يرى مراقبون فلسطينيون أن فرص نجاح القمة العربية الـ32 التي تعقد غدا (الجمعة) في مدينة جدة السعودية في تفكيك النزاعات وإنهاء التوترات بالمنطقة ستكون محفوفة بالمخاطر.
وعلى جدول أعمال قمة جدة عدة ملفات شائكة بينها تطويق الاقتتال العسكري الذي انفجر في السودان، وإنهاء الانقسام السياسي والعسكري في ليبيا والشغور الرئاسي والأزمة الاقتصادية – الاجتماعية الطاحنة في لبنان، إضافة إلى مواجهة تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
ويقع على عاتق المجتمعين النجاح في تقديم رؤية جديدة للعلاقات العربية – العربية وإعادة بناء العلاقات الإقليمية والدولية، وبحث مسألة انضمام مزيد من الدول العربية لمجموعة البريكس، على أمل إنقاذ المنطقة من الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.
وكانت القمة الأخيرة على مستوى الزعماء العرب للجامعة عقدت بالجزائر في نوفمبر الماضى، وكانت الأولى بعد توقف دام ثلاث سنوات بسبب مرض كوفيد-19.
ويأتي انعقاد القمة وهي الثانية التي ستجمع القادة العرب خلال 6 أشهر، قبل يوم واحد من تنظم عشرات الآلاف من الإسرائيليين مسيرة الأعلام السنوية التي تمر عبر البلدة القديمة بمدينة القدس، مما ينذر بتفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية على غرار ما حدث في مايو 2021.
ــ آمال كبيرة وملفات شائكة
رغم ذلك، يقول الدبلوماسي الفلسطيني السابق لشؤون آسيا وإفريقيا مازن شامية إن القمة العربية تعقد في توقيت مناسب لمعالجة ملفات كبيرة تطرح على الطاولة، مشيرا إلى أن ثقل السعودية في رئاسة القمة العربية سيعطي زخما للعمل العربي المشترك في الفترة القادمة.
ويضيف شامية لـ((شينخوا)) أن الجميع يرسمون آمالا كبيرة حولها، معربا عن التفاؤل بالقمة ومخرجاتها على اعتبار أن السعودية بحجمها وإمكانياتها قادرة على وضع جدول أعمال وايجاد الحلول خصوصا في الملفات العربية المختلفة.
ويرى شامية أن الأهم من ذلك هو أن عددا من الدول العربية قدمت طلب عضوية في مجموعة البريكس إضافة إلى أن دولا عربية تتحدث عن اتفاقيات ثنائية لاستخدامات عملات أخرى غير الدولار الأمريكي في التجارة البينية ولاسيما المتعلقة بالنفط.
من جهة أخرى، يرى شامية أنه في ظل الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن اقتنعت عدد من الدول العربية أن الولايات المتحدة نظام رأسمالي “بلا أخلاق وشروطه مجحفة تجاه التعاملات مع شركائه وحلفائه وهناك فوقية غير مقبولة”.
ويرى شامية أن العالم في خضم تغييرات حاصلة وتحصل من أجل ترتيبات وبناء النظام الدولي الجديد، في ظل أن النظام الدولي القائم لم يعد مقبولا من دول العالم.
ويعتقد شامية أن الدول في منطقة الشرق الأوسط والعالم تنظر باستحسان للدور الذي قد تلعبه الصين بمكانتها وقدراتها فضلا عن انها دولة غير استعمارية وبالتالي أي تدخلات جيوسياسية من الصين في المنطقة ستجد لها صدى إيجابي.
ــ رؤية جديدة وشراكات مستقبلية
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني الدكتور إبراهيم رباعية أن الصين تتبع الدبلوماسية بقواعدها الكونفوشية الهادئة وهي لا تقدم على خطوات مندفعة وانما خطوات تراكمية قائمة على المنفعة المتبادلة وهذه الخطوات تنسجم مع الموقف السعودي والعربي، وبالتالي فإن ذلك من شأنه أن يساعد قمة الرياض على تفكيك الأزمات وإنهاء التوترات في المنطقة.
ووفق رباعية فإن نجاح قمة الرياض يبدأ في تفكيك الأزمات القائمة وما يواكب ذلك من إجراءات بناء ثقة ومصالحة على مستوى الإقليم وما يتبعه من تحول في العلاقات الإقليمية من صراع وتنافس إلى علاقات تعاون.
