معاناة شديدة يواجهها المواطنون في “فقوعة” بفعل إخطارات الهدم

– كعادته اليومية بعد عودته من العمل في الداخل، توجه المواطن الخمسيني محمود أحمد صلاح، قبل يومين  لمتابعة العمل في تجهيز منزله الذي يشكل “حلم العمر “، بعدما قضى السنوات الماضية الأخيرة في بناءه وتحضيره ليقطنه وعائلته المكونة من 5 أفراد، لكنه أصيب بصدمة كبيرة، عندما عثر على ملصق على بوابته، عبارة عن إخطار صادر عن قوات الاحتلال بوقف بناء منزله فوراً، بذريعة عدم الترخيص.


صلاح الذي يعيش في قرية فقوعة الحدودية والجدارية شرق جنين، سارع للتوجه للمجلس القروي، لمساعدته في الوصول للجهات المعنية، وتقديم اعتراض ضد القرار الذي اعتبره بمثابة حكم “بالإعدام والدمار “، عليه وعلى أسرته التي تنتظر منذ 4 سنوات، إكمال تجهيز المنزل الذي بناه داخل أرضه، وضمن حدود قريته وعلى بعد 500 متر من جدار الفصل العنصري الذي بناه الاحتلال داخل حدود جلبون التي تعتبر أراضيها رهن مطامع الاحتلال منذ بداياته.

ويقول المواطن صلاح: “قضيت عمري أعمل وأتعب وأشقى، لتوفير مأوى مناسب ومنزل مستقر وجميل وأمن لأسرتي، وحرصت على الابتعاد عن جدار الفصل العنصري لتلاشي أي مشاكل أو مضايقات أو إعتراض من الاحتلال، وجهزت كافة عمليات البناء والاعمار بشكل طبيعي وعلى مرأى ومسمع من الاحتلال، وانجزت بناء المنزل المكون من  طابقين على مساحة 280 مترًا، ولم أتلقى يوماً، أي إعتراض أو إنذار من الاحتلال الذي يرقب ويرصد المنطقة بشكل كامل ومستمر”.

وأضاف: “منزلي بعيد عن الجدار ولا يتصل به إطلاقاً، وبعدما أصبح جاهزًا للسكن، بدد الاحتلال فرحتنا، بذرائع وحجج  واهية”.

تتجاوز خسارة المواطن صلاح ال300 ألف شيكل، إذا نفذ الاحتلال قراره بازالة وهدم منزله الوحيد، ويقول: “نعيش مشاعر الحزن والألم والقلق، تحسباً من قيام الاحتلال بهدم المنزل، وهذا ظلم كبير، واستمرار لسياسات تضييق الخناق علينا بكل الطرق، بهدف ترحيلنا واقتلاعنا”.

وأكد: “لن نستسلم لهذه الاجراءات العنصرية، وسنبقى ثابتين ومتجذرين في أرضنا راسخين كجذور الزيتون، ومن حقنا استخدام كل السبل القانونية لمواجهة الاحتلال ومنع تنفيذ هذه القرارات الظالمة”.

 حملات مستمرة..

 وتعتبر فقوعة، من المناطق والقرى المستهدفة والتي ما زالت تعاني من الاحتلال الذي اغتصب مساحات واسعة من أراضيها التي تمتد داخل حدود خط الهدنة واقيم عليها المستوطنات، وتصل حدودها لمناطق تقع خلف جدار الفصل العنصري في الداخل الفلسطيني، ومنذ بناء الجدار عام 2002، فرض الاحتلال كما يوضح ممثل المجلس القروي منير بركات، قيود وتدابير مشددة بحق ملاك الأراضي سواء التي أصبحت معزولة خلف الجدار أو المحاذية لها رغم وقوعها داخل فقوعة، وخلال الفترة القليلة الماضية، شرعت قوات الاحتلال باستهداف جديد  للمنشأت المدنية والزراعية والصناعية.

