هستيريا صهيونية وغربية في مواجهة حقائق تاريخية

تصاعدت  خلال الأيام الماضية هستيريا صهيونية وغربية في حملة مسعورة وقحة على ما أورده الرئيس محمود عباس “أبو مازن” في حديثه عن حقائق تاريخ المسألة اليهودية ومعنى السامية وتعريفاتها خلال أجتماع دورة المجلس الثوري لحركة “فتح” .


الغرب الأستعماري الذي يتحمل المسوؤلية الاخلاقية بالتخلص من اليهود الذين سيطروا على مفاصل المال في الدول الأوروبية والمساهمة في هجرتهم الاستيطانية إلى فلسطين وإقامة مستعمرتهم، ما زال صامتا امام جرائمهم ومحرقتهم المستمرة منذ “٧٥ سنة” بحق شعبنا الفلسطيني صاحب الأرض ، وممارسة التمييز العنصري والفوقية الدينية اليهودية .

وهو مستمر في قبول مبررات تسويق اسرائيل نفسها من خلال فزاعتها “كضحية التاريخ” التي يتوجب “انصافها من الظلم ” و “معاداة السامية” و “حمايتها من المخاطر ” ، بل ويساهم في تزوير حقائق التاريخ ورفع مسؤوليته عن ما يتعلق بالمسألة اليهودية بأوروبا، كما وتقديم المساعدة لهم لاستدامة مشروع الحركة الصهيونية الكولنيالي سياسيا واقتصاديا وأمنياً ، سوى من بعض البيانات اللفظية الخجولة التي لا تغني عن المواقف العملية المطلوبة .

وبالعام الماضي كان الرئيس “أبو مازن” يطرح الحقيقة الدامغة بوضوح لا يقبل التفسيرات المختلفة بخصوص اكثر من “٥٠” مجزرة شبهها بالهولوكست بحق شعبنا ، وذلك ردا على سؤال لأحد الصحفين خلال المؤتمر الصحفي مع المستشار الألماني ، حين قامت ثائرة الألمان والغرب ولم تقعد .

لقد كانت إجابات الرئيس في حينه تتفق والحقائق التاريخية عبر “٧٥ عاما” لوحشية العصابات الصهيونية وحكام دولة إسرائيل من ارتكابهم للمجازر وجرائم التطهير العرقي والابرتهايد ، كما كان حديثه واضحاً وعلمياً باجتماع المجلس الثوري والذي استند فيه إلى ما قاله الفيلسوف كارل ماركس بالخصوص والى الحقائق التاريخية .

ولذلك وفي الحادثتين لم يكن من الضرورة اصدار بيانات توضيحية حول ما قاله الرئيس عباس الذي كان واضحا بأنه لا يقبل التفسير المفبرك من الغرب ، بالإضافة إلى أن حديث الرئيس بصفته ومكانته لا يجب ان يخضع لتوضيحات .

فنحن لم نصنع الهولوكوست ولن نتوانى عن إدانة كل جرائم التاريخ بحق الإنسانية ومنها بشائع النازية والفاشية ، وعن مطالبة الجميع في نفس الوقت بالاعتراف أن هناك هولوكستا متدحرجا يتوجب ادانته والاعتذار عنه ضد الشعب الفلسطيني ، فاستمرار الاحتلال والاستيطان بحد ذاتهما هما جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية مكتملة الأركان وفق مواقف المنظمات الحقوقية الدولية، والصمت عليها هو جريمة اخرى .

لكن إسرائيل التي قامت كمشروع استعماري على حساب حقوق شعبنا الوطنية وارضه ترفض تقديم اي اعتذار عن جرائمها المرتكبة منذ النكبة حتى اليوم ، رغم ما نُشر مؤخرا من تفاصيل وحقائق واعترافات عن تلك المجازر وعن الدور الذي لعبته الحركة الصهيونية العالمية ايضا في تهجير العرب اليهود من دولهم للاستيطان في أرضنا والتي يتوجب على الغرب معرفتها قبل مطالبتهم السخيفة لنا بالاعتذار.

تلك الحركة الصهيونية التي منذ نشأتها اعتمدت تزوير التاريخ واستغلال الاثنية اليهودية والاعتماد على الأساطير باعتبارها ومنذ البدء كانت حركة رجعية عنصرية واداة في خدمة الاستعمار والإمبريالية العالمية ادانتها الأمم المتحدة في وقت سابق .

وفي هذا السياق، لا بد لي من العودة هنا مرة أخرى لمقال نَشرته في وقت سابق حول أهمية ما كتبه الرئيس محمود عباس في كتابه بعنوان “الحركة الصهيونية في أدبيات لينين “( زعيم ثورة أكتوبر الاشتراكية )، الذي صدرت طبعته الأولى عام ١٩٧٩ والثانية عام ٢٠١١ ،حيث يقول في هذا الكتاب؛ “لقد رأى لينين أن استمرار استغلال القضية اليهودية لمصلحة الاستعمار هو ما يحقق أهداف الحركة الصهيونية التي تعيش على هذه القضية وتحركها وتستفيد منها.”

