يديعوت- بقلم: ناحوم برنياع – “ليس علينا سوى نكل الباب وسينهار المبنى العفن”، هذه الجملة القاطعة لم يقلها بوتين، بل قالها هتلر عشية الغزو الألماني لروسيا في حزيران 1941. بوتين ليس هتلر، لكنه مثله، عانى من تفاؤل زائد حين قرر غزو أرض جيرانه. يعيش الدكتاتوريون في عالمهم الخاص، تحيطهم عبادة شخصيتهم، والخوف والتزلف. الاحتقار الذي يشعرون به تجاه الجميع يشوش فهمهم الاستراتيجي.
ولكن روسيا قوة عظمى، وأوقاتها في يديها. لا توجد قوة عسكرية تهددها، لا في أوكرانيا ولا في ساحات أخرى. في ثماني أيام القتال في أوكرانيا، رأينا مواطنين يحاولون وقف الدبابات بأجسادهم، رأينا مجنزرات محروقة هنا وهناك، لكننا لم نرَ مواجهة عسكرية واحدة. الروس يتقدمون ببطء أكثر مما أملوا، لكنهم يتقدمون. وادعاءات أوكرانيا بـ 5 آلاف جندي روسي قتيل فيها مبالغة منفلتة العقال، وجزء من حملة دعائية. وكذا نفترض بالنسبة للأعداد التي ينشرها الروس. في الحروب يكذب الطرفان دون أن يرمش لهم جفن. في حروبنا أيضاً.
لقد هيأت حرب أوكرانيا للعالم بضع مفاجآت: إحداها تجنُّد الجبهة الداخلية المدنية؛ لعل بوتين لم يفهم هذا، لكن 30 سنة استقلال بلورت في أوكرانيا هوية قومية. الغزو الروسي لم يفكك هذا القاسم المشترك بل العكس، بلوره وعززه.
المفاجأة الثانية هي انكشاف زيلينسكي كزعيم، ورمز لأوكرانيا المستقلة، المقاتلة. لقد قدر زعماء في العالم أنه سيخرج من كييف غرباً إلى بلدية نائية في أقصى الدولة، في محاولة لإنشاء حكومته من جديد، وبعد ذلك يفر إلى الدولة المجاورة، بل عرض عليه الأمريكيون نقله، لكنه اختار البقاء والقتال. الشجاعة والطاقة والتصميم، كلها جديرة بالتقدير، لكن لا يمكنه إيقاف الروس، وقد يكون مصيره مصير ألكسندر كيرينسكي، رئيس حكومة روسيا في فترة الصمت بين حكمي القيصر والبلاشفة، والذي أصبح بروفيسوراً للتاريخ الروسي في كاليفورنيا، أو كمصير نجوين فان ثيو، الذي كان رئيس جنوب فيتنام وأنهى حياته في موسكو.
من بين كل السيناريوهات الأكثر وعياً، حتى أمس، يقول إن الضغط الروسي سيجبر الأوكرانيين في موعد ما على التوصل إلى اتفاق حل وسط، يمس بسيادتهم وبوحدة بلادهم الإقليمية. السؤال هو: ماذا سيحصل بعد ذلك، في أوكرانيا نفسها وفي الدول الأخرى المحاذية لروسيا؟ السؤال هو: ماذا سيحصل لبوتين بعد أن يعود الجنود إلى الديار؟
يجند زيلينسكي كل قدراته الخطابية كي يحبط هذا السيناريو: هو محق؛ فهو يسعى لإشراك الولايات المتحدة والناتو في القتال بكل سبيل. ولهذا طلب منهم الإعلان عن حظر طيران في سماء أوكرانيا: من يحظر ملزم بإرسال الطائرات والصواريخ لفرض الحظر، لكن بايدن رفض. المساعدة نعم، المشاركة في القتال لا.
المفاجأة الثالثة التي هيأتها لنا الحرب كانت هجوم مقاومة الرأي العام في الغرب للغزو الروسي. وسارت الحكومات على رأي الشارع، وليس العكس. لم يسبق أن كانت أجواء معادية بهذا القدر لروسيا في الغرب منذ العهود الأكثر مرارة للحرب الباردة، عندما بنى الناس في دول الغرب الملاجئ الذرية وبنوا سيناريوهات رعب – وكذا أفلام ضاحكة على أن الروس آتون.
أين يضع هذا إسرائيل؟ في مكان حدودي. السفير الأوكراني في إسرائيل، ايفان كورنيتشوك، شرع في حملة جماهيرية هدفها التصعيب على حكومة إسرائيل أخلاقياً. أوكرانيا يحتلها أجانب وإسرائيل تقف جانباً. بينيت ولبيد لا يستطيبان هذه الحملة: فهي تصعب عليهما الحالة أمام الإعلام الأمريكي وتعرضهما كجبانين أمام ناخبيهما. وهما بالإجمال يتصرفان مثل كل حكومات إسرائيل منذ قيامها؛ أي يفضلان المنفعة الأمنية الفورية، المحلية، حيال روسيا في سوريا في هذه الحالة، على قول أخلاقي عالمي.
إن التصدي الحقيقي للحكومة هو مع استيعاب جموع اليهود، من أوكرانيا ومن روسيا، ممن يسعون إلى الهجرة – بعضهم يسعى للهجرة لمرة ثانية، وآخرون ليسوا يهوداً وفقاً للفقه، ولكنهم يستحقون العودة وفقاً لقانون، وبعضهم ليسوا يهوداً على الإطلاق – لسبب ما، ترفض وزارة الداخلية استقبالهم. حتى ولا مؤقتاً. وجع رأس صغير، مقارنة بالتحدي الذي تطرحه حرب أوكرانيا على العالم.