مؤرخون إسرائيليون يحذرون من”خطر داهم على وجود الدولة”

انضمام المزيد من الجهات الرافضة لخطّة الحكومة الإسرائيلية القضائية، أعطى المزيد من الزخم للسجال المُثار حول تبعات الخطة وانعكاساتها على “إسرائيل”، ومصيرها. وفي موازاة استمرار تدحرج كرة ثلج الاحتجاجات من تبعات، “الثورة الإصلاحية” كما يُسميها المؤيّدون، و”الانقلاب القضائي” كما يصفها المُعارضون، ومع تنوّع مروحة الجهات والشخصيّات المنضوية تحت دائرة الرافضين للخطّة أو المحذّرين من تبعاتها، انضم مؤخراً المزيد من الشخصيات الفكرية والأكاديمية والاقتصادية، التي حذّرت من أبعاد ومخاطر وجودية ومصيرية تنطوي عليها الخطّة في حال جرى فرضها من قِبل الحكومة من دون توافق عليها.

 مؤرخون يحذّرون: “خطر داهم على وجود الدولة”
شَهِدت الأيام القليلة الماضية اشتداداً في حدّة السّجال بشأن الخطّة القضائية الحكومية الإسرائيلية، وانضم عدد من القطاعات والشخصيات الإسرائيلية إلى دائرة الاحتجاج والتحذير من التبعات السلبية للخطة التي تنوي حكومة بنيامين نتنياهو دفعها. وفي هذا الإطار وجـّه أكثر من 100 مؤرّخ إسرائيلي متخصّصين في تاريخ “شعب إسرائيل” في الجامعات الإسرائيلية والأميركية، انتقادات شديدة إلى حكومة نتنياهو واتهموها “بتشكيل خطر على مجرّد وجود دولة إسرائيل والأمة الإسرائيلية”. 

وحذّر المؤرِّخون المئة، في رسالة نشرها موقع ” نيوز 1 ” الإسرائيلي، من أنّ تبعات الخطّة القضائية ستطال جوانب وجودية ومصيرية للإسرائيليين الذين هاجروا إلى “إسرائيل” منذ تأسيسها، وذلك -برأيهم- لثلاثة أسباب أساسية: “الفرار من الملاحقات، السعي إلى تحسين وضعهم الاقتصادي، والبحث عن مكان يمنح حياتهم مضموناً وجودياً وشعوراً بالانتماء”. وأضافوا أنّه بفعل الخطة القضائية “تخضع جميع هذه الأهداف للتهديد حالياً”.

 

ووفقاً لهؤلاء فإنّ “الحكومة الحالية تقتلع العامود الفقري وتفكّك بوعي مؤسّسات الدولة. والنتيجة ستكون أسوأ من تلك الممارسات التي في بولندا وهنغاريا”. وخلصوا إلى أنّ صورة الوضع مثيرة جداً للقلق. ومنذ بداية وجودها لم تحدث في “إسرائيل” أزمة عميقة بهذا الشكل، ينطوي بداخلها خطر داهم على وجود الدولة”. 

والّلافت أنّ خطر كرة ثلج الاحتجاجات لا يقتصر على اتساع حجمها وتنوّع جهاتها فحسب، بل باتت تنطوي على نبرة خطاب عالية، كالتهديد بحمل السلاح للدفاع عن “الديمقراطية الإسرائيلية”، وهو الأمر الذي صدر عن أحد كبار المحامين في “إسرائيل” في إطار مؤتمرٍ لنقابة المحامين، عُقد مساء الأربعاء، حيث هاجم المحامي دافيد حودَك، بقوّة خطّة الإصلاحات القضائية وقال: “لن أعيش في ديكتاتورية، حتى لو عنى ذلك القتال بالسلاح”، حودَك أضاف “لن أعيش يوماً واحداً في ديكتاتورية، وإذا تطلب الأمر القتال على هذا.. فسأقاتل”. 

