هآرتس: “لماذا تتواصل الاحتجاجات في “إسرائيل”؟..

كان متوقعاً أن تؤدي الخطوة التصالحية من جانب رئيس الوزراء بتأجيل التعديلات القضائية إلى تهدئة الخواطر ولو قليلاً، لكن لماذا لم تتوقف الاحتجاجات في إسرائيل؟ كلمة السر هي “فقدان الثقة” في نتنياهو وحكومته.

كان هذا هو الرأي السائد في الإعلام الإسرائيلي، وهذا ما عبّرت عنه صحيفة Haaretz في تحليل لها بعنوان “لماذا تتواصل الاحتجاجات في إسرائيل؟ لأنَّ أحداً لم يعد يثق بنتنياهو”، أعده أنشيل فيفر، مراسل أول وكاتب رأي لدى صحيفة Haaretz الإسرائيلية ومجلة The Economist البريطانية.

كان بنيامين نتنياهو قد أعلن عن تأجيل التصويت على التعديلات القضائية، التي توصف بأنها “انقلاب قضائي”، لمدة شهر تقريباً، لتهدأ قليلاً وبشكل مؤقت الأزمة التي تهدد باندلاع حرب أهلية في إسرائيل، وتعطي رئيس الوزراء فرصة لالتقاط الأنفاس.

 

مهلة نتنياهو لم تقنع أحداً في إسرائيل
وتعيش إسرائيل حالةً من التوتر الداخلي وتظاهرات غير مسبوقة في الأسابيع الماضية، تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي يريد نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، وياريف ليفين وزير العدل تمريرها.

لكن مع تصعيد المعارضة ووصول الانقسامات إلى صفوف جيش الاحتلال وقياداته، وإقالة وزير الدفاع يوآف غالانت بعد تعبيره علناً عن رفض التعديلات القضائية، اتخذ نتنياهو خطوة إلى الوراء وأعلن عن تأجيل التصويت في الكنيست على تلك التعديلات.

فربما يكون قرار تأجيل التعديلات القضائية قد أعطى رئيس وزراء إسرائيل المحنك، وصاحب الخبرة الطويلة هدنة لالتقاط الأنفاس، لكن خيارات نتنياهو ليست متعددة، فإما التراجع نهائياً أو المضي قدماً أو التوصل لحل وسط مع المعارضة، فأي السيناريوهات أكثر ترجيحاً؟

لكن مئات آلاف الإسرائيليين الذين شاركوا في المسيرات الداعمة للديمقراطية مساء السبت 1 أبريل/نيسان، أثبتوا أنَّه بالرغم من إعلان بنيامين نتنياهو “تعليق” خطط حكومته لإصلاح القضاء قبل 5 أيام، لا يصدق المحتجون أنَّ رئيس الوزراء وشركاءه بالحكومة الائتلافية تخلوا نهائياً عن فكرة تمرير التعديلات القضائية، التي يصفها المعارضون بأنها “انقلاب قضائي” يهدف إلى إضعاف المحكمة العليا.

فقد خرج المتظاهرون الذين يحتجون منذ أسابيع مرةً أخرى، وازدادت أعدادهم بدافع من الإسرائيليين الذين شاركوا للمرة الأولى، تلهُّفاً ربما للانضمام إلى حراك ناجح. وكما تقول إحدى السيدات اللاتي شاركن في الاحتجاج الداعم للديمقراطية لأول مرة: “أدركتُ أنَّ حفيدتي ستسألني يوماً حول ما إذا كنتُ شاركتُ من أجل حماية حقوقها، وأردتُ أن أتمكَّن من القول إنَّني فعلتُ”.

لم يفشل نتنياهو في خطابه شبه التصالحي، الإثنين، 27 مارس/آذار والبيانات اللاحقة  في تهدئة قلق أي أحد وحسب، بل أثبت تعهُّده لإيتمار بن غفير بإنشاء “حرس وطني” –وهو عبارة عن ميليشيا خاصة مُموَّلة تمويلاً عاماً من المقرر أن تخضع لسيطرة وزارة الأمن القومي التي يتولاها زعيم حزب “القوة اليهودية”- لمعظم الإسرائيليين أنَّه لا يمكن الثقة بنتنياهو.

فلم يُحفِّز التعهُّد بتأسيس الميليشيا الإسرائيليين للخروج إلى الشوارع يوم السبت وحسب، وهو الوقت الذي كان من المنطقي تماماً أن يأخذوا فيه استراحة بعد عدة أسابيع محتدمة. بل يمكن أيضاً أن يكون ذلك أكبر خطأ تكتيكي ارتكبه نتنياهو الأسبوع الماضي.

