بعد يومين من فض لقاء العلمين للمصالحة في الثلاثين من أغسطس الجاري دون التوصل لنتيجة مرضية وطنياً تحدث خالد مشعل الرئيس السابق للمكتب السياسي لحركة حماس (1996- 2017) ومسؤولها الحالي المكلف بالعلاقات الخارجية لوسائل الإعلام عن الانقسام وأسبابه حديثاً خطيراً ويتنافى مع الوقائع والحقائق التي صاحبت عملية الانقسام منذ أن كان الانقسام وفصل غزة عن الضفة مجرد مخطط في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي في نهاية القرن الماضي ثم كيف تمت عملية التنفيذ المتدرج من خطة الفصل الأحادي لشارون 2005 وصولاً لسيطرة حماس على القطاع 2007 ثم فشل كل حوارات المصالحة وآخرها اتفاق القاهرة في أكتوبر2017، خلال هذه السنوات كان السيد خالد مشعل رئيسا للمكتب السياسي لحماس ومطلعاً على هذا المخطط ومشاركاً في بعض فصوله.
أهم ما جاء في حديثه الذي لم تنفيه حركة حماس ما يلي:
1- “لا يوجد أسباب حقيقة للانقسام الفلسطيني سوى التنافس على القيادة، ليس فقط في فلسطين وإنما في العالم العربي “.
2- أن اختلاف الأيديولوجيات الفكرية ما بين الإسلامي واليساري للفصائل الفلسطينية ليست سبباً رئيسياً في عدم التوصل للاتفاق وإنما من المفترض أن يكون هذا الاختلاف والتباين طريقاً للتعايش والتواصل بينها.
3- “أن هذا التباين السياسي لا يجب أن يدفعنا للانقسام كمكونات رئيسية للشعب الفلسطيني … “فلماذا إذاً نختلف وندخل في حالة انقسام حقيقي من أجل التنافس على القيادة”.
4- “هناك علة تستدعي صراعنا على “الكيكة”، رغم أننا في فلسطين لا توجد كيكة حقيقية للتنافس عليها.
وقبل الاستطراد نذكر بحديث لخالد مشعل لقناة الجزيرة القطرية يوم الثالث عشر من أغسطس العام الماضي حيث قال في برنامج (الجانب الآخر) أنه: “يأسف لاستمرار الانقسام الفلسطيني الداخلي، رغم أن أسبابه تعود إلى المجتمع الدولي الذي لم يتقبل نتائج الانتخابات التشريعية عام 2006، وفازت فيها حركة حماس بالأغلبية، ولم يقبل التعاون مع الحركة”
نقول إنه كلام خطير ومناف للحقيقة لأنه يبرئ إسرائيل وأطراف إقليمية أخرى من المسؤولية عن الانقسام الذي فصل غزة عن الضفة وهي الأطراف التي رعت الانقسام ومدت حركة حماس بكل ما تحتاج من مال وسلاح ودعم سياسي حتى تحافظ على سلطتها وهيمنتها على القطاع، بل كانت هذه الأطراف تشكل عائقاً أمام أية مصالحة وطنية، هذه الأطراف بالإضافة الى إسرائيل: قطر وتركيا وإيران. كما أن قوله بأن الاختلاف السياسي والأيديولوجي يجب ألا يكون سبباً للانقسام والصراع وهو كلام صحيح نظريا ووطنيا إلا أنه يتعارض مع الحقائق على الأرض ومع الخطاب السياسي لحركة حماس منذ تأسيسها مع المجمع الإسلامي منتصف سبعينيات القرن الماضي ثم مع الإعلان الرسمي عن ظهورها عام 1987 قبل قيام السلطة والصراع عليها. و بيانات وتصريحات التكفير والتخوين الصادرة عن الحركة ما زالت في الذاكرة وموثقة عند المتابعين للشأن الفلسطيني.