 وذكر بركات، أن قوات الاحتلال اقتحمت القرية بتاريخ 8-1-2023، ووزعت 12 إخطارًا للمواطنين لوقف عمليات البناء بحجة عدم الترخيص لمنازل تعتبر المأوى الوحيد لسكانها الذي دفعوا مبالغ باهطة للبناء، ومنشأت زراعية وصناعية تعتبر مصدر معيشة مالكيها منها بركسات وورش زراعية، موضحاً أن الاحتلال في المرحلة الثانية من الاستهداف، وزع 3 إخطارات بتاريخ 9-2-2023، اثنين منها استهدفت وقف بناء منزين والثالث إزالة مبنى جديد قيد التشطيب وشبه جاهز للسكن.

واعتبر بركات ما يمارسه الاحتلال استمرار لسياسة مبرمجة تستهدف المناطق القريبة من الجدار، والمنازل التي تبنى أو مبنية قربها منه، مشيرًا إلى حملة شرسة يتعرضون لها منذ تولي حكومة المستوطنين للأوضاع.

   
صور أخرى ..

أما المواطن مفيد  جلغوم، فاضطر لاغلاق مزرعته، وبيع الماشية التي كان يربيها ويسوقها وتعتاش منها عائلته، بعدما عثر، على اخطارات تركها الاحتلال أمام أرضه التي أقام مها حظيرة للماشية ومخزن للأعلاف.

وذكر جلغوم وهو باحث متخصص في التاريخ، أنه أقام في أرضه التي يملكها حظيرة، كانت تضم 50 رأس غنم، وبجانب غرفة مخزن لاحتياجات ماشيته والعلف وجزء آخر مزروع بأشجار الزيتون المعمرة، لكن معاناته بدأت منذ قيام الاحتلال، باقامة جدار الفصل العنصري داخل حدود القرية، فأصبح قريباً من الأراضي بشكل مباشر.

ويقول: بسبب سياسات الاحتلال أصبحت الأرضي تبعد 100 متر عن الجدار فقط، مما سبب لنا مشاكل بشكل مستمر مع الاحتلال، بهدف ابعاد المزارعين وأصحاب الأراضي عن المناطق القريبة من الجدار، لتفريغها من السكان ومصادرتها.

قبل أيام عثر جلغوم على الاخطارات، ولتلافي خسائر كبيرة لم يكن أمامه سوى التخلي عن مشروعه الانتاجي، ويقول: “بعد الاخطار ، أصبح هناك خطر كبير وحقيقي على مزرعتي، فالاحتلال يمكن أن يداهمها ويهدمها ويصادر كل ما فيها، فتوقفت عن العمل فيها، وبيع كل محتوياتها، مما سبب لي خسائر كبيرة، ولن أتمكن من العمل في هذا المجال مرة أخرى، خوفاً من الهدم المفاجيء، وبذلك فقدت مصدر الدخل لاعالة أسرتي، فهذه المزرعة كانت توفر قوتها اليومي”.

وعبر جلغوم عن غضبه واستنكاره لهذه الممارسات التي تحمل في طياتها أبعاد سياسية، وقال: “الاحتلال يريد مصادرة كل ما تبقى من أراضي فلسطينية في فقوعة، وهناك تركيز حالياً على المناطق المتاخمة للجدار العنصري، لتفريغها حتى من السكان، فقد أصدر اخطارات وقف بناء وهدم لأصحاب بيوت جاهزة للسكن، ويجب التصدي لها ومنع تنفيذها”.

وبين أنه قدم شكوى لمؤسسات حقوق الإنسان للضغط على الاحتلال لوقف هذه الاجراءات التعسفية ومنح المزارعين تراخيص للعودة للعمل بشكل طبيعي للاستمرار والبقاء في الأرض ومنع طرد المزارعين ومصادرة ممتلكاتهم.

 حرب مبرمجة ..

