مَن يُنقذ أوكرانيا؟

كتب: عبد المجيد سويلم

 

مع تأكّد الفشل الفادح والصّريح، والكارثي على مستوى الخسائر، ومع اعتراف «الغرب»، الفاضح و»الخجول» إعلاميّاً، ومع «إدراك» «الغرب» للمرّة «الألف» أنّ تزويد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة والمعدّات (الحديثة) لا يُغيّر في الواقع الميداني شيئاً جوهرياً، ولا حتّى جزئياً، فقد أصبح مصير هذا البلد المغلوب على أمره، وأمر شعبه في مهبّ الرّيح، وأصبح شبح التفكّك، والتدمير الذاتي، والانهيار التامّ يُطلّ برأسه عقِبَ كلّ جولةٍ قوية من جولات الحرب في أوكرانيا.

تعالوا نستعرض معاً ماذا يقول «الغرب» عن الحرب التي تدور هناك من خارج ما تقول به وسائل الإعلام المُغرِضة في هذا «الغرب»، وبعيداً عن خُزعبلات الإعلام «الغربي» الأصفر، والأصفر الكالح والباهت في آنٍ معاً.

إذا ما راجعنا أقوال رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية فإنّ التركيز الرئيس لديه، ولدى «حديثه» عن سير المعارك ووجهتها فإنّه ينسى أو يتناسى الحديث المباشر عن «التطوّرات» الميدانية ويقفز ــ بخفّةٍ ــ يُحسد عليها للحديث عن «مشكلات» تعاني منها روسيا، وعن أزمات ــ هي متخيّلة في الواقع ــ يعيشها الجيش الروسي، وعن «خلخلات» اجتماعية، وتصدُّعات سياسية.. من شأنها أن تساعد القوات الأوكرانية على خُطوط القتال!

ثم يعود و»يؤكّد» أنّ وكالته تعمل على مدار الساعة «للاستثمار» في هذه الأوضاع «لحسم» الحرب هناك!

وهذا يعني أنّ المراهنة ليست على التطوّرات الأمنية، وإنّما على الأوضاع «الداخلية» الروسية.

فماذا يعني ذلك سوى أعلى درجات اليأس من طبيعة، وسير العمليات الميدانية، وماذا يعني سوى أنّ «كسب» الحرب هو عملية مستحيلة، وأنّ لا مجال للمراهنة عليها على الإطلاق؟

وعندما يتعلّق الأمر بالأسلحة والمعدّات «يؤكّد» «الغرب» على لسان قادته «السياسيّين» في كلّ مرّة أنّ تزويد أوكرانيا بهذه الأسلحة «سيمكّنها» من قلب موازين الحرب، ثم ما يلبث هذا «الغرب» نفسه أن يعاود «التأكيد» على أنّ تلك المعدّات ستُساعد أوكرانيا على «الصمود»، وعلى عدم التقهقر والانهيار، وخصوصاً في أعقاب محاولات الفشل المتكرّرة في كلّ الجبهات، حتى وصلت الأمور إلى «توبيخ» القيادات الأوكرانية علنيّاً، والتهكُّم على طلباتهم التي لا تنتهي أبداً دون جدوى، ودون إحراز أيّ تقدُم.

ولعلّ واقعة الحديث عن «أمازون» كانت أهمّ «فضيحة» على هذا الصعيد، بصرف النظر عمّا قيل إنّه قد تمّ «التراجع» عنها!

أمّا رئيس الدبلوماسية الأوروبية «كلّها» جوزيف بوريل، فإنّ مهمّته على هذا الصعيد هي «تحضير» الأجواء المناسبة لكلّ حلقة في سلسلة تزويد أوكرانيا بالأسلحة، بحيث مع فشل كلّ هجوم مضاد أو غير مضاد للقوات الأوكرانية يعلن بوريل أنّ الباب بات مفتوحاً لتسليح أوكرانيا.

هكذا كان الأمر قبل الدبّابات والمدرّعات، وهكذا كان قبل المدفعية الثقيلة، وهكذا كان قبل أسلحة الدفاع الجوّي، وهذا هو واقع الحال «قبل» تزويد أوكرانيا بالطائرات الحديثة، وهكذا سيكون عليه الأمر في الحلقة القادمة بتزويد أوكرانيا بالصواريخ بعيدة المدى، وهكذا سيظلّ الأمر وصولاً إلى الأسلحة النووية التكتيكية، وذلك لأنّ هذه السلسلة ستتواصل إلى حين وصول «الفَرَج» دون تحديد مصدر هذا الفَرَج.

آخر «تقليعات» «الغرب» الذي يُجرم بحق أوكرانيا وشعبها، وذلك لأنه يعرف بأدقّ التفاصيل الواقع الميداني هي «الضمانات» الأمنية التي سيقدّمها «الغرب» لأوكرانيا بديلاً عن استحالة انضمام هذه الأخيرة لحلف «الناتو»، أُسوة بالضمانات التي تتمتّع بها إسرائيل.