فقد ظهرت حماس كمشروع إسلام سياسي إخواني نقيض للمشروع الوطني الفلسطيني وكان قادتها دوماً يؤكدون أنهم امتداد لجماعة الأخوان المسلمين وأن مشروعهم الإسلامي كما ورد في ميثاق الحركة يتعارض مع مشروع منظمة التحرير الفلسطينية العلماني! والكل يتذكر بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى عندما رفضوا المشاركة في البيانات التي تصدرها القيادة الموحدة ثم رفضوا لاحقاً المشاركة في الانتخابات العامة إلى حين ظهور المشروع الأمريكي للشرق الأوسط الجديد الذي طالب بإشراك الإسلاميين في السلطة على مستوى العالم العربي.، ولا ننسى خطابات إسماعيل هنية وتكراره القول: “هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه” والجماهير تردد من خلفه، وحديث قادة حماس عن الحكومة الربانية.، وتصريحاتهم المتكررة بأن حركة حماس فرع من الإخوان المسلمين وامتداد فلسطيني لها وهي التصريحات التي تراجعت بعد سقوط حكم الرئيس محمد مرسي واستلام السيسي للسلطة 2014……..
وفي رأينا إن أخطر ما في تصريحات مشعل الأخيرة أنه يوجه اتهامات مبطنة لحماس الداخل بأن كل ما تقوم به هو من أجل السلطة وتقاسم (الكيكة) وبالتالي يبرئ حماس الخارج التي يترأسها وجماعة الإخوان المسلمين وقطر وتركيا من المسؤولية عن صناعة الانقسام وتداعياته المدمرة وطنيا وعلى سكان قطاع غزة.
أما قوله إنه صراع على القيادة في فلسطين وفي العالم العربي، فهذا كلام مردود عليه فالوضع في فلسطين المحتلة ليس كباقي الدول العربية ولا مجال للمقارنة، إلا إذا كان يقصد الصراع الفلسطيني/ الفلسطيني في الساحات العربية الأخرى كما يجري في لبنان ومخيم عين الحلوة وفي التجمعات الفلسطينية الأخرى.
نعم، إسرائيل وظفت أطرافاً فلسطينية لصناعة الانقسام وضمان ديمومته، وصحيح أنه تشكلت خلال سنوات الانقسام فئات سياسية واجتماعية في السلطتين وخارجهما مستفيدة من الانقسام ومعنية بديموته وتشتغل على التوافق على إدارته، ولكن إسرائيل هي التي خططت وكان دورها رئيسياً في التنفيذ، ولو كان الأمر مجرد خلافات فلسطينية داخلياً وصراعاً على السلطة(الكيكة) والقيادة فلماذا لم ينتهي هذا الصراع طوال 16 سنة من سيطرة حماس على القطاع، بل وطوال 35 سنة تقريباً أي منذ ظهور حركة حماس عندما بدأت الحوارات في السودان 1991؟
قد اعترف قادة الاحتلال أنفسهم ومنهم شمعون بيرس أن إسرائيل صنعت الانقسام الفلسطيني الذي أدى لفصل غزة عن الضفة وان هذه الخطوة من أهم إنجازات إسرائيل بعد حرب حزيران، 1967، ونقلا عن صحيفة الاندبندت بالعربية في 15 مايو 2023 وبحسب نتنياهو فإن إسرائيل تسمح بتحويل الأموال إلى غزة بصورة منتظمة لأن ذلك يشكل جزءاً من إستراتيجية تهدف إلى الإبقاء على الانقسام بين حركتي فتح وحماس، وينبغي المحافظة على ذلك لأن من شأنه المساعدة على الحيلولة دون إنشاء دولة فلسطينية، وفي تصريحات له مع صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية قال إنه لن يعطي القطاع لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، معتبراً أن “الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة الغربية ليس سيئاً، وإذا ظن أحد أنه ستكون هناك دولة فلسطينية تحيط بإسرائيل من كلا الجانبين فهذا لن يحدث، ويرى القائم بأعمال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق حاييم رامون أن لنتنياهو إستراتيجية واحدة في تعامله مع “حماس” وهي تعزيز الانقسام، حيث يقول: إنه “منذ عام 2009 توجد إستراتيجية وحيدة واضحة تجاه قطاع غزة يتّبعها رئيس الوزراء ويؤيدها وزراء الدفاع، وتتمثل في بناء تحالف غير مكتوب مع ’حماس‘ هدفه الحفاظ على الانقسام بين القطاع والضفة الغربية والحفاظ على الوضع السياسي الحالي، ويضيف رامون، “سمعت عام 2015 وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وهو يصف السلطة الفلسطينية بالعبء و’حماس‘ بالذخر، ولذلك يعمل نتنياهو جاهداً على منع عودة السلطة للحكم في غزة، ويحافظ على حكم ’حماس‘ لكن كثيراً من الإسرائيليين يصعب عليهم تصديق ذلك”.