ويتابع الكتاب في نصوصه”لو اتبع زعماء العالم ما قاله لينين في تقييمه ومعالجته للمسألة اليهودية ، لما كانت قد تمددت الحركة الصهيونية ، ولما كانت هناك دولة إسرائيل الاستعمارية ، لأنه باختصار، اي لينين أعتَقد بأن اليهود لا يشكلون أمة وليس لديهم مكونات الأمة ويجب أن يعيشوا داخل المجتمعات التي كانوا موجودين فيها منذ مئات أو حتى آلاف السنين. ”

من الملاحظ اليوم أن الغرب الاوروبي لا يزال يعيش في ظل عقدة خوف نتيجة ما تم بحق اليهود من كراهية بأوروبا ما قبل الحرب العالمية الثانية وخلالها لأسباب لا تتعلق بدينهم ، وهم يخشون فكرة الحركة الصهيونية التي زرعتها في أذهان الكثيرين منهم ، والتي تساوي بين انتقاد سياسات إسرائيل ومعاداة السامية التي ننتمي نحن لها باصولنا الكنعانية. حيث يتحالف العديد من الأوروبيين على هذا الأساس ، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى أيديولوجية اليمين واليمين الشعبوي ، مع نهج الحركة الصهيونية العالمية، ويستمرون في لعب الدور المطلوب منهم لأنهم رفضوا حل المسألة اليهودية في اطار المجتمعات الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية وحتى ما قبل ذلك وحتى يومنا هذا فابتدعوا فكرة الوطن القومي المزعوم .

لذلك فاننا لا نشعر بمواقف حاسمة حتى من الدول الأوروبية من أجل إنهاء الأحتلال اولاً وفق القانون الدولي والقرارات الاممية، في ظل نوع من التبعية لسياسات الدولة العميقة بالولايات المتحدة المعادية لحقوق الشعوب والتي تتحمل مسوؤلية إيقاع الظلم التاريخي بحق شعوب كثيرة ومنها شعبنا الفلسطيني بالشراكة مع بريطانيا منذ التخطيط مع الحركة الصهيونية لابتداع وعد بلفور .

لقد ضحت الحركة الصهيونية العالمية لاعتبارات سياسية استعمارية بأعداد كبيرة من اليهود الفقراء في جرائم الحرب العالمية الثانية بالتعاون مع النازيين انذاك الذين سهلوا هجرة اليهود الى فلسطين وفق اتفاقية “هافارا ” مقابل المال ومحاولة تفريغ أوروبا من اليهود الذين ضاق منهم الأوروبيين لسيطرتهم على مفاصل المال هنالك انذاك .

ففي أعقاب الهولوكوست، الذي استغلته الحركة الصهيونية واحتكرت استخداماته اللغوية زوراً رغم الأصل اليوناني للكلمة، والذي لم يستهدف اليهود وحدهم من قبل النازيين بل العديد من الشعوب الأوروبية وذوي الأمراض والاعاقات، وهو أمر بغيض ومدان بالكامل يندرج في إطار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية . فقد تجاهلت الحكومات الأوروبية وكذلك الولايات المتحدة المناشدات المختلفة لمعاملة إعادة توطين اليهود المشردين كواجب والتزام العالم بأسره ورفض تخفيف القيود المفروضة على الهجرة ، مما أجبر معظم اليهود الأوروبيين على السعي لبناء حياة استعمارية جديدة في فلسطين في إطار تنفيذ اتفاقيات ومؤامرات مختلفة بين الحركة الصهيونية والمانيا النازية وبتوجيهات اميركية باستغلال اليهود في تنفيذ المشروع الأستعماري الصهيوني على حساب وجودنا على ارضنا وعلى حساب مستقبل اتباع الديانة اليهودية أنفسهم الذين كانوا يعيشون بالاصل في فلسطين ، على الرغم من أن الكثير من اليهود كانوا يفضلون الاستقرار في مكان آخر أو في بلدانهم الأوروبية الأصلية، وما زال العديد منهم يقفون في معارضة فكر الحركة الصهيونية وممارسات الاحتلال والابرتهايد ويرفضون مساواة معاداة الصهيونية بمعادة السامية . تلك النظرية التي تحاول الحركة الصهيونية فرضها وممارسة الابتزاز على أساسها بعلاقاتها مع الغير وقامت لذلك الهدف بإنشاء التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست بخصوصها الذي بادر له ترامب وصهره كوشنير، واقرته بعض حكومات أوروبا من ضمن قوانينها .

إن العديد من الأوروبيين والذين يخوضون حربا بتعليمات السياسة الأميركية وتحالف الناتو وبدعم من الحركة الصهيونية وحلفائها من المسيحيين الصهاينة والنازيين الجدد باوروبا والولايات المتحدة من أجل تحطيم القوة الروسية الصاعدة الآن الى جانب افتعال العداء للصين الصاعدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في وجه الهيمنة الاميركية احادية القطب وكانتقام من انتصار الجيش الأحمر على النازية بالحرب العالمية الثانية كما قال وزير الدفاع الروسي السابق ، ولا سيما أولئك الذين يقدمون الدعم إلى زيلينسكي الذي اشار له بذلك الرئيس بوتين وقال”من المثير للاشمئزاز أن يقوم الزعيم الأوكراني فلاديمير زيلينسكي الذي اتى به الغرب وهو يهودي عرقي، بالتستر على تمجيد النازية في البلاد”.

فاسرائيل التي تدعمها حركات النازية الجديدة بأوروبا والقوميين البيض والمحافظين والانجيليبن الجدد في الولايات المتحدة الآن، هي في موقع دفاع في معركة ستخسرها وخسرتها فعلا ، فليس ممكنا ان تواجه حركة جماهيرية عالمية متضاعفة ومتصاعدة الآن بُنيت على أسس قانونية وجرائم فعلية وخاصة الابرتهايد بحملة علاقات عامة تخوضها دولة الاحتلال مهما بلغت تكلفتها، وبعدم وجود اية مقومات أو قناعات لديها في بحث الأسس لعملية سلام جادة تقوم على تنفيذ حق تقرير المصير لشعبنا وإقامة دولته ذات السيادة والقرارات الأممية ذات الخصوص، التي تتناقض جميعها مع مشروع الحركة الصهيونية بالمنطقة بأصولها ومكوناتها المتعددة.