وعلى الخلفية عينها، دعا أحد أقطاب صناعات الهايتك في “إسرائيل”، رجل الأعمال تومي لفني، العاملين في هذا المجال إلى ترك “إسرائيل” والتوقّف عن كونهم مواطنين في هذه الدولة والامتناع عن دفع الضرائب. 

هذه الدعوات أثارت ردوداً متباينة، وفيما رأى فيها البعض دعوات “صادمة” و”غير مقبولة”، أشار آخرون إلى أنّها تنطوي على منطق مقبول لأنّ الخطة القضائية ستقضي -برأيهم-على شركات الهايتك الإسرائيلية، وستُضعف الاستثمارات الخارجية فيها. 

في مقابلة تلفزيونية خاصّة أعرب الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد البروفيسور دانيئل كاهنمان، وهو أحد الأكاديميين الإسرائيليين البارزين في العالم، عن قلقه من تبعات الخطّة، وحذّر كاهنمان من أنّ الثورة القضائية المزمعة ستُنهي الديمقراطية، وتضرّ بالاقتصاد وتدفع المستثمرين وأصحاب المشاريع الكبرى إلى الفرار من “إسرائيل”. وشدّد كاهنمان على أنّ قلقه الشديد ينصبّ على “الإضرار بماهية الدولة التي عرفها وترعرع فيها”، وأضاف “هذه ليست الدولة التي أريد أن يعيش فيها أحفادي”.

“إسرائيل”.. مجزّأة ، مشرذمة ومنقسمة
العميداحتياط ، آفي بنياهو (محلل استراتيجي وإعلامي، كان ناطقاً باسم الجيش الإسرائيلي)، قدّم توصيفاً ” مرعبا” للواقع الإسرائيلي، بقوله إنّه  ” من حول الصخب العاصف، نحن في قطارٍ جبلي مرعب في خضم واقعٍ سياسي، قضائي، أمني واجتماعي معقد، مضلل، لا يمكن معرفة متى وأين وكيف سيتوقف. كله هنا ممتزج وكله يصبح سياسياً: معالجة الشؤون الأمنية، البورصة والاستثمارات، عمل الكنيست والحكومة، الإعلام والجهاز القضائي – لا توافق على شيء ولا على أي شيء. كله موضع خلافات”. 

بنياهو، ومن خلال مقال له نشره في ” معاريف” دقّ ناقوس الخطر من أنّها في سنواتها الـ 75، ” إسرائيل” مربكة، مجزّأة، مشرذمة ومنقسمة. في حياة أمة، 75 سنة هي لا شيء، نوع من جروح مراهقة، لكن عندنا، فيما الهيكل الأول والهيكل الثاني لم يتجاوزا هذا العمر – نحن في مجموعة مخاطر حقيقية، موضوع وراثي يجب الحذر منه. وضعنا القومي الكئيب يجلب معه ذكريات وقصص عن الانقسام في الخمسينات من القرن الماضي في الحركة الكيبوتسية، الذي مزّق مستوطنات ومجتمعات وعائلات”. وأضاف بنياهو أنّ الانقسام ” يمكن ملاحظته على الشبكات الاجتماعية، واللغة المنحطّة، في الشرخ وفي المواجهات العلنية بين صحافيين حتى داخل المؤسسة الواحدة، بين أصدقاء كانوا أصدقاء جداً ويقللون من الحديث كيلا يتشاجروا والوصول إلى قطيعة كاملة، وهكذا دواليك”. 

” قطار الجبال” الذي تحدث عنه بنياهو، والذي يهوي الآن، بحسب كلامه، “سيتحطّم إذا لم تكن هنا دولة سويّة وقوية، مع مجتمع صحي ومتكتل أمام تحدياتنا الأمنية والاقتصادية وغيرها، وفي مواجهة  الكراهية، الانقسام، وتضرر وتفكك المجتمع، الذي يُعد أخطر وأفظع من أي إصلاحات”.