هآرتس – بقلم: نوعا لنداو “إن تقليص المساعدات الأمريكية للفلسطينيين في عهد إدارة ترامب، إضافة إلى المس الشديد بميزانيات الكثير من مبادرات السلام والحوار بين الشعبين، أثار نقاشاً عاماً صاخباً في حينه. ثمة حديث عن إعادة الدولارات بالتدريج إلى منطقتنا الآن بمستوى أقل بالطبع، رغم أنها قد تؤثر بشكل كبير في السنوات القريبة القادمة على “صناعة السلام” الإقليمية.
في الأسبوع الماضي، ألقى السفير الأمريكي الجديد في إسرائيل توم نايدس، خطابه الرسمي الأول في هذا المنصب، ولم يتحدث عن نقل قنصليات أو إعفاء من تأشيرات الدخول (لذلك مر من تحت الرادار)، بل عن الصندوق الأمريكي الجديد الذي سيستثمر ربع مليار دولار في السنوات القادمة في مبادرات للتعاون والحوار بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
يدور الحديث عن قانون جديد، صودق عليه في السنة الماضية بدعم الحزبين، وحصل على دعم كبير في أوساط الجالية اليهودية، وهي مبادرة سماها المشاركون فيها بـ “قانون لافي”، على اسم عضوة الكونغرس الديمقراطية، نيتا لافي، الذي قادته قبل تركها لمنصبها. من دفع هذا القانون من وراء الكواليس وفي ظل الرد المضاد على تقليصات ترامب هي منظمة “تحالف من أجل سلام الشرق الأوسط” (إي.ل.ل.ام.إي.بي) التي تضم عشرات منظمات السلام الإسرائيلية والفلسطينية.
كثير من هذه المنظمات تستعد الآن للانقضاض على الأموال. يدور الحديث على الأغلب عن جمعيات تجمع التبرعات بصعوبة، وملايين الدولارات هذه قد تغير جودة نشاطها ونطاقه كلياً. لم يتم إعطاء هبات بهذا الحجم في هذا المجال في يوم ما. وسيتم توزيع هذه الهبات عبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية “يو.اس.ايد”. وتتركز معايير التوزيع على الدفع بالتعاون الاقتصادي والحوار والمصالحة على المستوى الميداني والمواطنين.
للوهلة الأولى، يبدو كل شيء إيجابياً. عادت الولايات المتحدة للاستثمار في السلام، وفي المنظمات التي أهدافها جيدة ومهمة. ولكن من الجدير تذكر فترة اتفاقات أوسلو؛ فكثير من مبادرات التعاون والحوار بين إسرائيل والفلسطينيين ظهرت مثل الفطر. وحتى الآن يختلف الباحثون حول مسألة إلى أي درجة ساعدت فعلياً في الدفع بالسلام. بل إن جزءاً منها عمق الشرخ، مثل مبادرات الحوار التي انتهت بدون شيء في أفضل الحالات وبطعم اليأس في أسوأ الحالات.
أحد الأمثلة الرائدة في هذا الحوار نقاش جرى حول درجة مساهمة مبادرات من نوع فرق كرة قدم مختلطة، مثلاً. مبادرات “الحمص”، هكذا يسمونها بسخرية. وذكرت أحداث أيار بأن ليس كل شيء قد يحل بالتوق المثالي للتعايش. وعندما يتدبر المواطنون أمورهم أو لا يتدبرون على المستوى الشخصي، هناك نزاع قومي – سياسي بين الطرفين. وليست الحلول -مع كل الاحترام لمباريات كرة القدم- إلا سياسية.
عندما يدور الحديث عن أموال طائلة تكون هناك تحديات كثيرة على الأجندة، مثل إلى أي درجة تستعد المنظمات القائمة على صعيد بنيتها التحتية لميزانيات كهذه؟ هل ستصل الأموال أيضاً إلى المجموعات السكانية التي هي ليست الجمهور الهدف “العادي” لمبادرات من هذا النوع؟ وإلى أي درجة ستندمج منظمات ونشطاء فلسطينيون في هذه المنح في عهد مناهضة التطبيع؟ وما شابه. بلا شك، مرت منظمات السلام بعملية نضوج كبيرة منذ أيام أوسلو، وقد أصبحت أقل سذاجة، وهذه الأسئلة ليست غريبة عليها. ولكن، هل اجتاز الأمريكيون، الذين سيتم اختيارهم للجان التوجيه التي ستوزع الأموال، عملية مشابهة؟ لستُ متأكدة من ذلك.