وربما يكون خطأ أكبر حتى من إعلانه السبت الماضي عزل وزير الدفاع يوآف غالانت، والذي أدَّى إلى إطلاق العنان لتلك الجولة الغاضبة من الاحتجاج والإضراب العام التي أجبرته في النهاية على إعلان تعليق مشروع القانون.

ميليشيات بن غفير.. خطأ نتنياهو الأكبر
لم يمنح التزام نتنياهو الخَطّي لبن غفير الاحتجاج زخماً إضافياً وحسب، بل وضع رئيس الوزراء أيضاً في مواجهة أزمة شبه حتمية في الائتلاف الحكومي.

إذ إنه من المستحيل أن يخرج “الحرس الوطني” وفق تصور بن غفير إلى النور في الإطار الزمني الذي يتوقعه، فالجنود ليسوا جاهزين، ووزارته تفتقر إلى القدرة اللوجستية لاستيعاب المئات من المُجنَّدين الجدد (حتى لو كانوا متاحين)، كما أنَّ العقبات القانونية لتأسيس قوة جديدة تتصرف باستقلالية عن تراتبيات الشرطة والجيش، هائلة.

وفي حين أقرَّت الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية ميزانية خاصة لتلك القوة، على حساب كل الوزارات الحكومية القائمة، فإنَّها صوَّتت أيضاً لتأسيس لجنة تبحث أولاً لمدة 90 يوماً مسألة مَن يجب أن يكون مسؤولاً عن القوة الجديدة، بن غفير أم قائد الشرطة. ما الذي سيتبقى من هذه المبادرة حين تنتهي اللجنة من عملها؟ لا أحد يعلم.

ووصف تحليل لموقع Vox الأمريكي الوعد الذي قدمه نتنياهو لابن غفير بأنه “خطير للغاية”، فرئيس الوزراء الذي يحاكم بتهم الفساد وخيانة الأمانة قدم وعداً لوزير متطرف مفاده الموافقة على تشكيل ميليشيات مسلحة تأتمر بأمر بن غفير. ولا شك أن وضع ميليشيات مسلحة تحت قيادة مدان بدعم الإرهاب اعتاد على تعليق صورة لإرهابي ارتكب جريمة قتل جماعي، يعتبر في حد ذاته مؤشراً على أن الأزمة التي تهدد بانفجار إسرائيل من الداخل قد تكون أصبحت أكثر خطورة.

وتماماً مثلما هو الحال مع عزل غالانت، وهو القرار الذي فشل نتنياهو في إكماله –فبعد مرور أسبوع، لا يزال غالانت في منصبه، ولا يبدو أي سياسي في حزب الليكود متحمساً لاستبداله ومواجهة العداء الشديد من جانب مؤسسة الدفاع- من شبه المؤكد أنَّ وعد تأسيس الميليشيا لن يتحقق، بحسب تحليل هآرتس.

وبن غفير، إمَّا أنه سيطالب ببعض التنازلات الفظيعة الأخرى أو سينفصل عن الائتلاف الحكومي. وهو بالفعل مستاء من قيود الحكومة والمسؤوليات الوزارية، ويعتقد أنَّ بإمكانه أن يبلي بلاءً أفضل في الانتخابات المقبلة حين يترشَّح بصفته الحزب اليميني “الحقيقي” الوحيد، رافضاً التسوية مع “اليسار” الذي يصفه بأنه “بغيض”.

وبات نتنياهو، بعد 3 أشهر فقط من عودته إلى منصبه، في أضعف حالاته بصفته رئيساً للوزراء منذ نهاية ولايته الأولى عام 1999. حينها، استغرق الأمر 3 سنوات كي يصل إلى تلك المرحلة.

فهو على خلاف مع اثنين من كبار الوزراء من حزب الليكود: غالانت، الذي تحداه علناً وعُزِلَ تقريباً، ولا يزال في منصبه، ووزير العدل ياريف ليفين، الذي تعرَّض للخداع بتعليق “إصلاحه القضائي”.

ولدى نتنياهو سيطرة أقل حتى من ذلك على شركائه بالائتلاف، الذين يتولون بعضاً من أقوى الوزارات. وبما أنَّه شخصياً لا يملك القوة لتطبيق سياسة حكومته الأساسية، سيكون مضطراً للسماح لهم بتطبيق سياساتهم، وإذا ما حاول كبحهم، فإنَّه قد يخسرهم، ويفقد سلطته.

الخلاصة هنا هي أن أزمة الدولة العبرية الكبرى الآن يمكن تلخيصها في فقدان جميع أطراف العملية السياسية تقريباً الثقة في بنيامين نتنياهو ووعوده، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام جميع الاحتمالات خلال الأيام المقبلة، فإلى أين تتجه الأمور عندما تنتهي مهلة تأجيل التعديلات القضائية؟