطاء ريح إسناد للمفاوضات بين إيهود أولمرت وأبو مازن.
في اللقاءات الثلاثة كان لرؤساء الولايات المتحدة دور مركزي: في الأول لكلينتون، وفي الثاني والثالث لبوش؛ وفي ثلاثتها أدى النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني دوراً مركزياً؛ ثلاثتها عقدت خارج إسرائيل. وكان قد اجتمع ملوك ورؤساء على أرض إسرائيل معاً، علناً، في الجنازات فقط – أولاً رابين، بعد ذلك بيرس.
هذه إحدى البشائر الإيجابية للقاء اليوم: إسرائيل ليست عشيقة وليست ضيفة للحظة؛ فقد رفع مستواها إلى مكانة شريك علني. لم يعد قبولها مشروطاً برعاية أمريكية. العكس هو الصحيح: وزير الخارجية الأمريكي هو ضيفها.
وثمة بشرى إيجابية إضافية، وهي قرار الرئيس المصري السيسي لضم وزير خارجيته سامح حسن شكري إلى اللقاء. تسعى مصر للانضمام إلى مسيرة أصلها في اتفاقات إبراهيم. هذا مهم لها لاعتبارات اقتصادية؛ فهي عطشى لاستثمارات الإمارات وإسرائيل في الاقتصاد المصري، وكذا لاعتبارات أمنية وسياسية. صحيح أن اتفاق السلام مع مصر قائم منذ 43 سنة، لكن اتفاق التطبيع مع دول الخليج يبث فيه حياة جديدة.
هذه البشائر الإيجابية ولدت من بشائر أقل إيجابية: أولاً الاتفاق المتحقق مع إيران. وثانياً، ابتعاد أمريكا عن المنطقة والخوف من إيران نووية، ولا يقل عن هذا تحرر إيران من العقوبات، فتغدو قوية بالمال، مشجعة للإرهاب، وهذا ما يقرب الدول السُنية لإسرائيل. لن تعطي إسرائيل ما يمكن لأمريكا أن تعطيه، ولكنها الدولة الأقوى في الجبهة المناهضة لإيران، هي جسر للكونغرس وللرأي العام في أمريكا، وأساساً – هي تريد وتستطيع المس بإيران عسكرياً.
وستنضم لهذه الخطوة في النهاية، بهذه الطريقة أو تلك، كل من السعودية والأردن. ليس صدفة أن سارعت حكومة إسرائيل لشجب هجمة الصواريخ الأخيرة على السعودية، وعمل الحوثيين في اليمن. بالنسبة للأردن، يوجد في هذه اللحظة توتر بين الملك عبد الله وحكومة بينيت – لبيد. يدعي الجانب الإسرائيلي بأن الملك بالغ في التوقعات. زيارته لأبو مازن أمس لم تجدد العلاقات: رام الله وقفت حيال “سديه بوكر”، كمعارضة له.
انخرطت الأزمة بين غانتس ولبيد إلى هذه القصة غير المريحة. فغانتس أراد الانضمام إلى لقاء رام الله، ولبيد استخدم الفيتو. وبينيت انضم إلى لبيد. هذه مواجهة انضمت إلى المواجهة الزائدة، بل وحتى ربما الصبيانية، حول سفر بينيت وغانتس، كل بمفرده، إلى الهند. في دولة سليمة يفترض بغانتس أن يكون اليوم في “سديه بوكر”، للبحث في تنظيم الأمور ضد إيران وفي جوانب أمنية أخرى للعلاقات مع الدول السنية. ولكنه لن يكون.
لم يُدعَ الفلسطينيون إلى “سديه بوكر”، ولن يكونوا نجماً في جدول الأعمال. من ناحية بينيت ولبيد، هذه بشرى طيبة. ولكن مثلما تعرفنا أمس، فإن للمسألة الفلسطينية طريقاً خاصة بها، طريقاً عنيفاً بشكل عام، لفرض نفسها على الواقع. هم ليسوا على الطاولة، ولكنهم في الخضيرة وبئر السبع والقدس. الإرهاب جزء من الشرق الأوسط تماماً كما هو الحال لمشهد رائع لـ”ناحل تسين”.