هستيريا في “إسرائيل” بسبب اتفاق”وشيك” بين واشنطن وطهران

انتشرت مؤخّراً تقارير تفيد بأنّ “الولايات المتحدة الأميركية وإيران على وشك أن تتوصّلا إلى اتفاق مؤقت، تحد بموجبه طهران من برنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات”.

إلّا أنّ هذه التقارير قوبلت بالرفض من كلا الجانبين، فالبيت الأبيض نفى صحتها على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جيك سوليفان، الذي قال إنّ “كل تقرير عن الاتفاق المؤقت مع إيران كاذب”.

بدوره، نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، وجود أي مباحثات لإبرام “اتفاق نووي مؤقت”، كما نفت البعثة الدبلوماسية الإيرانية الدائمة في مقر الأمم المتحدة التقارير التي تفيد بالاقتراب منه.

 

وعلى الرغم من النفي الإيراني والأميركي لوجود أي اتفاق مؤقت بينهما، فإنّ “إسرائيل” تبدي قلقها الشديد بشأن الأمر، حتى إنّ إعلامها تحدّث عن “هستيريا” أصيب به الكيان لاحتمال توقيع اتفاق بين واشنطن وطهران.

قلق واستنفار في “إسرائيل”
تتحدّث وسائل إعلام إسرائيلية منذ أسابيع عن وجود مخاوف لدى الاحتلال من اتفاق نووي مرحلي بين إيران والغرب. وعلى الرغم من وجود خلافات كبيرة في الإدارة الأميركية بشأن هذا الاحتمال، فإنّه في الوقت نفسه “حيّ ويتنفّس”، وهذا الأمر يثير الكثير من المخاوف في “إسرائيل”، بحسب قناة “كان” الإسرائيلية. 

ووفقاً لمراسل الشؤون السياسية في القناة، ميخائيل شتاين، فإنّ كلام وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بشأن استمرار الحوار بين إيران والغرب، أثار قلقاً كبيراً وخشيةً كبرى في “إسرائيل”، حتى “من دون وجود تحرّك نحو إمكانية اتفاق نووي جديد”.

بدورها، نقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” العبرية عن مصدر سياسي قوله إنّ “الاتفاق المتبلور بين واشنطن وطهران للرقابة على تخصيب اليورانيوم، إلى جانب التقارير عن استمرار تخصيب اليورانيوم في إيران، وإغلاق الوكالة الدولية للطاقة النووية لملف مريفان، يزيد الاستنفار في إسرائيل”.

أما “هآرتس”، فقد نشر مراسلها للشؤون الدولية، أمير تيبون، مقالاً تناول فيه الخشية الإسرائيلية من التفاهمات التي أحرزتها واشنطن وطهران مؤخراً في التفاهم بشأن النووي الإيراني. وأوضح المقال أنّ حكومة الاحتلال تخشى “من أنّ رافعات الضغط التي استُخدمت في الماضي في محاولة التأثير على التفاهمات المتبلورة في الملف النووي لم تعد ذات صلة في الاتصالات المتقدّمة بينهما في هذه الأيام”.

واشنطن تقصي “إسرائيل” عن المشهد 
هذه المخاوف الإسرائيلية هي مدفوعة بإقصاء واشنطن لحليفتها “إسرائيل” عن المشهد فيما يتعلق بالنووي الإيراني، وعبّر الخبير في الشؤون الاستراتيجية، يوني بن مناحيم، عن خشية الاحتلال من أن “تجري الولايات المتحدة اتصالات سرية مع إيران للتوقيع على اتفاق نووي جديد ومؤقت من دون موافقته”.

ويمكن اعتبار قول رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، مؤشراً على هذا الإقصاء، إذ نقل مراسل الشؤون العسكرية في “القناة الـ12″، نير دفوري، عن نتنياهو قوله إنّ “إسرائيل لم تعد قادرة على التأثير في العملية (في إشارة إلى المفاوضات غير المباشرة بشأن الملف النووي)، التي تتراكم بين إيران والولايات المتحدة”.

ووصف دفوري ما قاله نتنياهو بـ “الكلام المرير”، مضيفاً: “نحن نرى أن هذا الأمر يتدهور من ناحية إسرائيل، وتأثيرها يقلّ”.

بدورها، نقلت “القناة الـ12” الإسرائيلية عن مصدر سياسي، وصفته بـ”الكبير”، قوله إنّ واشنطن لا تريد أن يأتي رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن ويتحدث بخصوص إيران، مع تأكيد “أنّ محادثات تجري بين الولايات المتحدة وإيران تتعلق بالعودة إلى الاتفاق النووي”.

ويظهر العجز الإسرائيلي عن التأثير في قرار واشنطن من خلال تأكيد مراسل “هآرتس”، أمير تيبون، الصعوبة التي ستواجهها “إسرائيل” في “حشد معارضة حقيقية في الكونغرس لتفاهمات مع إيران، وهي ستجد صعوبةً في التأثير أيضاً في مواقف دول أوروبا فيما يخص الاتصالات مع طهران”. 

من جهته، أشار ألون بينكاس، وهو دبلوماسي ومستشار سياسي، عمل كقنصل “إسرائيل العام”، في نيويورك بين عامي 2000 و2004، في مقال له في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إلى أنّ السنوات الأخيرة تدل على “فشل مستمر” في السياسة الإسرائيلية تجاه الملف النووي الإيراني.

