وسط مشاعر ممزوجة بالألم.. نابلس تستعد لاستقبال عيد الفطر السعيد

قبيل حلول عيد الفطر السعيد، تبدأ حشود المتسوقين بالتوافد إلى أسواق مدينة نابلس، وسط أجواء مليئة بالفرح والبهجة، فتزدحم المحال التجارية، وتمتلئ الشوارع بالباعة المتجولين والبسطات.


فتشهد أسواق المدينة حركة تجارية واسعة حتى ساعات الفجر، وذلك ليتمكن الناس من شراء الملابس والحلويات والقهوة والمكسرات، وأيضاً سمك الفسيخ المملح الذي يعتبر الوجبة الغذائية المفضلة في صباح يوم العيد.

لكن باتت هذه الاجواء الاحتفالية ممزوجة بطعم الحزن، وأصبحت فرحة الأهالي باستقبال العيد منقوصة بعد استشهاد ثلة من شباب المحافظة برصاص جيش الاحتلال، الذين قضوا نحبهم منذ مطلع العام الجاري.

ولذلك ترى أم جواد العفوري التي تمتلك وزوجها محل حلويات وسط المدينة أن الموسم الحالي ليس كما كان في السنوات المنصرمة، مشيرة إلى ما مرت به المدينة من أوضاع صعبة وما شهدته من اقتحامات جيش الاحتلال ونصبه الحواجز لمحاصرتها ما انعكس على الوضع الاقتصادي.

فقالت: “المدينة شهدت أحداث مؤلمة جداً حيث فقدت خلالها كثيراً من الشباب في مقتبل أعمارهم هذه السنة، لذلك تظل نابلس حزينة ولا يوجد بهجة للعيد والفرحة ناقصة، والله يرحم الشهداء”.

وتابعت العفوري: “نحن دائماً مع اقتراب كل عيد نختص بتحضير المعمول والكعك المحشي بالتمر أو الفستق الحلبي أو الجوز، بالإضافة إلى جميع أنواع الحلويات، كالبقلاوة والكلاج، كما أننا نهتم بأن تكون حلوياتنا في متناول الجميع وبأسعار معقولة، إلا أن الجو العام في المدينة غير مشجع”، متأملة من الله أن يعم الخير والسلام على الجميع.

وفي العيد تكتمل فرحة الأطفال بشراء أشياء جديدة كالألعاب، حيث بيّن التاجر، محمد حمّامي، أن هذه الأخيرة تصبح متطلباً أساسياً في السوق ويبتهج بها الطفل، كما أن الأهل لا يمكنهم منع أبنائهم من شرائها في هذا اليوم المميز، وقال: “العيد للأطفال”.

ويتفاءل حمّامي خيراً في هذا الموسم، متأملاً أن يبقى الوضع مستقراً في المدينة، حيث لا يمكن الاستغناء عن أجواء العيد التي لطالما اعتاد الناس عليها، ويدعو الله بأن ينعم الخير على الجميع بهذه الأيام المباركة.

ووسط ميدان الشهداء، حيث تتجمع البسطات وعربات الباعة المتجولين وتعرض مختلف البضائع التي تسُر المتسوقين، يجلس الفتى أحمد الشخشير خلف بسطته لبيع الحقائب ذات الأشكال والأحجام المختلفة.

ويقول الشخشير: “أنا رغبت بأن أفتح هذه البسطة قبل حلول العيد، ومنها أحصل على رزقي، كما أنني أستمتع بأجواء العيد الجميلة التي تتميز بها المدينة ليلاً ونهاراً، حيث يأتي إليها الناس من مختلف المدن هذه الفترة، والمهم أن نخدم الزوار والمتسوقين”.

ويتهيأ الناس لشراء كسوة جديدة قبل العيد حتى يتجمّلون بأفضل الثياب، لذلك تشهد محلات بيع الملابس إقبالاً كبيراً في أواخر أيام شهر رمضان.

وأوضح بائع الملابس في محل “روزيلا” في مجمع بلدية نابلس، شادي الصروان، أن الحركة التجارية بشكل عام ليست كما كانت في الأعياد السابقة، وأضاف: “نحن جلبنا تشكيلة ملابس جديدة ومتميزة، إلا أن إقبال الناس كان بعكس توقعاتنا وضعيف هذه السنة”.

ولا تقتصر هذه التحضيرات على الأسوق فقط، بل تشرع البلدية بمساعدة الأهالي بتنظيف الشوارع وتزيينها، كما تتداعى العائلات في مختلف مناطق المحافظة لتنظيف قبور ذويها، بالإضافة إلى وضع النخيل والورود عليها، وبذلك يستحضرون الذكريات القديمة مع أقربائهم من الشهداء والموتى ويعبّرون عن مدى اشتياقهم لهم.

كما يتم تجهيز الحدائق العامة والمنتزهات لكي تستقبل الزوار خلال أيام العيد، وذلك كونها تلقى إقبالاً شديداً في تلك الأيام.

وتشرع النساء والفتيات بمهمة تنظيف المنازل وتزيينها مع مساعدة بعض الرجال أحياناً، كما يقمن بإعداد الكعك بأنفسهن، ومنهن من يجتمعن ويتشاركن المهمة سوياً، فتنبعث رائحته الزكية لتعم الأرجاء معلنة اقتراب العيد، رغم تردي الأوضاع الاقتصادية التي تعيشها معظم العائلات.

وتقول، أم جميل (65 عاماً) من مخيم عسكر: “الكعك في العيد يعتبر تقليداً يلتزم به الجميع، وحاله كحال ملابس، تنشغل النساء في تجهيزه، بمشاركة جميع أفراد عائلتها وأيضا جاراتها”.

وأضافت أنها لا تدع عيداً من أعياد السنة يمر دون صناعة الكعك والمعمول، ليكون دائماً أحد الحلويات التي تضعها على مائدة الضيافة”.

وأوضحت أنه على الرغم من الجهد الكبير الذي يتطلبه عمل الكعك في المنزل، إلا أنها تفضل صناعته وعدم شرائه جاهزاً، مشيرة إلى أن رائحته وحدها تكفي لإضفاء الأجواء السعيدة في المنزل، كونه من أهم الطقوس التي يمارسها الفلسطينيون في عيد الفطر.

وأردفت: “كما أننا حين نعِده يمضي الوقت بسرعة، ولا نشعر بالملل مطلقاً، حيث تصنع ام محمد لنا الشاي بينما تقوم ابنتي بتقطيع عجينة الكعك وحشوها بالتمر وثم نقشها، فيما تخبزه جارتي ام العبد، وبذلك نتعاون جميعاً ونستمتع بأجواء ملؤها المحبة والسعادة”.

إلا أن هذا التقليد غاب عن العديد من المنازل في المدينة خاصة بعد تطور أساليب الحياة وتواجد كعك العيد والمعمول في محلات الحلويات، ما وفر كثيراً من الوقت والجهد في إعداده خاصة لدى الموظفات والعاملات، كما أن الإقبال على شرائه بدلاً من صنعه يتزايد شيئاً فشيئاً.

وقد بيّنت الموظفة ليلى: “إنني أعمل طوال الأسبوع وأصل إلى منزلي منهكة من التعب، وليس لدي من الوقت ما يكفي لإعداد الحلويات في المنزل، فاضطر لشرائها جاهزة من محلات، وأنا بالكاد أحضر مائدة الإفطار”.

دلالات