في الوقت الذي تركت فيه العمليات الفلسطينية الأخيرة تبعاتها الأمنية والعسكرية على دولة الاحتلال، ظهرت نتائج أخرى لم تكن ظاهرة للعيان، لكنها أخذت تتجلى مع مرور الوقت، وأهمها تأثيرها على مستقبل الحكومة، التي تعاني في الوقت ذاته من زعزعة استقرارها، بعد استقالة رئيسة الائتلاف الحكومي.
مع العلم أن الليالي الأخيرة التي عاشتها دولة الاحتلال عقب سلسلة الهجمات الفلسطينية تركت آثارها على جهود رئيس الوزراء نفتالي بينيت لاستعادة الأمن العام، وإنقاذ مستقبله السياسي بعد انشقاق “عيديت سيلمان”، لكن التوتر الأمني الحاصل قد يؤدي بدوره إلى تفاقم الضغط والغضب الذي يشعر به أعضاء اليمين، في محاولة للتغلب على الصعوبات التي تعترض محاولات استقرار الائتلاف الحكومي الهش.
تال شاليف، مراسلة موقع “ويللا”، ذكرت في تقرير أن “هذه الأيام من أصعب الأسابيع في حياة حكومة بينيت- لابيد، فقد حطمت الهجمات الأخيرة في بئر السبع والخضيرة وبني براك وشارع ديزنغوف الروح السياسية لرئيس الوزراء ووزير الخارجية، وخلقت واقعًا جديدًا وتوترًا أمنيًا، مع بداية الأسبوع الأول من شهر رمضان، ما جعله الأسبوع الأسوأ، والأكثر دراماتيكية، منذ عشرة أشهر حين تم تشكيل الحكومة”.
وأضافت أن “الحكومة القائمة تعيش أصعب ليالي الرعب المروع التي لم تكن بهذا السوء على الإطلاق، لكنها تحاول استعادة الأمن المفقود، لأن الهجمات المميتة الأخيرة شكلت “جرس إنذار لجميع الإسرائيليين”، على اعتبار أن هذه الهجمات الشديدة أصبحت تهديدا حقيقيا لاستمرار حكم بينيت، وأدت لتحطيم المحاولات لاستعادة الأمن العام، وقطع الطريق على جهود إعادة التأهيل والإنقاذ السياسي التي أطلقها بينيت بعد الانشقاق الأخير لرئيسة الائتلاف الحكومي، مع توقع أن تتزايد الصعوبات في جهود تحقيق الاستقرار في أحزاب الحكومة”.
يمكن الحديث أن حكومة بينيت تقاتل على جبهتين للحصول على مزيد من الأوكسجين الصناعي، أولهما الصاعقة التي تسببت بها استقالة سيلمان على مستقبل النظام السياسي برمته، وثانيهما الهجمات المسلحة الأخيرة التي شكلت بدورها الضوء الأحمر الأقوى منذ تشكيل الحكومة، ما يجعل أمامها بضع ساعات للإسراع بإنهاء حياتها، ورغم رغبة بينيت القوية في استمرار حكومته، لكن من الواضح أن الليكود نجح في “سرقة” صوت برلماني قوي منه ممثلا برئيسة الائتلاف الحكومي.
في الوقت ذاته، تواجه حكومة بينيت استراتيجية ذكية من خصومها في الليكود وأحزاب اليمين، في ضوء تآكل الحنكة السياسية التي تمتعت بها الحكومة خلال الشهور العشرة الأولى من حياتها، في ضوء استدارة اللاعبين السياسيين الإسرائيليين نحو عدة محاور تهدف جميعها للإطاحة بالحكومة الحالية.
يظهر أمام بينيت خصم جديد داخل حكومته ممثل بوزيرة داخليته آياليت شاكيد، لأنها بالإضافة إلى اتصالاتها مع سيلمان المنشقة، فإنها قد تذهب باتجاه تشكيل حزب يميني آخر داخل حزب “يمينا” ذاته، وبذلك فإنها باتت تمسك في يديها مفاتيح استمرار وجود الحكومة، رغم أن بينيت يعتمد عليها أكثر من أي وقت مضى، ولكن من الواضح أنهما يحرثان في اتجاهين متعاكسين.
في سياق متصل، فإن وزير الداخلية من المتوقع أن يقدم أمام الحكومة في اجتماع الساعات القادمة مخططا استيطانياً لعام 2024، رغم أن هناك مطالب بالموافقة على البناء في المستوطنات، وربط عشرات البؤر الاستيطانية بالكهرباء، وتعتمد على بيني غانتس وزير الحرب، وزعيم حزب أزرق-أبيض، وهي جاهزة من حيث المبدأ، ولكن ليس خلال شهر رمضان؛ كي لا يصب مزيد من الزيت على نار التوتر القائم أصلا.
الخلاصة أن الهجوم الأخير في تل أبيب قد يقرب ساعة النهاية للتحالف الحكومي، الذي ينهض ويسقط من انهيار لآخر، رغم أن إحدى الشكاوى الرئيسية ضد بينيت أن الحكومة ليست يمينية بما فيه الكفاية، وأن استمرار موجة العمليات الفلسطينية سيؤدي لتفاقم الضغط والغضب الذي يبحث عنه نتنياهو، وهو يسعى للحصول على منشق آخر سيلزم لتفكيك الائتلاف برمته.