وفيما “نجح” نتنياهو في الماضي بإقناع الولايات المتحدة “بحجم التهديد الإيراني”، فإنّه “اليوم يصطدم ببرودة واشنطن”، كما قال بينكاس. وأشار الدبلوماسي السابق إلى أنّ “الرئيس الأميركي جو بايدن لا يزال يفضّل عدم رؤية نتنياهو”، لافتاً إلى أنّ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، “لم يفهم لماذا اتصل نتنياهو، الأسبوع الماضي، لانتقاد اتفاق ليس قائماً بعد، والتهديد بأن إسرائيل ستدافع عن نفسها”.

تأثير أي تفاهم أو اتفاق مع إيران على “إسرائيل”
يركّز الاحتلال على “طموحات إيران النووية” كما قالت وكالة “بلومبرغ”، وتفسّر هذا إشارة مراسل الشؤون السياسية في قناة “كان”، ميخائيل شتاين، إلى أنّ “الخشية الكبرى في إسرائيل (…) هي من اتفاق يبقي بحوزة إيران قدراتها النووية ويثبّت الإنتاج الحالي”، إذ يعني الاتفاق أنّ “إسرائيل” قد تتراجع عن كونها القوة النووية المتفوقة في المنطقة.

اقتصادياً، يسمح الاتفاق النووي بتحرير عشرات المليارات المحتجزة لإيران، ورفع العقوبات عن الكثير من الشركات والبنوك والمؤسسات الإيرانية، الأمر الذي يترك تأثيراً إيجابياً في الاقتصاد الإيراني، ويجهض المحاولات الغربية والإسرائيلية لتأليب الشعب الإيراني ضد النظام، وإثارة الفوضى في البلاد، عبر استغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الإيرانيون بسبب الحصار المستمر منذ عقود.

وتشير التقديرات في “إسرائيل” إلى أنّه “مقابل تجميد تخصيب اليورانيوم، سيقوم الأميركيون بفك تجميد أصول إيرانية مجمدة، قدرها 20 مليار دولار”، بحسب صحيفة “معاريف” الإسرائيلية.

إلى جانب الأثر الاقتصادي في داخل إيران، فإنّ العوائد الاقتصادية الإيرانية تعزّز قوة محور المقاومة في المنطقة، الذي تراه “إسرائيل” تهديداً وجودياً لها، وتخشى على الدوام اندلاع حرب مع أي من أطرافه، خصوصاً أنّ الحرب ستكون متعددة الجبهات كما يؤكد قادة المحور، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله في لبنان، السيد حسن نصر الله.

وقد عبّرت “معاريف” عن خشية المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين من أنّ الأصول الإيرانية المجمّدة، المتوقّع الإفراج عنها في المرحلة الأولى مقابل تجميد تخصيب اليورانيوم، ستؤدي إلى تحرير ميزانيات إيرانية إضافية لتمويل السلاح والوسائل القتالية لحزب الله وحماس والمنظّمات الأخرى في المنطقة.

من جهة أخرى، يزيد احتمال عقد اتفاق أو تفاهم نووي مع إيران القلق الإسرائيلي لأنه يؤدي إلى اعتراف ضمني بشرعية إيران كقوة إقليمية في المنطقة، وازدياد انفتاح دول الخليج  وأوروبا عليها، ما يعني إفشال مساعي “إسرائيل” لعزل طهران عن محيطها.

خليجياً، باتت العلاقة بين الولايات المتحدة والدول العربية “بعيدة كل البعد عن سنواتها الذهبية”، بحسب مجلّة “مودرن بوليسي” الإلكترونية، ما يعني أنّ هذه الدول تتمتع اليوم بهامش أوسع لتطوير علاقاتها مع أطراف أخرى في الإقليم والعالم، بينها إيران، سعياً لتشكيل علاقاتها بناءً على مصالحها.

ومع بلورة تفاهم نووي جديد مع إيران، من شأن ذلك تعزيز علاقاتها أكثر فأكثر مع الدول الخليجية، خاصةً أنّ هذه العلاقة بدأت تشهد تطوراً في الأشهر الماضية بعد الاتفاق الإيراني-السعودي في 10 آذار/مارس الماضي، برعاية صينية.

وتلا الاتفاق عدة خطوات في سبيل تعزيز العلاقات بين طهران والرياض، تُوِّجت قبل أيام ببدء السفارة الإيرانية في الرياض أعمالها رسمياً. والسبت المقبل، سيزور وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، العاصمة الإيرانية، و”قد تتم إعادة افتتاح السفارة السعودية خلال الزيارة”، بحسب وكالة “تسنيم” الإيرانية.

وتنظر “إسرائيل” إلى التقارب الخليجي الإيراني على أنّه حاجز بوجه اتفاقيات التطبيع التي تأمل توقيعها مع الدول العربية، ولا سيما السعودية. وعلّقت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية على التقارب الإيراني السعودي قائلةً: “لا تزال عملية المصالحة بين السعودية وإيران في مهدها. ولهذا، فإنّ التطبيع مع إسرائيل في هذه المرحلة غير ممكن”.

من الناحية الأوروبية، تحتاج الدول إلى التعويض عن  النقص الذي تسبّبت فيه العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في العديد من المجالات، ولا سيما الطاقة، وتتوقّع “إسرائيل” أن تستثمر الشركات الأوروبية بمليارات الدولارات في الأسواق الإيرانية، بمجرد توقيع أي اتفاق أو تفاهم جديد مع إيران.