تستعد الحكومة الإسرائيلية، لتقييد التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية، ما أثار معارضة أمريكية وفرنسية، حسب “تايمز أوف إسرائيل”
وذكرت تقارير إعلامية عبرية يوم الخميس، أن الحكومة تدرس إقرار مشروع قانون جديد قدمه عضو كنيست من الليكود، يستهدف تمويل المنظمات غير الحكومية من الخارج. وقالت التقارير إن هذه المؤسسات ستفقد وضعها مؤسسات عامة، ما يحرمها على إعفاء من الضرائب، ويفرض عليها ضريبة بـ 65%.
وأضافت التقارير أن منظمات في إسرائيل والأراضي الفلسطينية تعتمد على التمويل الأجنبي، قد يؤثر القانون الجديد بشدة على عملها.
وكان من المقرر طرح التشريع، الذي صاغه عضو الكنيست عن حزب “الليكود” أريئل كالنر، على اللجنة الوزارية رفيعة المستوى للتشريع في الكنيست يوم الأحد.
ينص مشروع القانون على أن أي مجموعة غير ربحية تنخرط في التوعية العامة قبل أو بعد عامين من تلقي تبرع من حكومة أجنبية ستفقد وضعها كمؤسسة عامة ولن تكون مؤهلة للحصول على إعفاءات ضريبية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم فرض ضريبة دخل على هذه المؤسسات غير الربحية بنسبة 65 بالمائة.
من المرجح أن يشل مشروع القانون قدرة منظمات حقوق الإنسان على العمل في إسرائيل والضفة الغربية، حيث يعتمد الكثير منها على التمويل من الحكومات الأجنبية.
لطالما تم استهداف منظمات حقوق الإنسان – مثل “بتسيلم” و”كسر الصمت” و”الصندوق الجديد لإسرائيل” – من قبل اليمين الإسرائيلي وحتى المركز السياسي بسبب قيامها بالكشف عن انتهاكات إسرائيلية مزعومة لحقوق الانسان ضد الفلسطينيين.
لكن الطريقة التي سعى بها المشرعون اليمينيون لانتقاد المنظمات اليسارية إلى حد كبير، كانت من خلال تسليط الضوء على مصادر تمويلها والادعاء أنها تشكل تدخلا في الشؤون الداخلية لإسرائيل.
ويشير نشطاء يساريون بدورهم إلى أن جماعات المجتمع المدني اليمينية تحصل أيضا على تمويل من مستثمرين أجانب. قد يكون هؤلاء المانحون أفرادا على عكس الدول، لكن غالبا ما يتم تحويل الأموال بشفافية أقل بكثير، كما يؤكد النشطاء اليساريون. تمول إسرائيل أيضا منظمات مجتمع مدني في الخارج بدوافع سياسية مختلفة.
تم اقتراح تشريع كهذا في الكنيست في الماضي، لكن وسط انتقادات من الخارج، لم تتم المصادقة عليه مطلقا.
لكن يبدو أن المبادرة لديها فرص أفضل لتصبح قانونا بالنظر إلى تركيبة حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المتشددة والمؤيدة للاستيطان. كما تم تضمين تعهد بتمرير مثل هذا القانون في الاتفاق الائتلافي الذي وقّعه الليكود مع حزب “قوة يهودية” اليميني المتطرف.
وقال أريل كالنر، عضو الكنيست عن حزب الليكود المسؤول عن القانون عبر تويتر إن الهدف من فرض الضريبة هو “منع المصالح الأجنبية من السيطرة على المجتمع الإسرائيلي”.
واتهم كالنر دولاً أوروبية بتعمد تقويض مصالح إسرائيل بهذا التمويل.
وعبرت الولايات المتحدة الأمريكية عن رفضها لمشروع القانون الذي يعيق فرص السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حسب صحيفة تايمز أوف ذا إسرائيل.
وردا على سؤال للتعليق على مشروع القانون خلال مؤتمر صحفي يوم الأربعاء، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر: “لن أتكهن بأشياء قد يتم إقرارها. سأقول فقط إنه بصفة عامة، تدعم الولايات المتحدة الدور الأساسي للمنظمات غير الحكومية التي تشكل جزءا من المجتمع المدني”.
وأضاف ميلر: “نعتقد أنها [المنظمات غير الحكومية] ضرورية لحكومة ديمقراطية ومتجاوبة وشفافة، ونؤمن إيمانا راسخا بأن المجتمع المدني يجب أن تتاح له الفرصة والفضاء للعمل وجمع الموارد في جميع أنحاء العالم”.