ويقول لـ((شينخوا)) إن أساس التسوية التي بدأت بين إيران والسعودية واستعادة العلاقات العربية مع تركيا هي بمثابة أرضية مشتركة لتسوية ملفات القمة المتفجرة خاصة السوري والسوداني والفلسطيني.
ويضيف أن الاثمان التي دفعتها الدول العربية بشكل منفرد والاقليم بشكل عام كبيرة جدا منذ احداث الربيع العربي مما خلق أزمة في المنطقة العربية وبالتالي هناك رغبة في إعادة انتاج العلاقات على أساس التعاون المتبادل.
وردا على مدى انعكاسات استضافة السعودية القمة العربية مرة أخرى بعد خمس سنوات فقط، يقول رباعية إن السعودية اليوم مختلفة كليا، فهي متحررة من أية ضغوط والتزامات دولية وأصبحت لاعبا اقليميا ينوع في تحالفاتها واستثماراتها وعلاقتها والإقليمية والدولية.
ويضيف أن السعودية بقيادتها تؤسس لشكل جديد للإقليم وستعمل خلال قمة جدة على تقديم رؤية جديدة للعلاقات العربية وذلك من شأنه أن ينعكس بالإيجاب على المنطقة العربية وشراكاتها المستقبلية.
ويتفق شامية لما ذهب اليه رباعية، مشيرا إلى أن السعودية تعي تماما أن مدخلها لتهدئة الأوضاع في المنطقة هو من خلال الملف والقضية الفلسطينية أولا وترتيب الوضع الداخلي وإنهاء الانقسام وإعادة الوحدة الوطنية.
ويرى شامية أن الكثير يتفق على أن تقدم عملية سلام أو التطبيع مع إسرائيل لن يكون دون أثمان وبالتالي السعودية والدول الأخرى قادرة على فرض شروطها لترتيبات جديدة وتبريد الوضع في منطقة الشرق الأوسط لكن هذا لن يكون بدون حل القضية الفلسطينية ودعمها.
ويشير إلى أنه على الرغم من اتفاقيات التطبيع التي عقدت ما بين إسرائيل وبعض الدول إلا أن الاتفاقيات بالنسبة للإسرائيليين لا قيمة لها في ظل عدم وجود السعودية على رأس سلم الأولويات باعتبارها مركز العالم الإسلامي وأكبر دولة خليجية.
ويؤكد شامية على قدرة السعودية في إنهاء الانقسام الداخلي وعقد مصالحة بين الأطراف الفلسطينية في القبول بتسوية على أساس المبادرة السعودية التي أطلقها العاهل السعودي الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز العام 2002.
ــ ترميم الجسور وجمع الشمل العربي
ويرى الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني عمر الغول أن قمة جدة هذا العام تعقد في ظل التقارب السعودي الإيراني، وقرار عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد أكثر من عقد من الزمن على تعليق عضويتها، إضافة إلى تراجع الدور الأمريكي في المنطقة.
ويعتقد الغول أن إعادة العلاقات السعودية الإيرانية جاء في مصلحة البلدين في البداية والملفات العربية المشتركة ذات الصلة في الصراع كملف سوريا واليمن وغيرها، معتبرا أن إتمام الاتفاق ورعايته يمثل ثقلا استراتيجيا للصين في الشرق الأوسط.
ويقول الغول لـ((شينخوا)) إن منطقة الشرق الأوسط شهدت منذ إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران بوساطة الصين تيار مصالحة، مما يلمح إلى بوادر تعزيز التضافر والوحدة والاستقلالية الدبلوماسية.
ونوه بأهمية الدور الصيني النزيه في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، وأن يكون هذا الدور منافسا قويا وبثقل كبير لدعم كفاح الشعب الفلسطيني في الاستقلال والحرية، وهو أمر يعتبر ثابتا أساسيا في السياسة الصينية تاريخيا.
وأشار الغول إلى أن الولايات المتحدة تاريخيا فقدت شعبيتها في المنطقة العربية والآن تجد أن الرأي العام العربي سلبي تجاه الإدارات الأمريكية المختلفة وصانع القرار الأمريكي لأنها ببساطة أصبحت أكبر مهدد للسلام العالمي.
ويعتقد أن قمة جدة ستكون مفعمة بالحيوية في ظل إصرار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على ترميم الجسور مع كافة الأقطار العربية وجمع الشمل العربي بالمعايير النسبية دون اي تنافر فيما بين الدول العربية.