لا تخفي المحافل السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية أن العلاقة المستقبلية مع الأردن تحيط بها اضطرابات كبيرة؛ لأن الشعور السائد في عمان تجاه رئيس الوزراء المكلف بنيامين نتنياهو أن الأجواء ستكون معقدة ومشحونة، بعد أن تنفست الصعداء خلال فترة الحكومة المنتهية ولايتها، لكن التشكيل المتوقع للحكومة الجديدة سيتسبب بكثير من الأرق للملك عبد الله، رغم اتصاله بالفعل ببنيامين بنتنياهو لتهنئته بفوزه في الانتخابات.
مع العلم أن هذه قد تكون خطوة بروتوكولية لا تخفي القلق الأردني من تجدد رواسب الماضي الصعبة بينهما، الأمر الذي يفسح المجال لاستشراف مخاوف الأردن من الحكومة القادمة، وكيف سيتعامل مع سياساتها المتوقعة إزاء الفلسطينيين والمسجد الأقصى.
السفير مايكل هراري ذكر في موقع “زمن إسرائيل” العبري، أن “الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو التحدي الأهم في علاقات عمان مع تل أبيب، فالأردن هو أبرز دولة عربية قلقة من عدم وجود عملية سياسية، ويخشى حدوث تدهور محتمل على الأرض الفلسطينية؛ لأنه يخشى تداعياتها على ساحته الداخلية، تجعله يتوقع احتمالا متفجرا لتفاقم الوضع، ولعل غياب الأفق السياسي في السياق الفلسطيني يثير بشكل فوري خوفا أردنيا من ظهور أفكار تتجه نحو المملكة كحل ممكن للقضية الفلسطينية، ولا زلنا نذكر عدم تحمسه لصفقة القرن، وكذلك غيابه، وربما عدم دعوته لقمة النقب”.
وأضاف”، أن “القدس ذات مكانة خاصة للأردن عموما، والعائلة المالكة خصوصا، لاسيما بعد تآكل دورها في السنوات الأخيرة، واشتداد خوفها من تنافس الدول العربية التي باتت تكتسب نفوذا في القدس، خاصة السعودية، ورغم عدم تطبيعها مع إسرائيل، لكن عمّان تخشى من دور الرياض في القدس بما يقوّض موقفها، وهذا شعور له أساس”.
وكشف أنه “رغم وجود فهم إسرائيلي واضح لسنوات عديدة للأهمية الاستراتيجية للعلاقة مع الأردن، والأهمية الهائلة للسلام معه، لكن اليمين الإسرائيلي الفائز في الانتخابات ينظر للأردن بأنه مكان محدود للمناورة، وهنا يتركز قلقه الهائل، بحيث يفسح المجال لتخيل سيناريوهات محتملة لحل القضية الفلسطينية على حسابه، مع العلم أن التخوف الأردني ينبع من تبعات التطورات الفلسطينية على ساحته الداخلية”.
وأشار أن “توثيق التعاون بين إسرائيل والأردن في المجالات المدنية، بالتركيز على الطاقة والمياه والغاز، قد يخلق تبعية أردنية مهمة لإسرائيل، لكنها معقدة، ولهذا ينظر الشارع الأردني لهذا التعاون بأنه سلبي جدا، ويبذل القصر الملكي جهودًا كبيرة للحديث عنه بشكل متواضع، لكن زيادة التوتر الإسرائيلي الفلسطيني قد يهدد، كما حدث بالفعل في الماضي، مساحة القصر للمناورة تجاه الداخل”.
الدبلوماسي الإسرائيلي يتوقع أن “السياق الفلسطيني لا يبشر بالخير، ويصعب الافتراض أن الحكومة الجديدة ستشرع بتحركات سياسية تجاه السلطة الفلسطينية، ولذلك يتركز الخوف الأردني من إقدام شركاء نتنياهو في الائتلاف على إضرام النار في المنطقة، مما يدفع الأوساط السياسية والأمنية في تل أبيب لإنشاء حوار معمق ومستمر مع نظيرتها في الأردن، خاصة ديوان رئيس الوزراء والقصر الملكي، والحفاظ على القنوات المفتوحة لمواجهة أي تصعيد ميداني، ومنع الانزلاق لتصعيد أوسع نطاقا”.
تشير هذه القراءة الإسرائيلية إلى التخوف من أن دولة الاحتلال، في ظل طابعها اليميني الفاشي، قد تعمد للانتقاص من الدور الأردني في القدس، وعدم إعطاء تأكيد متجدد لهذا الدور، بزعم أنه يضر بالمصالح الإسرائيلية الأساسية تجاه المسجد الأقصى بالذات، وفق النظرة الدينية الحاخامية اليهودية.
في الوقت ذاته، قد يواصل الاحتلال توثيق وتعميق التعاون مع الأردن على المستوى المدني في مجالات الطاقة والمياه، خاصة المشروع الثلاثي بين إسرائيل والأردن والإمارات العربية المتحدة، وتم التعبير عنه مجددا بمؤتمر المناخ في شرم الشيخ، لإنتاج الطاقة الشمسية في الأردن، وتحلية المياه في إسرائيل، بتمويل إماراتي، مما يؤكد أن الرؤية الإسرائيلية للعلاقة مع الأردن تنطلق من كونها ذات أهمية استراتيجية كبيرة، حتى قبل اتفاقية السلام.