دعونا نفتح قوسين هنا لأنّ الأمر يستحقّ مقالة خاصّة حول أوجه الشبه بين هاتين «الضمانتين»، وكذلك أوجه الاختلاف بينهما، لكنّ الأمر ينطوي على مفارقة خاصّة للغاية، وعلى مقاربة «غربية» عجيبة وغريبة تستحق أن يتمّ ضمّها إلى عجائب الدنيا السبع.

إذا اعتبرنا أنّ هذه «الضمانات» تأتي في سياق، وفي إطار دفاع أوكرانيا عن «نفسها» في مواجهة التهديدات «الروسية» أو غيرها، فهل هذا يعني أنّ الضمانات التي قدّمها «الغرب» لإسرائيل، كبديل عن انضمام إسرائيل لحلف «الناتو»؟!

وإذا اعتبرنا أنّ أوكرانيا تواجه تهديداً يستدعي حمايتها من الهجوم «الروسي»، فهل تواجه إسرائيل مثل هذا التهديد؟ وماذا عن احتلال إسرائيل للجولان والضفة الغربية وقطاع غزة؟ فهل «الضمانات» الأمنية المقدّمة لها للاحتفاظ بهذه الأراضي التي احتلتها ضد كلّ من يحاول تحريرها أو استعادتها حتى بالوسائل السلمية؟

سنعود حتماً إلى «الضمانات» الأمنية التي تُشبه بعضها بعضاً، والتي كنت أظنّها للحظة بأنها «زلّة لسان» «غربية»، لكن دعونا الآن نَعُدْ إلى أوكرانيا وما تعانيه.

حُكّام بولندا الذين ليس لديّ شكّ بأنّ لديهم نزعات فاشية وعدوانية أصبحوا يشكّلون رأس الحربة في تأجيج الحرب في أوكرانيا يحاولون جرّ روسيا البيضاء للدخول مباشرة في هذه الحرب، لكي يُدخلوهم بدورهم فيها، وبذلك سيكون «تدخُّل» («الناتو» مشروعاً)، لأنه سيُعتبر موازياً للتدخُّل البيلاروسي، وذلك في ظل العلاقة الخاصة والتحالف العميق بين روسيا وروسيا البيضاء، إذ ليس سرّا أنّ القيادة الروسية تعتبر روسيا البيضاء خاصرتها الأهمّ في البعد الجيوسياسي، وتراها الحلف الأوثق، ما يعني أنّ «الغرب» لم يعد لديه أمل بتحقيق أيّ إنجاز ميداني، وبات الحلّ الوحيد هو «تأجيج» الحرب، وتسخين جبهات جديدة لأنّ وتيرة الحرب الحالية استنفدت مهمّتها، و»الغرب» لم يعد سوى متجر لتزويد وبيع الأسلحة، ومسألة «أمازون» هي مسألة حقيقية وواقعية تماماً.

إذا وصلت الأمور إلى هذا الحدّ، وليس مستبعداً أبداً أنّ تصل فعلاً، فإنّ روسيا البيضاء ستهدّد العاصمة الأوكرانية برّياً، وبولندا «ليس أمامها» سوى الاستيلاء على أجزاء واسعة من الغرب الأوكراني.

بولندا لديها الكثير من الأطماع في الغرب الأوكراني، وروسيا ستعتبر أنّ الحل الوحيد في حالة تقدّم القوات البولندية هو خلق منطقة «آمنة» لروسيا، ولروسيا البيضاء، ستكون العاصمة وكلّ محيطها جزءاً من هذه المنطقة.

لا أملَ ببقاءِ أوكرانيا على قيد الحياة إذا ما قرّر «الغرب» استخدام بولندا في لعبته الجهنمية، خصوصاً أنّ حُكّامها على أتمّ الاستعداد لإعادة لعبة «زيلينسكي» والتحوُّل إلى دُمى على مسرح «الغرب» الهزلي كما يبدو الآن، والمأساوي لما سيكون عليه.

تقسيم أوكرانيا وتقاسمها، وتشرذمها ودمارها سيُصبح من عداد التحصيل الحاصل حتى وإن «أنكر» «الغرب» الوصول بها إلى هذا الحال، وحتى لو أنّ القيادة الروسية، والقيادة البيلاروسية لا تسعى إلى ذلك، وليس لديهما مثل هذا الهدف.

قبل سقوط الرئيس الأميركي جو بايدن في الانتخابات القادمة، وقبل انفجار انتفاضات وهبّات شعبية في أوروبا «الغربية»، مناهضة للحرب، ومناهضة للتصعيد «الغربي» فإنّ أوكرانيا ليست مرشّحة سوى للخراب، وليس لديها سوى «السماء» لأنّ شياطين الأرض قد قرّروا التضحية بها وبشعبها، وهذه كانت السياسة الاستعمارية «الغربية» على الدوام.