في الوقت الذي تزداد فيه المخاوف الإسرائيلية من اندلاع مواجهة جديدة مع الفلسطينيين، على غرار هبة مايو 2021، تواصل أجهزة أمن الاحتلال الإعلان بين حين وآخر عن اكتشاف خلية مسلحة خططت لتنفيذ عمليات فدائية، وسواء كانت هذه المزاعم دقيقة أو مبالغا فيها، فإنها تعطي إشارات حول تنامي المخاطر الأمنية في الضفة الغربية تحديدا، لاسيما مع ارتفاع معدلات اعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال ضد الفلسطينيين.
ورغم أن جيش الاحتلال يفرض سيطرة شبه محكمة على الضفة الغربية، مع تنسيق أمني مع السلطة الفلسطينية، ما يشكل أداة استئصال متلاحقة لقوى المقاومة، لكن ذلك لا يمنعها من القدرة على النفاذ بين حين وآخر من هذه الإجراءات لتنفيذ هجمات.
الجنرال إلياف إلباز القائد الجديد لكتيبة “بنيامين” وسط الضفة الغربية، ذكر في حوار مطول مع موقع ويللا، أن “الضفة الغربية تشهد حالة من الاستقرار الأمني في السنوات الأخيرة، بدليل قدرتنا على القيام بجولة في المنطقة الواقعة في قلب مدينة رام الله بملابس مدنية، وبدون أسلحة، وبدون أمن، ودون الحاجة لطائرة بدون طيار تحلق في السماء، وهو تحول شهدته رام الله منذ عملية السور الواقي في 2002، قبل عشرين عاما من اليوم، وسط اعتقالات يومية”.
وأضاف أن “رام الله اليوم مختلفة، فهناك ستة مراكز تجارية كبيرة، وكافيهات، ومطاعم، وحياة ليلية، كل شيء تغير فيها، خاصة منذ أن اندلعت الانتفاضة الثانية، التي شهدت للمرة الأولى دخول الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة “أ”، حينها كان من الصعب أن ندخلها، وننشئ حاجزا، ونعتقل من نريد من الفلسطينيين، فالوضع كان صعبا للغاية، لأن مدن ومخيمات الضفة الغربية في حينها شهدت انتشارا واضحا للراغبين بتفجير أنفسهم ولأول مرة، وصلت صواريخ في مناطق الضفة الغربية، والعديد من الأسلحة، والأحزمة الناسفة”.
ولا يتردد جيش الاحتلال في الاعتراف بأن الضفة الغربية، رغم ما فيها من انتشار مكثف لقواته، بوجود محاولات قوى المقاومة الفلسطينية لتنفيذ سلسلة من العمليات الهجومية، وللحيلولة دون خروجها إلى حيز التنفيذ، يكتشف الجيش العديد من مخارط الأسلحة كل أسبوع تقريبًا، وغالبا ما يضع الشاباك معلومات استخبارية دقيقة حول البنية التحتية لحركة حماس، وهي الأكبر التي تعمل في الضفة الغربية منذ 2014، وتشمل الأحزمة الناسفة والأسلحة المتفجرة، ومخططات لتنفيذ هجمات خطيرة، بما فيها الفدائية داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
في الوقت ذاته، يبدي الإسرائيليون قلقا واضحا، من أن الوضع الأمني السائد في الضفة الغربية، الذي يبدو مسيطرا عليه من قبل إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مرشح للتغير بشكل حتمي، انطلاقا من نظرية “التمساح المقلوب”، رغم ما يدعيه الاحتلال أن ما قد يمنع الفلسطينيين من الذهاب إلى مواجهة مفتوحة أنه بات لديهم اليوم ما يخسرونه، ولذلك فهم يترددون.
وتشمل المخاوف الإسرائيلية معظم مناطق الضفة الغربية، بما فيها رام الله، التي بدأت تأخذ طابعا غربيا في كل شيء، وفق التعريف الإسرائيلي، فالحديث يدور عن مخيم الجلزون، الذي يشهد عمليات اعتقال متلاحقة، وقرية حزما، وما تشمله من 32 نقطة ساخنة للاحتكاك بين الفلسطينيين والجيش والمستوطنين، ومخيم قلنديا، الذي يشهد عند كل عملية اعتقال ينفذها الجيش اشتباكات مع الفلسطينيين، ممن يلقون على قوات الجيش الحجارة والقضبان الحديدية.
في الوقت ذاته، تلتفت أنظار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين بقلق إلى آلاف من مقاتلي فتح المسلحين، وفي هذه المرحلة يجلسون على السياج في انتظار التغييرات المرتقبة في الضفة الغربية، والجيش يراقب لرؤية ما إذا كانوا سينطلقون باتجاه تنفيذ عمليات هجومية مسلحة، بجانب نشطاء الجبهة الشعبية، فضلا عن المسلحين المنفردين، الذين يستيقظون في الصباح، ودون سابق إنذار، يخرجون لشن هجوم، يقفز شخص يلتقط صورة ببندقية M-15 على Facebook ويكتب منشورا “غدًا ستشرق الشمس من أجل مستقبل أفضل”.
كل هذه التطورات تدفع الجيش وجهاز الشاباك لتوقع تلك اللحظة التي تندلع فيها المواجهة مع الفلسطينيين، ولا يمكن السيطرة عليها، مع خشية أن اندلاعها سوف يدمر التنسيق الأمني، الذي يحرص الجيش على عدم الحديث عنه كثيرا، وخلال ذلك يجري الجيش تمرينات متزايدة استعدادا لأيام قتالية قادمة، لأن الفرضية السائدة أن إسرائيل يمكن أن تجد نفسها في تصعيد مجنون في يوم واحد، ولذلك فهي تتجهز ليوم تنقلب فيه الأوعية مرة واحدة، بحيث تتحول مظاهرة شعبية إلى معركة مجنونة بالأسلحة النارية.
وفي الوقت ذاته، ورغم ما تتمتع به رام الله من مجمعات تجارية، ومقاه ليلية، وتجارة، وسياحة، وفنادق، وفروع كنتاكي، وأماكن راقية، فإن هذه مظاهر مخادعة، لأنه في اللحظة التي قد تأتي فيها قوة إسرائيلية لتنفيذ سلسلة اعتقالات، فقد ينقلب الوضع وكل شيء رأساً على عقب، فالشباب متحمسون، والمنطقة تغمرها الفقاعات، وبالتالي فإن هناك نشاطا مستمرا خشية تحقق احتمالية الانفجار.