كما سيعقد التشريع بشكل كبير تشريع تاريخيا مرره الكونغرس الأمريكي في عام 2020 بدعم من كلا الحزبين المعروف باسم “قانون شراكة الشرق الأوسط من أجل السلام” (MEPPA). القانون خصص 250 مليون دولارا في شكل تمويل أمريكي لمنظمات التعايش التي تعزز الحوار الإسرائيلي الفلسطيني وتدعم تنمية الأعمال التجارية الفلسطينية.
وصفت إدارة بايدن التشريع بأنه حاسم لخلق الظروف القاعدية اللازمة لاتفاق سلام مستقبلي بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن إذا تم تمرير مشروع قانون كالنر، فسيتعين على المنظمات التي تتلقى منح MEPPA تحويل مبالغ ضخمة من هذه الأموال إلى الحكومة الإسرائيلية.
كما أعربت السفارة الفرنسية في إسرائيل عن موقفها من مشروع القانون يوم الأربعاء، وأشارت إلى أنها أثارت بالفعل مخاوف بشأن القرار الإسرائيلي في عام 2021 لتصنيف ست مجموعات حقوقية فلسطينية كمنظمات إرهابية، مشيرة إلى أنها تعتبر مشروع القانون الأخير امتدادا لتلك الجهود لاستهداف المجتمع المدني الإسرائيلي والفلسطيني.
وقالت السفارة الفرنسية إن مشروع قانون كالنر “مقلق للغاية وبنفس القدر. نعيد التأكيد على التزامنا بالدور الحاسم للمجتمع المدني في حياة كل ديمقراطية، في إسرائيل وفي كل أنحاء العالم”، مضيفة “تقع على عاتق الدول مسؤولية إنشاء مساحة وبيئة مواتية لعمل [منظمات المجتمع المدني] والحفاظ عليها، حيث يمكن لمجتمع مدني نابض بالحياة أن يجلب أيضا ثقافة السلام والتنوع”.
وانتقد الصندوق الجديد لإسرائيل، وهو منظمة جامعة تمول عشرات منظمات المجتمع المدني التقدمية التي تعمل في إسرائيل والضفة الغربية، مشروع القانون بشدة، واصفا إياها بأنه “الخطوة التالية” نحو جهود الحكومة لإصلاح النظام القضائي.
وقال الرئيس التنفيذي للصندوق الجديد لإسرائيل، دانييل سوكاتش، في بيان الأربعاء إن “نتنياهو وحكومته من المتطرفين يريدون إخراج المجتمع المدني من الوجود – وخاصة المنظمات التي تعمل على الدفاع عن حقوق [الشرائح] الأكثر تهميشا في إسرائيل وتحت سيطرة إسرائيل: النساء ومجتمع الميم والفلسطينيون تحت الاحتلال والمواطنون العرب في إسرائيل”.
وأضاف: “هذه هي بالضبط الطريقة التي يقلص بها المستبدون الحيز الديمقراطي. يمكن لهذا القانون أن يفرض إغلاق مئات المنظمات في إسرائيل – ويستهدف على وجه التحديد تلك التي تقول الحقيقة للسلطة. إن خنق التمويل من دعاة التغيير ليس ما تفعله الديمقراطيات.
الديمقراطيات القوية يمكن أن تسمع النقد، وخاصة عندما يكون قاسيا، وأن تعمل على تحسين نفسها “.
ويُذكر أن المندوبة الأمريكية لدى مجلس حقوق الإنسان ميشيل تايلور، دعت منذ أيام إسرائيل إلى الامتناع عن التدخل في عمل منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمعات المدني.
وسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو سحب مقترح مشابه، بعد توتر العلاقة مع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.
كما اعترض السفير الألماني في تل أبيب على مشروع القرار.
وقال السفير، “يشكل مشروع القانون الخاص بفرض الضرائب على المنظمات غير الحكومية مصدر قلق بالغ لنا وللعديد من شركاء إسرائيل الدوليين.”
وأضاف، “تعتبر العلاقات الحيوية وغير المقيدة بين المجتمعات المدنية ذات قيمة أساسية في ديمقراطياتنا الليبرالية. سنستمر في إثارة الموضوع مع أصدقائنا الإسرائيليين.”