 ومنذ تلقيه إخطاراً ثانياً بإزالة ورشته الصناعية “محددة”، يتنقل المواطن الثلاثيني  محمد عبد الكريم أبو العسل بين المؤسسات وجهات الاختصاص مكافحاً بكل قوة لمنع الاحتلال من تدمير مصدر الدخل الوحيد الذي  تعتاش منه عائلته المكونة من 11 فردًا ، تشمل والده وشقيقه وأسرته، ويقول: “منذ سنوات بعيدة ، أسست محددتي على أرض مساحتها 9 دونمات، وعشنا حياة مستقرة وطبيعية حتى بدأ الاحتلال بملاحقتنا وتضييق الخناق علينا لتدمير حياتنا”.

وأضاف: “في المرة الأولى تسلمت تهديد عن طريق الكتابة على باب المحددة بازالتها  بالكامل، لكني لم أهتم، وواصلت عملي فيها بشكل طبيعي، وفي المرة الثانية قبل أيام عثرت على اخطار ورقي ملصق على باب المحددة بالازالة ووقف العمل، ومنحوني مهلة  لمدة شهر، ولكن توجهنا مباشرة للمجلس القروي، الذي بدوره قام برفع كتاب للمؤسسات الإنسانية  وذات الاختصاص، لايقاف ما يحدث من هذا التهديد والتلاعب في حياة المواطنين وأرزاقهم، فالاحتلال يستهدف لقمة عيشنا ويحاربنا بأرزاقنا”.

أما المواطن عزام أبو العسل، فعبر عن سخطه لغياب دور المؤسسات المحلية وعدم تقديمها أي دعم مادي أو معنوي للمتضررين والمستهدفين من الاحتلال وسياساته الخطيرة، وقال: “المحددة التي نملكها تعيل ثلاثة عائلات، وهي مقامة في بركس وغير مبنية بالاسمنت، وتبعد عن جدار الفصل العنصري 500 متر، فما هو الخطر والضرر الذي يمكن أن تشكله على الاحتلال ليخطرنا بازالتها؟!”.

وأضاف: “يوجد لنا أرض معزولة  داخل الجدار  بمساحة 30 دونماً مزروعة بالزيتون منذ عام 1948، ومنذ بناء الجدار لم يسمح لنا الاحتلال بدخولها وزيارتها وقطف ثمار الزيتون منها لغاية اليوم، فإلى متى تستمر هذه السياسات العنصرية التي تهدف للتضيق علينا بكل الطرق؟”.

وتابع: “منذ تلقينا الاخطار الأخير توجهنا لكافة الجهات ومؤسسات الاختصاص للتحرك قبل قيام الاحتلال بالهدم وتدمير مصدر رزقنا لكن لا يوجد أي دعم، ونتمنى أن يصل صوتنا للجهات المعنية للتحرك لمنع تنفيذ هذه الاخطارات التي تشكل خطراً وتجويعاً لأسرنا”.

تحرك وتحدي ..

من جانبه ذكر بركات أن المجلس يتابع باهتمام هذه الانتهاكات الاسرائيلية الخطيرة ، ويساند المواطنين في كافة الاجراءات القانوية وحشد الدعم للتصدي للسياسات العنصرية وتعزيز صمود المواطنين، موضحاً أنه فور توزيع الاخطارات في المرحلتين تواصل مع الجهات الرسمية ذات العلاقة بالموضوع  والاختصاص، مثل مركز القدس للمساعدات القانويية والانسانية ومحافظة جنين وهيئة مقاومة الجدار والاستيطان، لتقديم كافة اشكال الدعم والمساعدة للمواطنين، وتفعيل التحرك القانوني لالغاء الاخطارات وحمايتهم وتعزيز صمودهم  للحفاظ على هذه الأرض ومنع نهبها والاستيلاء عليهم،  ومنع هدم منازلهم  ومنشآتهم”.